طــــــارق عبـــــدالله
يوم 10و11 نوفمبر الجاري وافق الكنيست الإسرائيلي في قراءته الأولى، على مشروع قانون يُجيز تنفيذ الإعدام بحق أسرى فلسطينيين، وهي الخطوة التي أثارت انتقادات دولية ومحلية، حيث يُعد قرار الكنيست بإقرار مشروع القانون تصعيدًا تشريعيًا من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، فإذا ما تمّ تمرير القانون في القراءات المتبقية، فسوف يغيّر بشكل جذري من طبيعة التعامل القضائي مع الأسرى الفلسطينيين، ويثير أسئلة جدية حول العدالة، والحقوق الإنسانية، والتحريض السياسي؟!
كما أنه يعطي دلالة قوية على أن بعض المكونات داخل الحكومة ترى أن الرد على “المقاومة” يجب أن يكون بالقوة القصوى، وليس فقط بالسجن أو التفاوض.
نزعات متطرفة
يرى مراقبون أن إعادة إحياء مشروع “إعدام الأسرى” يأتي في ظل مناخ سياسي واجتماعي تتزايد فيه نزعات اليمين المتطرف، ومع تصاعد التوتر عقب انتهاء الحرب على غزة وإجراء مفاوضات على مراحل بين طرفي النزاع الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، ما يجعل هذا المشروع يعكس بوضوح التحولات العميقة في بنية القرار “الإسرائيلي” تجاه الفلسطينيين.
قدَّم القانون كل من ليِمور سون- هارمالِخ من حزب “عوتسما يهوديت”، ودودد فورر من حزب “إسرائيل بيتينو”.
في المقابل دعم وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير المشروع بقوة، أما رئاسة وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو فقد أعطى الضوء الأخضر للمشروع.
وينص القانون على الإعدام لمن “يتسبب عمداً أو من خلال إهمال في وفاة مواطن إسرائيلي”، إذا كان الدافع “عنصرياً أو كراهية أو بهدف الإضرار بالدولة”. و”لا يسمح بتخفيف الحكم (أي الاستئناف أو تخفيف العقوبة) في حالات الإعدام “حسب صيغة المشروع.
ووفقا للمشروع فإن القضاء يمكن أن يصدر حكم الإعدام بأغلبية بسيطة، وليس بضرورة توافق كامل، فاستنادا لهذا المشروع لن تكون هناك حاجة في قرارات المحاكم العسكرية في الضفة الغربية لإجماع ثلاثة من قضاة المحكمة العسكرية لفرض عقوبة الإعدام، وإنما الاكتفاء بغالبية اثنين من ثلاثة قضاة لتنفيذ حكم الإعدام، وهذا يخفِّض من مستوى الضمانات التقليدية في المحاكم!
كما يمنع القانون استبدال الإعدام بعقوبة أخرى، ويسمح بتطبيق العقوبة من غير طلبها من المدعي العام العسكري، إلى جانب أنه يسمح بتطبيقها في محاكم الاحتلال المدنية وليس المحاكم العسكرية فقط.
وقد أُقِرَّ المشروع في القراءة الأولى بعدد 39 صوتاً مقابل 16 ضد، من أصل 120 نائباً، وبعد التصويت أحيل المشروع إلى لجنة الأمن القومي للبتِّ في الصياغة قبل قراءتيه الثانية والثالثة.
القانون ليس جديدا، حيث تم طرحه في السابق، وفي مارس 2023 تم إقرار نسخة أولية (تمهيدية) لمشروع مشابه، ويُعد مشروع القانون جزءا من إلتزامات التحالف الحكومي بين حزب نتنياهو و”القوة اليهودية” بقيادة بن غفير.
ويحتاج الكنيست الإسرائيلي إلى قراءتين إضافيتين (الثانية والثالثة) قبل أن يصبح القانون نافذًا، لذلك الطريق أمامه لا يزال طويلاً.
ردود أفعال
في المقابل حذّرت منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية أيضا من أن القانون يُستخدم كوسيلة للانتقام وليس للعدالة، خصوصاً في ظل اتهامات بانتهاكات حقوقية في السجون الإسرائيلية، حيث يُعد المشروع جزءًا من أجندة تشريعية متشددة، تشير إلى تصعيد تشريعي بعد تصاعد التوترات مع الفلسطينيين عقب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023.
ودانت منظمة التعاون الإسلامي بشدة مشروع القانون الإسرائيلي، ووصفت هذه التشريعات بـ”العنصرية الباطلة” التي تمثل انتهاكاً واضحاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. حيث دعت المنظمة المجتمع الدولي إلى “تحمُّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية”، والعمل على وقف جميع انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
من جانبها حذرت 9 منظمات حقوقية فلسطينية من ارتكاب “إسرائيل” إعدامات جماعية بحق الأسرى حال إقرار المشروع، مشيرة إلى أن تل أبيب تمارس الإعدام فعلا بأشكال مختلفة حتى قبل إقرار القانون.
واعتبرت المنظمات الحقوقية الفلسطينية أن “جوهر ما يهدف له التشريع المقترح هو الاستجابة لدواع الانتقام أو الثأر وليس عملية ردع أو منع مستقبلية”.
ويرى مراقبون أن مشروع القانون يشكل اختبارا حقيقيا لطبيعة التحول داخل المجتمع والسياسة “الإسرائيليين”، بين من يسعى لترسيخ نهج العقاب الجماعي والتطرف، ومن يحذر من تداعياته على صورة “إسرائيل” وعلاقاتها الدولية.
وأكدوا أن إصدار القانون بات محتملا، لكن تنفيذه سيبقى مؤجلا أو مقيدا، لتجنّب الصدام مع المجتمع الدولي، مع احتمال إعادة تفعيله مستقبلا إذا عزَّز اليمين الديني نفوذه في الانتخابات القادمة.
ولكن العقبة القانونية الأبرز أمام تنفيذ القانون تكمن في أن الضفة الغربية تخضع للقانون العسكري “الإسرائيلي” وليس المدني، ما يعني أن القانون يجب أن يتماشى مع اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر إعدام المقاتلين المدنيين.
كما أن الضغوط السياسية على المؤسسات القضائية “الإسرائيلية” بما في ذلك محكمة العدل العليا، قد تحدّ من قدرتها على تعطيل مثل هذا القانون، خاصة في ظل تصاعد الحملات ضد المدّعين والقضاة الذين ينتقدون انتهاكات الجيش.
من ناحية أخرى تعارض جهات “اسرائيلية” مشروع القانون، يأتي في مقدمتهم الجهاز القضائي الصهيوني الذي لا يتحمس لتنفيذ حكم الإعدام، لأنه سيظهر إسرائيل بصورة أكثر بشاعة مما هي عليه اليوم، ففي حال إقرار القانون والشروع بتنفيذه ستكون النتيجة عكسية “لن يردع الإعدام الفلسطينيين بل سيدفعهم للقيام بعمليات أكثر بعكس ما يعتقد القائمون على مشروع القانون”.






























