تباين مواقف الإسلام والمسيحية واليهودية من الغناء والموسيقي
ثلاث ترانيم موسيقية رئيسية منذ بدء الخليقة حتى الآن
أسست أكاديمية لتعليم المقامات للقرَّاء والمبتهلين
الموسيقى مفيدة في العلاج النفسي والعضوي
أنجزت 1500 عمل ديني.. وأعتز بـ”كل الناس بتحبك” في مدح العذراء
حوار
جمال سالم
محمد الساعاتي
تصوير : نبيل حافظ
رغم التكريم والشُّهرة الدولية التي يتمتع بها الموسيقار د. أحمد حجازي إلا أنه برز في الإعلام بقوة حين انتشر له فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه يلحِّن آيات من الذكر الحكيم على أنغام العود!
ورغم اعتذاره عما قام به، إلا أن البعض اعتبره ازدراءً للأديان، وقرّرت النيابة العامة حينها إحالته إلى محكمة جنح النزهة التي عاقبته بالحبس 6 أشهر وتغريمه 2000 جنيه لما نٌسب إليه من ارتكاب جرائم من تغيير شكل القرآن، والإساءة للدين الإسلامي، والأديان السماوية، ليعلن الاستئناف على الحكم الصادر ضده، وينال في النهاية البراءة والتوقير من هيئة المحكمة بعد أن اطَّلعت على مُلابسات الواقعة، وأنه كان يقوم بتعليم المقامات الموسيقية لمجموعة من القرَّاء والمُبتهلين من الهِمَم والبصيرة.
من هنا تأتي أهمية الحوار معه حول العديد من القضايا المتعلقة بالموسيقى والغناء، خاصة بعد أن أعلن تأسيسه أكاديمية لتعليم الموسيقى، والمقامات، والغناء، والإنشاد الديني.
*بداية نود التعرف على فحوى الاعتذار عما نُسب إليكم من تلحين القرآن على أنغام الموسيقى، إلى الأزهر ونقابة القرّاء ومشيخة عموم المقارئ؟
** كتبت في الاعتذار:” أؤكد أن القرآن الكريم له قدسيته ووقاره وجلاله، ولا يجوز أن يُلَحَّن منه شئ على الإطلاق، فهو كلام الله عزّ وجلّ ودستورنا السماوي المعجِز، وما كنت أقصد المعنى الذي ظهر في المقطع المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعى، وعلى هذا أتقدّم بخالص الاعتذار إلى الأزهر الشريف وإلى نقابة محفّظي وقرّاء القرآن الكريم ومشيخة عموم المقارئ المصرية، وإلى مسلمى العالم وإلى كل الغيورين على كتاب الله، وأتعهّد بعدم تكرار ما حدث مرة أخرى بإذن الله”.

الموسيقى والصخب
* ما التعريف العلمي للموسيقى المفيدة في ظل حالة الصخب والتلوث السمعي الذي نعاني منه الآن؟
** الموسيقى هي تلحين الأشعار الموزونة، وذلك بتقطيع الأصوات على نِسب منتظمة ومعروفة، ويوقع على كل صوت منها توقيت عند قطعه فيكون نغمة ما، وتوليف تلك النغمات بعضها إلى بعض على نسب متعارفة يجعلنا نتلذذ بسماعها، وما نعرفه اليوم عن علم الموسيقى يرجع إلى أيام الإغريق الذين نصبُّوا للألحان والغناء إلهًا أسموه “أوريس”، وكانت له فرقة مكونة من سبع بنات أطلقوا عليهن اسم “الآلهات السبع للفنون الجميلة” واسموا كل واحدة منهن باسم “ميوز”. ومن هنا جاءت كلمة “ميوزيك” التي شاع استخدامها بين لغات كل الشعوب، وتعني “اللحن أو النغم” والموسيقى تسري في الأبدان والوجدان والأرواح.
