بقلم: د. أحمد محمود كريمة
أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر
رئيس ومؤسس “التآلف بين الناس” الخيرية
الآثار لدى الأمم والشعوب والدول فى شتى الأعصار والأمصار، ذاكرة للماضى، وعظة للحاضر، والاستشراف للمستقبل. والدين الإسلامي فى مجمله لا يحظر على الناس الاحتفاظ بهذه الآثار التي هى مكوِّن مهم لحضارات، وعمل ثقافى شاهد ناطق على مسيرة البشرية، وقد فقه الفقهاء الحقيقيون الذين وهبهم الله نور الفهم، ذلك، فلم يبيدوا الآثار الآشورية فى العراق ولا الفينيقية فى الشام ولا المصرية القديمة فى مصر، بل أقرّوا ما عمله فنّانون مسلمون فى الأندلس (أسبانيا) من فنون جميلة، ولأن المجتمع الإسلامي آنذاك كان له الفهم السديد، ولم يعاني من وساوس وهلاوس الشرك والكفر العقائديين، ولا معاداة الحضارة الإنسانية ولا نهج (الانتقاء والاجتزاء) لظواهر بعض النصوص الشرعية- ومعظمها أخبار آحاد- لذا سَلِمَت هذه الفنون الجميلة، والآثار المجيدة، معالم تراثية باقية. وقد حكى وقصّ القرآن وجودها فى زمن سيدنا سليمان- عليه السلام- بقوله- عزَّ وجلَّ-: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
وجه الدلالة: يبيّن- سبحانه وتعالى- بنعم أنعم بها على سيدنا سليمان بتسخير الجن له من يعملون بين يديه ما يريده منهم من (محاريب: الأبنية المرتفعة)، والتماثيل من معدن وخشب وغير ذلك على أى صورة لكائن حى أو لغيره، وهذا دليل على إباحتها.
وقد ضرب السابقون من المسلمين القرون الثلاثة السابقة صورًا منحوتة وبارزة على عُملات دون نكير.
فى العمل العلمي السليم يجب فقه اصطلاحات ذات صلات وعلاقات منها: أ- الأصنام: التمثال المصنوع من حجر ويُعبد من دون الله. ب- التمثال: ما صنع من معدن وخشب وزجاج وغيره ويُعبد من دون الله. ج- الأوثان: عبادة كل معبود من دون الله على أى صورة كانت. د- الرسم: الصورة المسطَّحة، إذا كان معمولاً باليد، ولا تسمّى الصورة الفوتوغرفية رسما. هـ- التزويق: مثل: النقش، الوشى، الرقم: تجميل الشئ المسطّح أو غيره بإضافة أشكال تجميلية إليه سواء أكانت أشكالاً هندسية أو نمنمات، أو صورًا أو غير ذلك.
الحكم التكليفي الأصلى: الإباحة، فلا مانع حيث لا مانع والآثار الإنسانية والترفُّه عدَّه علماء أصول الفقه من المصالح الحاجية. قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). ومما يدل على المشروعية اتخاذ نبى الله سيدنا سليمان لتماثيل غير معبودة من دون الله وهى من الفنون الجميلة (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل) .
وجه الدلالة: شرع من قبلنا شرع لنا لقوله: (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، ولا ناسخ معتمد ومعتبر .
ما ورد فى نصوص حديثية أحادية- من الحظر أو المنع تجب معرفة (العلّة) أنها- مصنوعات معبودة اعتقادًا من دون الله مثل (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى {19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)، (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)،
(أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً)، (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ)، (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)، (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ). فهذه الآيات القرآنية المحكمة وضّحت عِلل الأصنام والتماثيل فى بعض الأمم السابقة، من عبادة وتعظيم، ومنها ما جعلها وسائط بين الله وخلقه (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى). فالعلّة هى ما أضاف الشارع الحكم إليه وناطه به، ونصبه علامة عليه، مثل قوله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا). وقوله- ﷺ-: (القاتل لا يرث) جعل فيه قتل المورث مناطًا للحكم وهو حرمان القاتل إرث المقتول ولم يرد مطلقا فى الآثار المصرية القديمة أن الناس عبدوا تمثالاً لاعتقادهم بوجود خالق واحد مثل دعوة (إخناتون) وعقيدة البعث بعد الموت والجزاء الأخروي، وما كانوا يفعلونه فى موتاهم .
إن حصر وقصر (فرعون موسى) على الحقبة المصرية القديمة كلها انحراف عن حقائق الأشياء .
تنبيهات: لا عبرة بقول جهلاء بنصوص الأحكام الفقهية ودلالتها، وعلّة المنع والحظر، والخلط بين (عبادات) و (عادات) والجهل الفاضح بمفاهيم معتمدة مثل عدم فقه مصطلح (صورة) والتي هى المعبود من دون الله كما فى أخبار وآثار، وبين الآلات المعاصرة مثل الكاميرا فى الصور الثابتة والمتحركة وما صرح به أشياخ متسلِّفة وهابية.
ومما يحرّفون بأفهامهم السقيمة الكلم عن مواضعه، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {116} مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فالإسلام فى صحيح دلالات نصوصه، وأفهام علمائه الراسخين: الآثار القديمة لا حرج فيها، ومباحة ومشروعة وتجب المحافظة عليها وتباح رؤيتها للترويح عن النفس ولمهام علمية وغيرها.






























