د. عادل أبو العباس: علم الغيب لله وحده
د. محمد الصفتي: خرافة تُضلّل الناس
تحقيق: سمر هشام
في ظل انتشار ادّعاءات معرفة الغيب عبر منصات الإعلام ووسائل التواصل، وتجدُّد ظهور المُنَجِّمين تحت مسمّيات مختلفة، أصبحت هذه الممارسات تمثّل خطرًا على العقيدة، لما تحمله من تضليل واستغلال لعقول الناس ومشاعرهم.
وقد أجمع علماء الدين على ضرورة التمسّك بالعلم الصحيح والتحذير من الانسياق وراء أوهام التنجيم والعرافة.
يوضح د. عادل ابو العباس- من علماء الأزهر- أن من أصول العقيدة الإسلامية أن الله جلَّ جلاله مختص بعلم الغيب فهو (عالم الغيب والشهادة) وهو الذي (لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في الأرض)، فإذا أراد سبحانه أن يُطْلِع بعض رُسُله علي بعض الغيبيات منحه ذلك مصداقا لقوله تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا إلا من ارتضي من رسول).
وأكد د. أبو العباس أن كل من يدّعي معرفة الغيب من غير الرسل، فهم دجاجلة كذّابون يأكلون أموال الناس بالباطل عن طريق وسائل الإعلام التي تفتح الأبواب لأمثال أولئك الدجاجلة الذين يكذبون باسم الكهانة والعرافة، وقد حذّر منهم سيدنا رسول الله بقوله: “من أتي كاهنا أو عرَّافا فصدَّقه فقد كفر بما أُنزل علي محمد”.
ويبيّن د. أبو العباس أن المقصود بالكفر هنا ليس بمعني الخروج من الملّة وإنما هو كفر بنعمة العقل الذي منحك الله إيّاه وكأنه يقول لك: كيف تصدّق أيها العاقل من يزعم أنه يعلم الغيب أين عقلك؟!
وحتي لو صادف قول العرّاف وقوع حدث ما فهو أيضا كذب ودجل وضحك علي ضعاف الإيمان.
أشار د. أبو العباس إلى أن النبي حسم هذه المسألة بقوله: “لا يعلم ما في غد إلا الله”.
حب الاستطلاع
ومن جانبه يرى د. محمد الصفتى- مدير إدارة شئون مجالس الإدارات بالأوقاف- أن الإنسان يبحث دائما عن المجهول ووقائع المستقبل القريب أو البعيد، وفي الإنسان غريزة حب الاستطلاع، ويبذل في ذلك جهودا كثيرة وكبيرة، ويتخذ الوسائل المتعدّدة، ومنها ما عُرف بالتنجيم- الكهانة- العرافة، وغير ذلك؛ فالتنجيم هو ادّعاء الاستدلال بالنجوم ومواقعها وتحرّكاتها على ما يحدث مستقبلا كبعض الكوارث الطبيعية أو وقوع الحروب والأزمات، أو موت بعض الأشخاص، أو حظّكم اليوم، أو غير ذلك، والكهانة هي ادّعاء علم الغيب، بأيّة وسيلة من الوسائل، وقد تختص بما كان فيه اتصال بالجنّ، والعرافة هي ادّعاء معرفة الأمور بمقدّمات وأسباب يستدل بها علَّى مواقعها كالمسروق والسارق، والضالة أين مكانها، وقد تكون ضربًا من السحر.
يضيف: وإن وافق قولهم قَدَراً، فلا يكون ذلك دليلاً قاطعا على صدْقهم، ولكنها تبقى مجرد توقّعات، وليست حتمية الحدوث كما يتوقّع المدرّس النابه حصول أحد الطلاب على تقديرات معينة، أو كما يتوقّع الطبيب الحاذق حصول الشفاء أو دنو الأجل لأحد المرضى، فذلك كلّه مجرّد توقّعات أو تنبّؤات مستقبلية قد تحدث وقد لا.
ويحذر د. الصفتي من الوقوع في التوقّعات التى قد يُفتن فيها ضعاف الإيمان، ومن خفَّت عقولهم، ووهنت قلوبهم حيث يجرون خلف كل دَعيٍّ كذَّاب، وعلى المؤمن الصادق في إيمانه أن يتجنّب هذه المزالق حتى لا يخدش دينه، ولا يشوّش خاطره بترهات وأباطيل، لا قيمة لها، وفي صحيح مسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». وفي رواية: “فقد كفر بما نزل على محمد” من أن علم الغيب المطلق لله تعالى وحده.
ويشدّد د. الصفتى، على ضرورة التفريق بين التنجيم وعلم الفلك؛ فالتنجيم ليس علمًا، ولا قواعد له، ولا حقائق علمية، ولا نظريات، ولا يخضع للملاحظة والتجربة، فهو مجال واسع للرجم بالغيب والذي يستهوي بعض الناس فتميل لتصديقه، وأما علم الفلك فهو يقوم على أسس وبراهين علمية وحقائق كونية، وله نظرياته وأدواته، والتي يثبت الواقع صحّتها وصدقها كحدوث كسوف للشمس أو خسوف للقمر في زمن كذا، والذي قد يكون كليا أو جزئيا أو يراه أهل بلد دون آخر، وهذا يؤيّده قول النبي: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَقُومُوا، فَصَلُّوا»، ومعنى كونهما آيتين أي على العلماء أن يجتهدوا في إدراك ذلك، ومعرفة أسراره.
ويقول د. الصفتى: الغيب نوعان مطلق، وغير نسبي أو جزئي، فالغيب المطْلق لا يعلمه إلا الله، علما واقعا حتما لا يتخلّف وقوعه أبدا، وقد كثرت الآيات القرآنية التي تؤكد هذه الحقيقة، كقوله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]. وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} [لقمان: 34].
ومن أمثلة الغيب النسبي الرؤيا الصادقة التي يراها المؤمن، وهي جزء من النبوّة لكنها تظلّ ظنّية لا جزم فيها، ويدخل في الغيب النسبي أيضًا معرفة نوع الجنين التي أصبحت ممكنة طبّيًا بعد أن كانت مجهولة في الماضي، أما قوله تعالى «ويعلم ما في الأرحام» فمعناه أعمّ من جنس الجنين؛ فهو يشمل علم الله السابق بصفاته ومصيره ورزقه وسعادته وشقائه، وهذه أمور لا يعلمها إلا الله وحده.
ويؤكد د. الصفتي أن هناك بعض الغيبيات التي قد يُطْلِع الله بعض خَلقه عليها، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلا من ارتضى من رسول} [الجن:26]، فيكون علمهم لها علمًا خارجيا– أي ليس من ذوات أنفسهم بل من الله– وجزئيا أي ليس مطلقا شاملا لكل الحقائق.





