وقد أجمع الفلاسفة في كل الحضارات وخاصة اليونانية أنها وسيلة فعالة في تربية النفس وتهذيب الطباع، بل معالجة بعض المشكلات العضوية، بل إن أفلاطون يعتبرها أفضل الفنون وأرَقَّها جميعا، لأن الإيقاع والتوافق يؤثّران في النفس والروح والجسد في نفس اللحظة بما ينعكس أثرها على أعضاء الجسم وأجهزته المختلفة، وإذا عُدنا إلى التاريخ المصري القديم نجد الفنان المبدع والطبيب الحاذق “أمحتب” الذي يعتبر أول من استخدم الموسيقى في العلاج، بل أول من أنشأ معهدا طبيا في التاريخ للعلاج بالذبذبات والإيقاعات الموسيقية .
التأثير الإيجابي
* هذا عن وَلَع القُدامي بالموسيقى وتأثيرها، فماذا يقول العلم الحديث عنها وتأثيرها الإيجابي على الإنسان وحالته النفسية والمزاجية والعصبية؟
** يؤكد العلماء وجود تأثير مباشر للذبذبات الموسيقية على الجهاز العصبي للإنسان، حيث أثبت أن لكل ذبذبة أو أكثر تأثيرا واضحا على عصب أو جزءٍ ما بالمخ فتخدِّره بقدر ما، وبالتالي يحدث الاسترخاء وينعم الإنسان بالهدوء والراحة أو تعمل على تجميع الإرادة للتغلّب على مسبّبات الضيق والألم وتنشِّط الجسم لتكوين المضادات الطبيعية والتي تقوي الجهاز المناعي المسئول عن مقاومة الأمراض ومحاصرتها بل التغلب عليها، ومن هنا ظهرت أهمية الموسيقى والغناء.
وأثبتت الأبحاث والتجارب أن هناك علاقة وثيقة بين الافتقار إلى الحسّ الموسيقي وبين ظهور الأمراض، وكذلك التأخّر العقلي والذي يؤثّر على كافة أعضاء الجسم، فالطفل الذي يتربّى في بيئة تفتقر إلى الحسّ الفني والأحاسيس والمشاعر والمشاعر الطبيعية يكون نموّه الذهني أقلّ من طفل آخر يتربّى في بيئة تمتلئ وتفيض بالأحاسيس والمشاعر الطيبة، بل تكون قُدراته الذهنية ضعيفة وإدراكه أقلّ، بل يعاني قصورا في ذكائه لأن للموسيقى تأثيرات “عضوية وعقلية ونفسية وخُلقية واجتماعية وقُدرات استشفائية”. وقسّمت الأحان قديما إلى “روحية وحماسية وحربية وجنائزية وداعية للعمل بجد وأفراح وغيرها”، بل إن “ابن سينا” أكد أن بعض النغمات تُخَصَّص لفترات معينة من النهار أو الليل، وأول من وضع قواعد علم الموسيقى هو العبقري “فيثاغورس” وهو من تلاميذ سيدنا سليمان، عليه السلام.

اختلاف العلماء
* اختلفت آراء واجتهادات علماء الإسلام حول الموسيقى، فماذ تقول أنت كموسيقي قمت بتوظيفها في خدمة الدعوة الإسلامية من خلال تعليم القراء والمبتهلين والمنشدين للمقامات الموسيقية؟
** بعد ظهور الإسلام وانتشاره أخذت الموسيقى شكلا ومرحلة جديدة، وجاء موقف الإسلام منها بين مؤيّد ومعارِض، وتناقَش الفقهاء قرونا حول نظرة الإسلام للموسيقى، فمنهم من حرّمها، ومنهم من أثبت بالحجّة والبرهان أن الإسلام شرعها وحلّل عزْفها وممارستها، ولم تأت كلمة واحدة في القرآن تحرّم الموسيقى مباشرة، أو تؤكّد كراهيتها مباشرة، وهناك رواية نُسبت إلى رسول الله قوله: “ما بعث الله نبيا إلا حَسَن الصوت”، وورَد حديث آخر أن الرسول أباح الموسيقى فقال:” أعلنوا هذا النِّكاحَ واجعلوهُ في المساجِدِ واضربوا عليهِ بالدُّفوفِ”، وقوله لأم المؤمنين عائشة:” أعلِنوا هذا النِّكاحَ واضرِبوا عليْهِ بالغربالِ” وحديث رابع:” فَصْلُ ما بينَ الحَلالِ والحَرامِ الدُّفُّ والصَّوتُ في النِّكاحِ”.
