حُبٌّ صادقٌ وقف أمامه العُقمُ كجدار صلب وأمام حزن الزوجة لفقْدها الأمومة، لم يجد الزوج حَرجًا في أن يطلب منها تخونه، ففعلت! ولما وضعت حملها أبَى أهلُه استقبالهما به، فيقتلانه!! مأساة، كأنها أسطورة حزينة، أو مشهد من تراجيديا إنسانية سوداء.
الكارثة ليست في العُقم، بل في فكرة الأمومة حين تتحوّل من نعمة إلى هوَس، ومن حق طبيعي إلى مبرِّر للخطيئة. امرأة أرادت أن تُمسك بظل الأمل، فرمت نفسها في بئر الوهم. ورجل قاده حبّه أو ضعفه إلى أن يُفرّط فيما تبقّى له من رجولة، وكرامة، ودين.
ما حدث هو انهيار أخلاقي، وانتحار للمعايير الدينية والاجتماعية التي تحمي المجتمعات من الانهيار. وهنا، تبرز الأسئلة الكبرى: هل يبرِّر العجز الجسدي الخيانة الأخلاقية؟ هل الحب وحده يكفي حين يُفرَّغ من القيم؟ وهل من حق الإنسان أن يخلق واقعًا مزيّفًا ليهرب من قسوة القدر؟
ما حدث جريمة في حق الله قبل البشر. فالزنا- مهما غُلِّف بمشاعر الحب والاحتياج- يبقى معصية لا تُبررها النوايا الحسنة. والشريعة الإسلامية حاسمة في رفض كل صورة من صور الإخصاب خارج العلاقة الزوجية الشرعية، حتى في حالات العقم، لما في ذلك من اختلاط الأنساب وتهديد لبنية الأسرة.
المأساة الأكبر كانت في نظرة المجتمع للطفل “غير الشرعي”، وهو لا ذنب له. لقد مارَس المجتمع جريمة مزدوجة: حين طرد الأم والطفل، وحين جعل من “العار” حُكمًا أقسى من القانون. وهنا يظهر التناقض: ففي حين أن الزوج وأهله كانوا يعرفون بالعقم، أصرّوا على الإنكار ورفض الاعتراف بما ارتكبوه هم أنفسهم من تمهيد للجريمة، وألقوا بالعبء كله على الضحية الأضعف.
لكن في قلب هذا الجحيم، يكمن السؤال الأشد مرارة: لماذا رضيت الأم أن تخنِق طفلها؟
ربما لأنها أدركت، متأخّرة، أن كل الحلم كان خدعة. أن الطفل الذي أنجبته لم يكن خلاصًا بل قيدًا جديدًا، شاهدًا على ذنب، وعلى انهيار. وربما لأنها شعرت أنه لا مكان له، ولا لها، في هذا العالم الذي لا يرحم الضعفاء. لكنها، مهما كانت دوافعها، سقطت في الهاوية، وأصبحت قاتلة، بعدما كانت مجرد أم حالمة.
هنا، يتحول هذا الجُرم من قصة فردية إلى مرآة قاتمة لواقع إنساني: مجتمعات تُقدّس الشكل وتُهمل الجوهر. حبٌ يتحول إلى لعنة حين يُفصل عن القيم. ودينٌ يُستبعد من قراراتنا المصيرية، ثم نعود إليه باكين بعد فوات الأوان.
بل إن ما يجعل المأساة أكثر ألمًا، هو أن كل طرف فيها كان ضحية وظالمًا في آنٍ معًا. الزوج الذي دفع زوجته للخطيئة لم يكن شريرًا، بل منكسِرًا. والزوجة التي قتلت طفلها لم تكن وحشًا، بل إنسانة استنزفها اليأس حتى الجريمة.
لقد اجتمع في هذه القصة الحب والجنون، الغفران والجريمة، الأمل والموت. في مشهدٍ إنساني لا يُنسى. إنها لحظة سقوطٍ جماعي، حين يصمت العقل، ويعلو صوت الحاجة، ويغيب عن الوجدان ميزان الصواب والخطأ. لا أحد يولد قاتلًا أو خائنًا، لكن الحياة حين تضيق، قد تدفعنا لأفعال لم نكن لنتخيّلها. لذلك، لا يكفي أن نحكم، بل يجب أن نفهم، ونتعلّم.
القضية ليست عن إنجاب أو عقم، بل عن حدود الإنسان حين يقف أمام الألم. عن الصراع بين القَدَر والاختيار، بين الضمير والرغبة، بين ما نُريد، وما يُفترض بنا أن نحتمل.
ولو تجرّأنا، كأفراد ومجتمعات، أن نسأل أنفسنا بصدق: ماذا كنّا سنفعل لو كنّا مكانهم؟ ربما ندرك أن الجريمة ليست نهاية القصة، بل بدايتها.






























