يرصده: حسام وهب الله
كشف تقرير خاص أعدّه مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، أن الأراضي المحتلة تشهد موجة هجرة غير مسبوقة للمستوطنين خلال الأعوام الأخيرة، في ظاهرة وُصفت بأنها “تسونامي بشري” يهدد التماسك الداخلي للمجتمع الصهيوني.
وبحسب التقرير الذي قُدّم إلى لجنة الهجرة والاستيعاب في الكنيست، وتم إعداده مطلع نوفمبر الجاري، فإن عدد المستوطنين الذين غادروا الأراضي المحتلة بين عامي 2020 و2024 تجاوز عدد العائدين إليها بنحو 145,900 شخص، وهو فارق يُعدّ الأعلى منذ عقود، ويعكس حالة متزايدة من القلق وفقدان الثقة بالمستقبل داخل كيان الاحتلال.
أشار التقرير إلى أن عام 2020 شهد مغادرة 34 ألف مستوطن مقابل عودة 32.5 ألف فقط، فيما ارتفع عدد المغادرين في 2021 إلى 43.4 ألف مقابل 23.6 ألف عائد. أما القفزة الكبرى فكانت في عامي 2022 و2023، إذ خرج من الأراضي المحتلة 59.4 ألف في 2022 بزيادة قدرها 44% عن العام السابق، ثم 82.8 ألف في 2023 بزيادة 39% إضافية. ووفق المعطيات، سُجِّلت ذروة المغادرة بعد أكتوبر 2023، أي مع اندلاع الحرب على غزة وما رافقها من أزمات داخلية وأمنية واقتصادية غير مسبوقة.
وفي عام 2024 استمر الاتجاه ذاته، إذ بلغ عدد المغادرين بين شهري يناير وأغسطس نحو خمسين ألفًا، وهو رقم مماثل للفترة نفسها من العام الماضي، ما يدل على أن الظاهرة لم تتراجع رغم انتهاء مراحل القتال الواسع.
في المقابل، يُظهر التقرير تراجعًا مستمرًا في أعداد العائدين إلى الأراضي المحتلة بعد سنوات من الإقامة في الخارج. فقد عاد في عام 2022 نحو 29.6 ألف شخص، ثم انخفض العدد في 2023 إلى 24.2 ألف، وفي عام 2024 (حتى أغسطس) لم يتجاوز عدد العائدين 12.1 ألفًا، مقارنة بـ15.6 ألف في الفترة ذاتها من العام السابق. هذا التراجع جعل الفارق الصافي في 2023 يقفز إلى 58.6 ألف مغادر إضافي، بينما فقد الكيان حتى أغسطس 2024 أكثر من 36.9 ألفًا آخرين، ما يعزِّز الانطباع بأن “النزيف الديموغرافي” آخذ في الاتساع ولا يقتصر على الفئات الهامشية.
تسونامي يهودي!
رئيس لجنة الهجرة والاستيعاب في الكنيست، غلعاد كريب، حذّر من أن ما يجري لم يعد مجرد “هجرة من البلاد”، بل ظاهرة خطيرة تهدد البنية القومية والاجتماعية للكيان. وقال: “هذه ليست قَدَرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات الحكومة التي مزّقت المجتمع قبل الحرب وأهملت الجبهة الداخلية خلال العامين الماضيين”
أضاف: إن استمرار الإهمال وتجاهل الأزمة “يمثل دهسًا فاضحًا لقيم الصهيونية وللمستقبل الجماعي للمستوطنين”، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المستوطنين باتوا يفضّلون بناء مستقبلهم خارج الأراضي المحتلة في ظل انعدام الأمن، وارتفاع تكاليف المعيشة، والتآكل المتواصل في ثقة الجمهور بالمؤسسات.
غياب آفاق السلام
كانت مشاهد الازدحام غير المسبوق في مطار تل أبيب خلال حرب طوفان الأقصى هو والمطارات الأخرى أكبر من أن تفسَّر بسياقات السفر العادية، فمعظم من يخرجون باتوا لا يعودون، ويضرب كل ذلك عمق العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى “أرض الميعاد”، والذي كان هاجس الوكالة اليهودية منذ تأسيسها عام 1922.
وتشير ظاهرة الهجرة العكسية المتزايدة إلى انكسار أسباب الاستقرار المبنية على الأمن، فبالنسبة للكثيرين لم تعد إسرائيل دولة آمنة ولا يتوفر فيها عنصر الاستقرار الأمن ومبررات البقاء والمستقبل الذي ينشدونه مع التآكل المتسارع لنظريتها الأمنية، وذلك بسبب اتهامهم للحكومة الإسرائيلية الحالية بقتل كل آفاق السلام الممكنة واستنادا إلى ذلك لم يعد “المشروع الإسرائيلي” حتى بأبعاده الدينية التاريخية مغريا وعنصر جذب لليهود للبقاء، كما أن عنصر استقرار السكان على الأرض باعتباره من عناصر تكوين الدولة لم يعد قائما بحكم الضغوط الأمنية والعسكرية الخارجية وعدم اليقين في مستقبل الدولة ذاتها، وبالتالي فإن فكرة الرحيل أو الهجرة العكسية كانت البديل بالنسبة للكثير من السكان.




