بالتأكيد أن رسول الله وأصحابه من الخلفاء الراشدين كانوا منشغلين بنشر الدعوة الإسلامية، وبالتالي لم يزدهر أي فن من الفنون عموما، خاصة أن الغناء في الجاهلية يؤدي إلى مجالس اللهو والشراب، ولذا كان من الصعب على الدين الجديد أن يطمئن إلى الغناء بهذه الصورة العابثة، حتى الغناء الديني اعتبروه عودة لعبادة الأوثان، وبذلك حرّم الإسلام الغناء الذي كان يمارَس في العهد الجاهلي. وجدير بالذكر أن الغناء انتقل للعرب- خاصة الرجال- من الفُرس.
تغيُّر النظرة
* متى تغيّرت هذه النظرة الدينية للموسيقى والغناء؟
** الغريب أن هذا التطوّر والتغيّر جاء من خلال تغيّر نظر الطب العربي والإسلامي للموسيقى والغناء على مرّ العصور من خلال النظرة الشاملة إلى الصحة البدنية والنفسية للإنسان والاهتمام بها، وارتباط العلاج العضوي بالنفسي والعقلي، ولهذا تم استحداث طُرق وأساليب جديدة للعلاج باستخدام الموسيقى والغناء في العلاج وتسكين الآلام، فقد كان “الرازي” موسيقيا وضاربا متميّزا على آلة العود، ويحكى أنه كان في مستشفى ويعزف على آلة العود والمرضى يلتفّون حوله يستمعون وينسون آلامهم المبرِحة عند سماعهم للألحان الشجيّة التي يعزفها لهم، كما كان “الكِندي” العالم والطبيب والمترجم له كثير من المؤلّفات الموسيقية وأشهرها كتاب “المدخل إلى الموسيقى” وكتاب “ترتيب النَغَم على طبائع الأشخاص العالية” ويعتبر الكِندي أبًا للموسيقى العربية، فهو أول من وضع سُلَّمًا للموسيقى العربية، والذي يطابق السُلَّم الطبيعي الحديث، أما “ابن سينا” عبقري الطب الذي ظلّت مؤلّفاته الطبية وخاصة كتابه “القانون” مرجعا طبيا لقرون عديدة، وكان يقارِن بين دقّات القلب والسُلَّم الموسيقي، وألّف كُتبا موسيقية منها كتاب “المدخل إلى علم صناعة الموسيقى” واعتبر الموسيقى علاجا يطرد بعض الأمراض من الجسم، وألّف كتاب “الشفاء”، وفيه خلاصة الموسيقى وأثرها في العلاج والشفاء لكثير من الأمراض، أما “أبو المجد بن المظفّر” الذي ترأّس أطباء البيمارستان فكان يعزف الموسيقى ويلعب العود ويجيد الغناء والإيقاع والغناء، وكذلك “الفارابي” الفيلسوف الكبير الذي فاقت شُهرته الفلسفية على موهبته الطبية فأشهر مؤلّفاته كتاب “المصوِّتَات الوترية”، وهو صاحب التصانيف في المنظور والموسيقى وغيرها من العلوم، وكان له دور كبير في العلاج بالموسيقى، ووصل لدرجة عالية جدا في علم صناعة الموسيقى، ووضع ألحانا بديعة تحرّك المشاعر والأحاسيس، ويقال أن آلة “القانون” من وضْعِه، أما “الخليل بن أحمد الفراهيدي” أحد أعلام لغة الضاد، والذي ابتكر علامات التشكيل لحروف اللغة العربية فهو أول من وضع قواعد للإيقاعات والأنغام الموسيقية.

