تُعدّ المشاركة في الانتخابات من أهم الواجبات الوطنية والإنسانية التي لا ينبغي لأحد التفريط فيها أو التهاون بشأنها. فهي ليست مجرد إجراء شكلي أو حدث سياسي عابر، بل هي أمانة ومسئولية عظيمة يحملها كل فرد في عنقه، وسيُسأل عنها أمام الله قبل أن يُسأل عنها أمام المجتمع والوطن. فالصوت الانتخابي شهادة، والشهادة لا يجوز فيها الهوى أو المجاملة أو الخوف أو المصالح الضيقة، وإنما يجب أن تكون خالصة للحق، موجَّهة لمن يستحق، ومن يقدر على حمل المسئولية وتحقيق مصالح الناس ورفع شأن الوطن.
إن الإيمان بأهمية الصوت الانتخابي ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو إدراك واعٍ بأن صلاح المجتمع واستقامة مؤسساته ومسار الدولة يتوقف بشكل مباشر على اختيارات الناخبين. فحين يمنح المواطن صوته لمن لا يستحق، فإنه يساهم من حيث لا يدري في إهدار مستقبل وطنه وإضعاف مؤسساته وتشجيع الفساد أو العجز أو عدم الكفاءة. أما حين يضع صوته في مكانه الصحيح- عند من يتسم بالأمانة والقدرة والرؤية- فإنه يفتح أبواب الخير ويمنح الوطن فرصة حقيقية للتقدم والإصلاح.
ولعل أخطر ما يواجه العملية الانتخابية هو التصويت المبني على اعتبارات غير موضوعية، مثل العصبية العائلية أو الانتماء القبلي أو المصالح الشخصية أو الضغوط الاجتماعية أو المجاملة أو الخوف. فهذه الاعتبارات، رغم انتشارها في بعض المجتمعات، لا علاقة لها بمصلحة الوطن، ولا تعكس معيار الكفاءة ولا تنظر إلى المستقبل بعين الحكمة. إن صوتك ليس هدية تُقدَّم، ولا معروفًا يجري تبادله، ولا التزامًا اجتماعيًا، بل هو أمانة وحق للوطن قبل أن يكون حقًا لك.
إن اختيار الأصلح يتطلب النظر إلى صفات محددة وواضحة: القدرة الحقيقية على العمل، النزاهة، الخبرة، الرؤية الواعية، القرب من الناس، والإخلاص للوطن. فالمرشح الذي يملك هذه الصفات هو وحده القادر على حمل هموم المواطنين وتمثيلهم تمثيلًا حقيقيًا، لا شكليًا. أما منح الصوت لأي مرشح بدافع القرابة أو الصداقة أو الوعود الشخصية فهو تفريط في الأمانة، وتضييع لحق الوطن، وتشجيع لمن لا يستحق أن يمثل الناس.
وعلى كل مواطن أن يتذكر أن الامتناع عن المشاركة هو في حد ذاته مشاركة سلبية تؤدي إلى نتائج أخطر مما يتوقع. فالغياب يترك الساحة خالية لغير الأصلح، ويُضعف صوت الإصلاح ويُضيع فرص التغيير. كما أن المشاركة الفاعلة تُعد رسالة واضحة بأن الشعب واعٍ بحقوقه، حريص على مستقبله، وأنه لا يقبل أن يُدار وطنه إلا بأيدي من يخدمونه بإخلاص.
إن الإسلام جعل الشهادة مسئولية عظيمة، فقال تعالى: “وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ”، وجعل كتمان الشهادة أو شهادة الزور من كبائر الذنوب. والصوت الانتخابي في حقيقته شهادة يجب أن تُؤدى بحقها. فمن يمنح صوته لغير الكفء وهو يعلم، فقد خان الأمانة، ومن أحجم عن التصويت وهو قادر فقد فرّط فيما أوجب الله عليه من نصرة الحق ودفع الفساد.
وفي النهاية، يبقى صوت المواطن هو مفتاح التغيير، وهو السلاح السلمي الذي تبنى به الأمم مستقبلها وتُصلح به حالها. لذلك، لا تجعل صوتك تابعًا لعاطفة، ولا لقرابة، ولا لمال، ولا لخوف، ولا لأي اعتبار آخر سوى ضميرك ورضا الله ومصلحة وطنك. شارك بإيجابية، اختر الأصلح، وضع صوتك في مكانه الصحيح، فالأوطان لا تُبنى بالأماني، بل بالوعي والاختيار السليم وتحمل المسئولية. صوتك أمانة.. فصُنها، وقدِّمها لمن يستحق، واحرص أن تلقى الله وقد أدّيت ما عليك من واجب تجاه وطنك ومجتمعك.






























