قدّمت فى المقالين السابقين ملخّصا لما أورده الأستاذ عباس العقاد فى كتابه (الإسلام دعوة عالمية) من كتابات لمستشرقين غربيين عن الإسلام ونبيّه، واليوم أستكمل، حيث عرض العقاد بتوسّع لكتاب “الإسلام بين أديان الأمم” للدكتور هستون سميث أستاذ الفلسفة بالجامعات الأمريكية، الذى عاش فى بعض بلاد الشرق ودرس أديانها وكتب عنها، ويتضمن كتابه هذا فصولا عن ديانات العالم الكبرى؛ البرهمية والبوذية والطاوية والكونفوشيوسية والإسلام واليهودية والمسيحية، وقد بدأ كلامه عن الإسلام بالإشارة إلى أن “اسم المحمدية الذى يطلقه الغربيون على الإسلام يغضب المسلمين، لأنه ينسب الإسلام إلى “محمد” وأن مدلول كلمة الإسلام هو “سلام الروح الشامل بتسليم حياة الإنسان جميعا إلى الله”.
ويركّز “د. سميث” على أن محمدا كان فى المدينة حاكمها وقاضيها، ومعلّم الناس فيها، ومع ذلك لم يتغيّرعن أيامه الأولى، وأشار إلى دور الزكاة فى إصلاح المجتمع، وبأن الإسلام يقرن الملكية بالعمل ويحرّم الربا، ويفتح الأبواب لتداول الثروة، ويكره احتكارها، كما دافع دفاعا حسنا عن قضية المرأة، وقدّم شرحا عقلانيا لتعدّد الزوجات، ويختم المؤلّف بالتأكيد على ان الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا رغم قلّة دُعاته.
ثم يأتى العقاد إلى الفصل الذى أخذ منه عنوان كتابه “الإسلام دعوة عالمية”، وفيه يردّ على الشُّبهات التى أثارها المستشرق النيوزيلندى (سوندرس) المحاضر بقسم التاريخ فى جامعة نيوزيلنده، الذى زعم أن انتشار الإسلام كان من عمل عمر بن الخطاب، ولم يكن من برنامج الدعوة المحمدية، فمحمد لم يفكر فى دعوة أحد غير العرب إلى الإسلام، وإذا كان القرآن فيه أدلّة على أن الله إله الجميع، والإسلام للناس كافة، فإن فيه أدلّة أخرى على أن الإسلام جاء للعرب خاصة، وقوله تعالى: “تبارك الذى نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا”، يقابله قوله: “لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلّهم يتذكّرون”، وقوله: “وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أمّ القرى ومن حولها”، فهل جاء القرآن العربي ليخاطب أناسا غير العرب، لغتهم ليست اللغة العربية؟!
وردّ العقاد على ذلك بأن القرآن الكريم يخاطب الناس جميعا، ويطلب منهم أن يعرفوه ويعبدوه ويؤمنوا برسوله، فهل هؤلاء هم أهل الجزيرة العربية وحدهم؟ وورد فى القرآن أن الرسول قد أرسل إلى أصحاب الأديان السابقة بالإسلام، والله تعالى جعل الرسالة الإسلامية موجّهة إلى “أم القرى” ومن حولها، والعالم كله يقع فى دائرة (من حولها)، التى تتّسع للنوع الإنسانى كافة.
ثم يعرض العقّاد كتابين مهمّين لكاتبين هنديين يتحدثان عن حاجة البشرية إلى نظام عالمي جديد عادل يقوم على أسس الإسلام ومبادئه بعد أن فشلت الأنظمة الحديثة (الفاشية والنازية والشيوعية والديمقراطية) في تحقيق ذلك النظام، الكتاب الأول بعنوان (الإسلام والنظام العالمي الجديد) للكاتب محمد على مترجِم القرآن إلى اللغة الإنجليزية، والثاني بعنوان (تسليم أوروبا وأمريكا”، أي أسلمتهما، للكاتب ميرزا بشير الدين محمود، وقد أكّد المؤلّفان أن الإسلام يقدّم قواعد أخلاقية واقتصادية صالحة لبناء الوحدة الإنسانية العالمية، ويستطيع إنقاذ العالم من معضلاته الروحية والسياسية والاقتصادية، وحلّ مشكلة الفقر وتوزيع الثروة بين أمم العالم وأفراده، فالحل الشامل لكل مشكلة إنسانية عامة يجب أن يتناول الإنسان كله، ولا يهمل فيه جوانب العقيدة والإيمان، وجاء المؤلّفان بالأدلّة الكثيرة على أن الإسلام ينفرد عن غيره من الأنظمة والنظريات بمزية الإصلاح وتعميمه بين جميع الأجناس والطبقات دون تمييز، ولذلك كان الإسلام للناس كافة، وكانت دعوته عالمية في كل زمان ومكان.






