الأسماء الحُسنى
* تؤكّد أن لأسماء الله الحسنى والموسيقى والنغمات الصادرة منها قُدرة شفائية للأمراض العضوية والنفسية، فما هو دليلكم على ذلك؟
** إذا كانت للأنغام والكلمات التي ابتدعها حِفنة من البَشَر تأثيرا علاجيا إيجابيا استشفائيا للكثير من الأمراض، وأثبتته وأكّدت صحّته وفاعليته التجارب والأبحاث على مرّ العصور، فما بالكم بخالق الناس أجمعين، وخالق الكون والذي بيده مقاليد الأمور، فما بالكم بالتأثير الإلهي لمجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى بطريقة إيمانية وروحية؟! فهذا هو الإعجاز الإلهي، والمثبَت أن أسماء الله الحسنى لها القُدرة والجلال في إزالة الهموم والآلام وفي الشفاء من الأمراض النفسية والعضوية من خلال الروح والعقل والجسد، وأن لكل اسما من أسماء الله الحُسنى قُدرة ربانية على الشفاء العاجل بإذن الله، فهذه الطاقة الربّانية تحفّز الجهاز المناعي داخل جسم الإنسان، فيقوى ويعمل بكفاءة مثالية، ويعم ذلك كل الأجهزة والأعضاء بالجسم، وبتطبيق “قانون الرَنْين” وبمجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى فإن ذلك يؤدي إلى تنشيط مصادر الطاقة الحيوية بالجسم، فتظهر القوة الربانية في الشفاء، وكما أن للفظ الجلالة قُدرة ربانية على الشفاء، فمن المؤكّد أن له ذات القُدرة الربانية للوقاية من الأمراض، وتم ملاحظة أن القُدرة الاستشفائية تتضاعف عند قراءة الآيات الستّة للاستشفاء بعد مرّات التسبيح بأسماء الله الحسنى، وذلك بصوت موسيقي منغَّم ومنظّم به خشوع وروحانية ووحدانية لله خالق الكون.
آيات الاستشفاء.
*وما هي آيات الاستشفاء الستة التي تحدثتم عنها؟
** هي الآيات التي ذُكرت فيها كلمة الشفاء بمشتّقاتها وهي: قوله تعالى في الآية 14 من سورة التوبة: “وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ”. والآية 57 سورة يونس:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ”. والآية 69 سورة النحل:” فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”. والآية 12 سورة الإسراء:” وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ”. والآية 80 سورة الشعراء:” وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”. والآية 14 سورة فصلت:”… قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ”.

عوامل النجاح
*وما هي أهم العوامل المساعدة على نجاح العلاج بالموسيقى؟ وهل تأثيرها واحد على الجميع؟
** يعتمد أساسا على الإيمان بالله وما سخَّره لنا من أدوات وآلات وأجهزة في علاج الخلل والمرض، وكذلك الثقة بالمعالِج وبطريقة العلاج التي يتبعها، ومن المتفق عليه أنه لا يستجيب جميع البشر للنغمات الموسيقية بشكل واحد، وذلك لاختلاف البشر فيما بينهم في أشياء كثيرة وعديدة، بل تختلف استجابات الشخص نفسه لنفس النغمات الموسيقية باختلاف الظروف والوقت وغيرها، وثبت علميا التأثير الإيجابي للموسيقي على معظم الكائنات الحية من الحيوانات والطيور والنبات وغيرها، لأن كل هذه الكائنات تسبّح بحمد ربّها القائل:” تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا”.
الموسيقى في المسيحية
*وماذا عن الموسيقى والغناء في الحقبة المسيحية؟
** بدأ العلاج بالموسيقى من خلال المخترع الأول لها وهو “يوبال” وهو شخصية توراتية مذكورة في سِفر التكوين 4 : 21. وهو الذي استخدم العود والمزمار في الألحان المسيحية الكنسية وقال:” إن الموسيقى أجمل هبات الله للبشر”، وهناك تساؤلات تحيط بموسيقى العبقري “يوبال” وأهمها: لست أعلم لماذا اخترع يوبال الموسيقى؟ ولماذا وقف هذا الرجل على رأس كل ضارب بالعود والمزمار في الأرض، أهو إحساس الألم الذي يحس كنهه، ولا يعلم سرّه أم إحساس الألم الذي يحسّ به ولا يعلم سرّه؟ أم هو إحساس الألم الذي أراد أن يغطيه، فبدلاً من الصخب الداخلي الذي يملأ نفسه، أراد أصواتاً أعلى تنسيه ما بداخله من هموم؟ فكانت الموسيقى بمثابة التعويض الخارجي عن الألم الدفين بداخله؟!
