الشرع الإسلامي الحنيف يُبيّنُ للناس أن الله تعالى هو الرزاق لعباده، وأنه هو الذي يشرع لهم الحلال والحرام؛ فالجهة التي تخلق وترزق هي التي تشرع للمخلوقين فتحرم الحرام وتحلل الحلال؛ وهكذا يتضح الربط بين التشريع والعقيدة؛ فلا ينفك أحدهما عن الآخر، وهذان الأصلان يثمران الأخلاق التي جاء خاتم الأنبياء والمرسلين لإرسائها بين الخلق.
ثم نلاحظ أن الأمر بأكل الطيبات جاء عاماً لكل الناس؛ جاء قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” (البقرة 168-169) فيجب على الناس أن يتلقوا ما يحل لهم وما يحرم عليهم من الجهة التي ترزقهم؛ لكن الأمر جاء مقرونا بالتحذير من اتباع خطوات الشيطان؛ ولو ترك الأمر للإنسان لفعل ما لا يتخيله عقل؛ ولك أن تتخيل أن الصينيين يأكلون كل الكائنات الحية التي تمشي فوق الأرض أو تطير في الجو أو تعوم في الماء، وهذا الأمر يشمل الحيوانات والنباتات والحشرات، كل شيء حرفياً؛ حتى وإن فعلوا ذلك بسبب الجوع لكن اليوم نرى جمال الإسلام في كل ربوع الأرض يدعو إلى القيم الراقية التي تحفظ على الإنسان صحته ونظافته؛ ومن ثم جاء الأمر خاصا للمؤمنين: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”(البقرة-172) فالله تعالى يبيح لعباده الطيبات مما رزقهم؛ فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيباً من الطيبات ولا مفيداً لصحتهم، وأنه إذا حرّم عليهم شيئاً فلأنه غير طيب ويسبب لهم الضرر، وليس المقصود أن يحرمهم أو يضيق عليهم- وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداءً- ثم يوجه عباده للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك؛ فيبين لهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد.
ولا شك أن التشريع يمثل طلاقة هذه العقيدة الإسلامية، وتجاوبها مع فطرة الكون وفطرة الناس بلا كزازة ولا حرج ولا تضييق.





























