الدين هو العمود الفقري لضبط مسار البشرية على الطريق الصحيح، وفيه خير دينها ودنياها، وهو قوام الحياة الطبيعية وعمادها، فالحياة بلا دين حياة بلا قيم، بلا ضوابط، بلا أخلاق.
ولا يمكن للقوانين والأعراف والتقاليد وحدها مهما كانت دقتها أن تضبط حركة الإنسان في الكون ضبطا كاملا ما لم يكن لهذا الإنسان ارتباط وثيق بخالقه، وقد قال أحد الحكماء: من الصعب بل ربما كان من المستبعد أو المستحيل أن نخصص لكل إنسان شرطيًا أو حارسًا يحرسه أو مراقبًا يراقبه، وحتى لو خصصنا لكل إنسان شرطيًا يحرسه أو مراقبًا يراقبه، فالحارس قد يحتاج إلى من يحرسه، والمراقب قد يحتاج إلى من يراقبه، ولكن من السهل أن نربي في كل إنسان ضميرًا حيًّا ينبض بالحق ويدفع إليه، راقبناه أو لم نراقبه، لأنه يراقب من لا تأخذه سنة ولا نوم.
لقد أجمعت الشرائع السماوية على ما فيه خير البشرية، وما يؤدي إلى سلامة النفس والمال والعرض، ويحفظ الدماء والأموال والأعراض، ويرسخ لقيم الخير والعدل والأمانة والصدق وحفظ العهود وحق الجوار وسائر القيم النبيلة.
وقد ذكر لنا القرآن الكريم جانبا من القيم والمشتركات الإيمانية التي أجمعت عليها الشرائع السماوية في قوله تعالى: ”قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ۖ وَبِعَهْدِاللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
فهذه المعاني كما قال ابن عباس رضي الله عنهما لم تنسخ في أي شريعة سماوية، بل هي أصل مشترك في جميع الكتب والديانات والشرائع المنزلة من الله (عز وجل).
ولا شك أن الإلحاد مدمر للفرد والمجتمع، فكياننا الحضاري والمجتمعي والقيَمي قائم على البعد الإيماني، ومنبثق منه، ومرتبط به كل الارتباط، فأي محاولة للنيل من المقوّم الإيماني لحياتنا إنما هي محاولة لاقتلاعنا من جذورنا، وتمزيق نسيجنا الاجتماعي، والقضاء على سائر الجوانب القيَميّة والأخلاقيّة التي لا يمكن أن تقوم لمجتمعاتنا قائمة بدونها.
الإلحاد صناعة أعداء هذه الأمة لزعزعة استقرار دولها، وهدم بنيانها من أساسه بزرع الحيرة والشك في أصحاب النفوس الضعيفة بإيهامهم أن انسلاخهم من عقائدهم الراسخة سيفتح أمامهم باب الحرية في الشهوات والملذات واسعًا، بلا وخز من ضمير أو رقابة لأيّة سلطة إيمانية، غير أن السير في هذا الدرب مُدمّر لصاحبه، مُهلِك له في دنياه وآخرته، فواقع الملحدين مُر مليء بالأمراض والعقد النفسية والجسدية من الشذوذ والانحراف والاكتئاب وتفشّي الجريمة، واتساع نطاق الانتحار والقتل، يقول الحق سبحانه: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا”.
الملحدون لا يمكن أن تَطمئّن قلوبهم، ولا أن يتحقق لهم الأمن النفسي، فهم في حالة صراع نفسي متراكم ومستمر، يطلقون لأنفسهم العنان ويسرفون في شهواتهم بما يخرجها عن كونها نعيمًا إلى كونها نقمة وجحيمًا لا يطاق في كثير من الأحوال، فضلا عن أن الإنسان الذي لا يؤمن بالخالق ولا باليوم الآخر لا يكون له وازع من دين أو ضمير يحول بينه وبين الفساد والإفساد في الأرض، مما يجعله عرضة للاستقطاب وفريسة سهلة للاصطياد وربما التجنيد ضد مصلحة وطنه وأمته.





