وهذه هي نفس النظرية التي كانوا يعالجون بها في القِدم، فإذا أرادوا إزالة الدّاء أو المرض قاموا بالتشريط أو الكيّ بالنار للعضو المريض من الجسم حتى يزول الألم الذي يشعر به المريض، كذلك الأُذُن الموسيقية الحسّاسة التي تلتقط صوت البلابل وهي تغنّي على الأشجار عندما يسمعها المريض وهو سائر في طريقه مهموما فتعطيه البهجة والسعادة والأمل، وحاول أن يقلّد البلابل بصورة موسيقية مستخدما العود والمزمار، وصوت خرير الماء في جدول أثار انتباهه ذات صباح فأعطاه تعويضا عن الخرير الداخلي في نفسه، فغنَّى وعلّم أولاده أيضا، وكان “بيتهوفين” واحدا من أولاده العظماء، وكان يسير بين أحضان الطبيعة يستمع– قبل أن يصيبه الصمم– إلى نداءاتها الحبيبة إلى نفسه والتي جعلت ألحانه خالدة على مر العصور.
وللعلم فإن للعود والمزمار دورا هاما في إراحة الإنسان والتسبيح لله، فهي تنشر الخير وتبعث الطمأنينة في الأرض دون نشاز أو تلوّث، وبحلول المسيحية أرض مصر ظهر ترتيل مزامير داود في الكنائس، واستُخدمت لشفاء كثير من المرضى والمُتْعَبين من أمراضهم وأوجاعهم النفسية والعصبية بل العضوية، واشتهر في مصر خلال القرن الثالث الميلادي القديس “أبوطربو” الذي كان يرتّل الكثير من مزامير داود لشفاء المرضى، ولذا سمِّيت هذه الصلوات باسم “أبو طربو”، كما استخدمت طريقة ترتيل المزامير للمرضى داخل الكنائس والأديرة القبطية، وعُرفت باسم “العلاج المقدّس”.
وكان السيد المسيح والسيدة مريم العذراء – عليهما السلام- حينما لجاؤا إلى بعض هذه الأديرة أثناء رحلة هروبهم المقدس لمصر وبُنيت عليها أماكن للعبادة ومازال حتى يومنا هذا تُقام فيها الاحتفالات والموالد القبطية في مواقيت محدّدة من السنة حيث يقيم القساوسة الصلوات والتراتيل مصحوبة بالألحان الموسيقية لعلاج المرضى بالأمراض النفسية والعضوية المستعصية والممسوسين من الجان، لذا زاد الإقبال على الكنائس التي تستخدم الألحان في الصلوات لأن الألحان والأنغام الصادرة عن بعض الآلات الموسيقية تجعل المصلّين يعيشون في جوٍّ روحاني تصفو فيه النفوس والأوراح فيزول عنهم الإرهاق والتعب.

اليهودية والموسيقى
*وماذا عن الموسيقى والغناء خلال الحقبة اليهودية؟
** عُرفت الموسيقى عند اليهود، بل تغلغلت داخلهم، فهي جزء من طقوسهم وحياتهم وكانوا يستخدمونها في صلواتهم وابتهالاتهم الدينية وفي الاستشفاء من أمراضهم الجسدية والنفسية والروحية، ومن المعروف للجميع أن العهد القديم يحوي خمسة أسفار شعرية ملحَّنة وكانت تُغنَّى وتُرتَّل في المعابد اليهودية منها “سِفر المزامير” الذي قام بكتابته “دواد النبي عليه السلام”، ويقال أنه لا يزال يلحَّن حتى الآن في الصلوات اليهودية والمسيحية، كما تُعزف أجزاء من المزامير في الكنائس بألحان شعبية معروفة في مناسبات عديدة “كالّلحن السنجاري” الذي يعزف أيام الفرح: و”اللحن الدريزي” الذي يعزف في أسبوع الآلام.
