د. غانم السعيد: المحسنون لجيرانهم سعداء الدنيا والآخرة
د. يحي أبو بكر: علّموا أولادكم حب الجار والإحسان إليه
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتى
أكد العلماء المشاركون فى الندوة التى أقيمت بمسجد السيدة زينب بالقاهرة بالتعاون بين عقيدتي ووزارة الأوقاف، برعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، تحت عنوان:” حُسن الجوار وأثره في تماسك المجتمع”، أن المسلم يكون مراعيا لحقوق جيرانه بصرف النظر عن دينه ولونهم ولغتهم أن تعاليم الإسلام تأمره بذلك، وطالبوا الآباء والأمّهات بتعليم أبنائهم حقوق الجيران حتي يعيشوا في سلام وأمن واستقرار لأن المجتمع ما هو إلا مجموعة من الأسر المتماسكة المتعاونة.
أوضحوا أهمية تعريف الأجيال بالسيرة النبوية لأنها مليئة بالعِبر والدروس المفيدة لكل البشر فيما يتعلق بحقوق الجيران.
أكد الزميل جمال سالم- مدير تحرير عقيدتي- أنه ينبغي على المسلم أن يؤمن أنه صاحب رسالة في المجتمع فيكون كريم النفس، حسَن الخُلق مع جيرانه مقتديًا في ذلك برسول الله، المعلِّم الأوّل للأمّة، الذي قال الله عزَّ وجلَّ فيه:” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، وحق الجار في الإسلام يشمل العديد من الحقوق مثل: كفّ الأذى، الإحسان، تقديم الهدايا، تفقّده وقضاء حوائجه، وردّ السلام، وصيانة عِرضه. وتختلف هذه الحقوق بناءً على وضع الجار الذي يكون أقرب لجاره من أخيه في السَّرَّاء والضَّرَّاء، وقديما قالوا” الجار قبل الدار” وعلى قدْر الجار يكون ثمَن الدار، والجار الصالح من السعادة الدنيا والآخرة.
حقوق الجار
وأكد د. غانم السعيد، العميد الأسبق لكليتي اللغة العربية والإعلام، جامعة الأزهر، أن الجار هو مَن جاورك، والإسلام عظَّم حق الجار، وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار:” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ”، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار فقال:” مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه”. وحث النبي على الإحسان إلى الجار وإكرامه فقال: “… ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره”. وفي رواية للإمام مسلم: “فليحسن إلى جاره”، بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم:” والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه”، والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله فقال الرسول:” خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”.
أشار إلى أنه من الخطأ أن يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، فهذه الصورة واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، السوق، المزرعة، مقعد الدراسة، وغير ذلك من صور الجوار، وقد اتفق العلماء على أن الجار المسلم القريب له ثلاثة حقوق:”الإسلام، الجوار، القرابة”، والجار المسلم غير القريب له حقان “الإسلام والجوار”، والجار غير المسلم له حق الجوار فقط، ومع هذا فإن هناك حقوقا مشتركة لكل الجيران أهمها: كفّ الأذى عنه وعدم إيذائه بأي شكل، وكذلك الإحسان إليه بالقول والفعل، وتفقّده في حال غيابه، وقضاء حوائجه إذا احتاج للمساعدة، والوقوف مع من يحتاج للمساعدة، ولعل من أهم الواجبات هو التأكد من أن الجار ليس جائعًا بينما هو شبعان، وأن تقديم العون له عند الحاجة، تحمل أذى الجار والصبر عليه هو من شيم الكرام، وله أجر عظيم، ويجب ستر وصيانة عِرضه وعيوبه فلا يكشف أسراره، فإن فعل ذلك ستره الله يوم القيامة، بل إن الإسلام حثّنا على الإهداء إلى الجيران حتى لو كانت هدايا بسيطة، والتودّد إليه بالقول اللطيف، وردّ ويستجيب لدعواته، وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة، وقد حذر النبي من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك:” والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه”، ولما قيل له: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها. قال:” لا خير فيها، هي في النار”.
وعرض د. السعيد، العلاج النبوي لجار السوء فقد جاء رجل إلى النبي يشكو إليه أذى جاره، فقال له:” اطرح متاعك في الطريق”. ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله يشكو أن الناس يلعنونه. فقال له:” فقد لعنك الله قبل الناس”، فجاء إليه جاره فقال له:” ارجع، لا ترى مني شيئًا تكرهه”، كما أن تحمّل أذى الجار من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمّل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية امتثلا لقوله تعالى:” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”.
وأنهى د. السعيد كلامه داعيا المسلم إلى تفقد حال جاره وقضاء حوائجه، فقال النبي:” ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم”. وكان الصالحون يتفقّدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دُور حتى ترجع إلى الأول.
