القرآن الكريم له قدسية مطلقة نابعة ممن نزله سبحانه من اللوح المحفوظ ومن فوق سبع سماوات ليعلن بالوحى المقدس عن بدء مرحلة جديدة ومجيدة من عطاء الإسلام للبشرية على يد الرسول المعلم خاتم الأنبياء والمرسلين فبلغه للناس عقيدة وتشريعا وأخلاقا؛ فصحح إيمانهم بالله المعبود بحق ورسم لهم الطريق المستقيم بالملة السمحاء فجعل التوحيد أصل الدين؛وجعل السلام أساس التعايش؛ والعمل الصالح قرين الإيمان؛ بالوحى الملائكى وجنة الخلد على هدى النص: “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون”.
الدين الذى جعل من شعاره: “وقولوا للناس حسنا” وهو ما يقيم رباط الأخوة فالبشاشة والبسمة والمودة سفير الاجتماع الآمن على هدى أصول الاعتقاد وحقائق التعايش والاجتماع؛ وبتطبيق تشريع ينظم السلوكيات ويضبط التصرفات؛ على مبادىء الحياة الصالحة التى ينمو بها العمران والتنمية؛ كما أخبر به الحديث الشريف: “قل آمنت بالله ثم استقم” وهى استقامة الضمير والخلق ينضبط بها سلوكه ويراقب الله به فى كل عمل؛ ويعمل على أن ينفع أهله؛ ووطنه وأمته؛ والناس جميعا.
والمدقق فى الرسالة القرآنية للإنسانية يجد هذه السمة فى العطاء الصادق المشع بروح الإيمان لا تغيب أبدا عن النسق القرآنى؛ يتشكل بها روح وضمير المؤمن فهو فى معية رب الأرباب؛ وهو المؤدب بالأدب الإلهى الذى تشرب قلبه وكيانه من كتاب الله صاحب الملك والملكوت المتصف بكل صفات الكمال والجلال والجمال؛ بما أرسل به النبى الخاتم الذى أرسله الله للبشرية هاديا للعبادة الحقة والاستقامة على ما فيه إصلاح الفرد وصلاح المجتمع ومبشرا بالفلاح فى الدين والدنيا؛ فقد أرشد المؤمنين إلى سلوك طريق الحق والرشاد وإلى التزام طريق السعادة والارتقاء؛ ونهاهم عن الوقوع فى المعاصى والتورط فى الخطيئة؛ كاشفا لهم عن عاقبة الشقاء بسبب تخليهم عن منهجه وهدايته.
وكان من التمام لرسالته العامة؛ أن يجمع بين حقيقة الاعتقاد فى الوحدانية؛ والهداية للعالمين فى كل مناحى الحياة؛ والرحمة للإنس والجن؛ والحيوان والنبات؛ والطير والجماد، فقد أحكم ذلك بالقول: “ورحمتى وسعت كل شيء” ولا غرو فهو الكتاب الجامع الذى ختم الله به الكتب السماوية المنزلة على رسل الله من أولى العزم: صحف إبراهيم خليل الرحمن وتوراة موسى الكليم وإنجيل عيسى كلمة الله الذى نفخ فيه من روحه؛ فضلا عن زبور داوود عليهم جميعا الصلوات والتسليمات، وغيرها مما اختص به وتفرد عن غيره من كتب التنزيل.
ومادام أن الإنسان دائم البحث عما ينفعه ويرفع شأنه؛ وينهض بمجتمعه كان لزاما أن يطالع حقائق الكون ونظام العالم وسبل الترقى بين دفتى هذا الكتاب النورانى.
واجب المسلم نحو القرآن
تعلو قيمة المواثيق الخالدة أبد الدهر بما احتوته من فائدة للبشر وسبق إلى الحقائق فى الأمور محل الاهتمام؛ ويقينا فإن من يتدبر القرآن بمقاييس الموضوعية والتجرد للحقيقة يعترف بعظم منزلته مما يستأهل معه أن يفيد الناس منه؛ ومن ثم كان حقيقا على المسلم أن يتوفر على قراءته المسلم قراءة تدبر واعتبار.
وأن يدرك مغزى حقائقه بمراعاة الزمان والمكان والحالة التى تجعله يأخذ منه أقصى فائدة ويقينا فإنه واجد؛ فعلى كل من يقرأه أن يتخير الوقت الملائم للتلاوة، فالقارىء لآياته يتعبد به فى المحراب الإلهى فى حضرة المولى العظيم تحوطه العناية الإلهية ورعاية رب العالمين؛ وسيعلم أنه لا تنقضى عجائبه؛ يؤكد على حقائق الوجود.
فالمطلع عليه والقارىء له يجد فيه أنه يوقر كل الكتب المقدسة بحسبانه المشتمل على ما جاءت به والمعبر عن الرسالة الجامعة للعقيدة الصحيحة؛ فقد أكمل به صرح الدين وأتم به النعمة؛ وإسلام الرسالات: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا” فيكون من الأوجب والأوفق فى الشرع والعقل أن يكون من يتلوه على أفضل هيئة فى فهم مقاصده وأكمل حال فى تنفيذ رسالته الإصلاحية.
لكننا نجد أن جل من يتلون آياته لا يدركون هذه المكانة الرفيعة بل تنطوى طريقتهم على مجافاة لهذه الاعتبارات؛ ناهيك عن افتقاد التدبر فيما اشتمل عليه الكتاب المعجز من المعانى ومن أسباب النزول وفيما تضمنه من العبر والعظات فى محكم الآيات؛ فهو لا يراعى القيمة والمكانة للهدى الإلهى؛ ولا يشركه فى حل قضايا المجتمع والناس؛ فضلا عن أنه يغفل تعاليمه فى التربية الإيمانية وإلى ما تستقيم به حياتهم؛ وتسمو بها علاقاتهم وتعاملهم مع بعضهم البعض؛ الأمر الذى إذا التزموه نالوا سعادة الدنيا والدين.
وليس هذا هو الشكل الواجب ولا السليم لمن هو فى هذا الموقف الذى يتلو فيه حديث ملك الملوك ومأدبة الله للعالمين. فإن موقفا على هذا النحو يجب أن يتوفر فيه كل معانى الالتزام بالأدب السامى الذى يتجلى فيه كل سبل الاحترام والإجلال ؛حيث لا يجوز تلاوته بشكل عشوائى لا غير؛ إذ لا يعبر ذلك عن الاحترام الواجب لتنزيله من أعلى عليين ولا يتوفر به حق التلاوة والاعتبار؛ مما يتعين أن يتلوه على قدر المهابة والإجلال الذى يجب أن يصدق عليه حق التلاوة لعموم قوله تعالى: “الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون” البقرة / 121. إحقاقا لمعنى القداسة بحسبانه كتاب “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”؛ فقد جمع المحاسن كلها؛ ونهى عن السيئات والمساوئ جميعها؛ فحسبه أنه بالتلاوة قيمة الإيمان الحق ويدرك مغزى خلق البشر فهو تنزيل صاحب الجلال الأعظم والمقام الأكبر.





