الترانيم الثلاثة
* تؤكد أن هناك ثلاث ترانيم خالدة ترتبط بالخليقة وتاريخ الانسان على الأرض، فما هي؟
** الترنيمة الأولى: عقب الخليقة التي صنعها الله عندما ترنَّمت كواكب الصبح وهتفت جميعا لله الخالق الجبار.
الترنيمة الثانية: عندما جاء المخلِّص، وغنّت ورنَّمت له الملائكة فوق سماء “بيت لحم” (المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة).
الترنيمة الثالثة: عندما تطوَى القصة البشرية ويفنى الجميع.
ومن هنا ظهر أن الأساس في الموسيقى هو رفع النفس البشرية فوق مستوى الأرض والتحليق بها في عالم سماوي جديد.
أقدَر الفنون
*معنى هذا أن الموسيقى أقدر الفنون على خدمة الانسان؟!
** بالتأكيد لأنها تمتلك قمّة التجديد بين سائر أنواع الفنون الأخرى، وهي أرقى أنواع منشّطات الحياة والصحّة النفسية والعضوية للإنسان على السواء، ورغم أنها لا تُرى بالعين ولا تُلمس باليد، لكنها تملأ الأسماع والأبصار وتبعث الدفء والبهجة في الأبدان والقلوب، والغريب أنك تجد شعوبا مختلفة في أديانها وعاداتها وتقاليدها ولكنها تتفق جميعا على هذه الأساليب، فلا يوجد في آسيا ولا أفريقيا وغيرهما من القارات قديما وحديثا له موسيقى واحدة تعبّر عن كل الحالات، ولهذا يقول كونفوشيوس عن أهمية الموسيقى:” إذا أردت أن تتعرّف في بلد ما على إدراكه ومبلغ حظه من الحضارة والمدنية فاستمع إلى موسيقاه”، فالكل يتفق على أن الموسيقى هي المرآة التي تعكس حضارة وأخلاق الشعوب، ورغم أن أهل العلم من باحثين ومؤرّخين قد اختلفوا في تحديد مكان وزمان ولادة الموسيقى، إلا أنهم اتفقوا جميعا أنها جزء لا يتجزّأ من الإنسان نفسه، أينما وُجد على سطح الأرض سواء في سهولها أو جبالها أو بحارها.

سيرة ومسيرة
* رغم أنكم عَلَم في مجال التلحين الموسيقي والغناء إلا أننا نودّ التعرّف على السيرة الذاتية ليعرفها قرّاء عقيدتي؟
** يمكن إيجاز سيرتي ومسيرتي في سطور: بكالوريس أكاديمية الفنون قسم أصوات وعود. دبلومتان في موسيقى الركي الروحية. الدكتوراه في الريفلكسولوجي والميوزيكولوجي من فرنسا وايطاليا. جوائز عربية من مصر- تونس- الإمارات- الجزائر- فلسطين- السعودية- لبنان- الأردن- عمان- سوريا- المغرب.
وجوائز عالمية من الهند– تركيا- البوسنة والهرسك- فرنسا- إيطاليا- ألمانيا- جزر المالاديف.
– عضو جمعية المؤلّفين والملحِّنين والساسم بفرنسا وعضو نقابة المهن الموسيقية. عضو بالعديد من الجمعيات الإقليمية والاتحادية ومستشار ثقافي وإعلامي بدولة الإمارات. مستشار اتحاد الفنانين العرب.
أنجزت أكثر من 150 أغنية ما بين غناء وتلحين وتأليف موسيقى. أكثر من 1500 موشَّح ديني والعديد من البرامج الدينية. صاحب كاسيت “حبيبي هو الله”. صاحب أول كاسيت “كل الناس بتحبِّك” في مدح السيدة مريم العذراء، وهو الأول من نوعه في العالم. خبير التدريب والتأهيل والعلاج الموسيقي والغنائي للمطربين والإعلاميين.





