ضوابط شرعية
وأكد د. يحي أبو بكر، وكيل كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، جامعة الأزهر، أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم إلا بالقيام بالحقوق المتبادلة بين الجيران، وإن واقع كثير من الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق في السكن، وحتى إن بعضهم ليغتصب حق جاره، وإن بعضهم ليخون جاره ويعبث بعِرضه وحريمه، وأوصى الإسلام بالجار وأعلى من قدره لأن للجار في ديننا حُرمة مصونة، وحقوق مرعية، ولا يقتصر تعريف الجار على من جاورك في دارك، وإنما المرجع في ذلك إلى عرف الناس، فكل من عدّه الناس جاراً لك فهو جار تجب له حقوق الجوار، وكان السلف الصالح يعرفون قدر الجوار، ولا يؤثرون بالجار الصالح مالاً ولا عرضاً من الدنيا؛ فهذا محمد بن الجهم يعرض دارَه للبيع، فلما حضر الراغبون في شراء داره، قال لهم: قد اتفقنا على ثمن الدار، فبكم تشترون جوارَ سعيدِ بن العاص؟ فقيل له: وهل الجوار يباع؟ قال: وكيف لا يباع جوار من إذا قعدتَ سأل عنك، وإن رآك رحّب بك، وإن غبتَ حفظك، وإن شهدتَ قربك، وإن سألتَه قضى حاجتك، وإن لم تسأله ابتدأك، وإن نابتك نائبة فرّج عنك؟! فبلغ ذلك سعيد بن العاص فوجّه إليه بالمال، وقال له: أمسك عليك دارك. نعم؛ إنها بجيرانها تغلو الديارُ وترخص.
أوضح أن من أعظم حقوق الجار كف الأذى عنه، فهي أقل ما يجب على الجار تجاه جاره، فإنه إذا لم يحسن إليه، فلا أقل من أن يكف أذاه عنه. فيكفُّ الأذى عنه سواء كان بالقول أو الفعل، فقال تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”، ولهذا فقد وضع الإسلام نظامًا فريدًا للمجتمع أساسه التراحم والتعاطف، والتكافل والتكاتف، التعاون على البر والتقوى، التناهي عن الإثم والعدوان، وعظّم الله حق الجار على جاره لسعادة للفرد والمجتمع لأن الناس في هذه الدنيا المصائب تحيط بهم، والإنسان بمفرده أضعف من أن يصمد طويلاً أمامها، فالمرء قليلٌ بنفسه، كثيرٌ بإخوانه وجيرانه وأهله، ولاشك أن حاجة الجار إلى جاره كبيرة أكثر من الأهل أحيانا.
أوضح أن من كان خيِّرًا في معاملته لجيرانه وأصحابه وزملائه فهو دليل خيريته عند الله، وتوفيقه له، ومحبّته إياه، بل هو دليل على أنه خير الناس عند الله، وذلك بشهادة النبي: «من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلِّم من يعمل بهن؟» فقال أبو هريرة: فقلت: “أنا يا رسول الله”. فأخذ بيدي فعد خمسًا، وقال: «اتق المحارم تكن أعبد الناس، وأرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب”، ولهذا فإن الإحسان إلى الجار دليل على صدق الإيمان، وشُعبة من شُعبه، وقال بعض الحكماء: “ثلاث إذا كن في الرجل لم يشك في عقله وفضله: إذا حمده جاره وقرابته ورفيقه”، وقال عليه الصلاة والسلام: «أول خصمين يوم القيامة جاران»، وهذا يدل على أن الله تعالى سينتقم للجار المظلوم من جاره الظالم، وأن هذه الخصومة مقدمة على غيرها، ومن الكبائر أن ينتهك الجار محارم جاره، أو يسرق من ماله، وسئل النبي: “أي الذنب أعظم؟” قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك»، قيل: “ثم أي؟” قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، قيل: “ثم أي؟” قال: «أن تزاني حليلة جارك» وهذا يؤكد أن حق الجار على جاره كبيرًا، ومعرفته بأحواله، وقدرته على خيانته وكيده بحكم جواره وقربه أكثر من غيره، كان عدوانه عليه بالزنا بمحارمه أو سرقة ماله أعظم إثمًا وأشد جرمًا.
وأنهى د. يحيى كلامه مؤكدا أن الجار الصالح من أسباب سعادة المرء، فمن أسباب سعادة العبد أن يوفق بجار صالح يرعى له حرمته، ويعرف له حقه، ويراقب الله تعالى فيه، يقول النبي: «ثلاث خصال من سعادة المرء: الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع»، ومن كلام الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق”. وقال بعضهم:” كدَر العيش في ثلاث: الجار السوء، والولد العاق، والمرأة السيئة الخلق”.





























