قرن وثلاثة عقود في خدمة العلم والمجتمع
منهجية ثابتة وتاريخ عريق من العلم والوسطية وحماية المجتمع
متابعة_ محمد لملوم
انطلقت اليوم الأحد فعاليات الاحتفال الكبير الذي نظمته دار الإفتاء المصرية بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيسها، وذلك بقاعة الاحتفالات بمقر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بحضور وزراء وقامات دينية وعلمية وثقافية وإعلامية، إضافة إلى المفتين السابقين وأسر المفتين الراحلين الذين أسهموا في مسيرة الدار الممتدة منذ عام 1895.
تضمنت الاحتفالية عرض فيلم وثائقي يرصد تطور الدار وإسهاماتها في تجديد الخطاب الديني وترسيخ الوسطية، بالإضافة إلى كلمات للمفتين السابقين، التي استعرضت دور الدار الوطني والعلمي في مواجهة الفكر المتطرف وتعزيز الاستقرار المجتمعي.

المفتي: وسطية راسخة ودور دولي متنامٍ
فكر وسطي
أكد فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، أن دار الإفتاء كانت وما زالت ركيزة لنشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم وتعزيز الوعي الديني، مشيرًا إلى أن مسيرتها امتدت من وسطية الأزهر الشريف وقيمه الراسخة.
وأوضح أن تاريخ الفتوى بدأ مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم حمل الراية الصحابة وآل البيت والتابعون، ثم تبلورت المذاهب الفقهية الكبرى التي قادت المسيرة العلمية والفتوى عبر العصور حتى نشأة المؤسسات الإفتائية الحديثة، وفي مقدمتها دار الإفتاء المصرية.
تراث متجدد
أوضح المفتي أن تراث دار الإفتاء يمثل كنزًا فقهيًا ومعرفيًا ينهل منه الباحثون في الشرق والغرب، وأن المفتين الذين تولوا المنصب عبر التاريخ كانوا نخبة مختارة حملت أمانة الفتوى بوعي ومسؤولية، وعملت على نشر قيم التسامح والتعايش.
هوية وطنية
أكد المفتي أن دار الإفتاء واجهت الفكر المتطرف الديني واللاديني، وظلت كيانًا وطنيًا شريكًا في دعم الدولة المصرية والحفاظ على وحدة المجتمع واستقراره.
دور عالمي
وأشار إلى أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أصبحت قاطرة دولية لمواجهة الفتاوى الضالة، وأن الدار باتت كيانًا عالميًا في نشر المنهج الوسطي وصناعة الفتوى الرشيدة وتدريب المفتين في مختلف الدول.
مستقبل رشيد
شدّد المفتي على ضرورة تطوير أدوات الإفتاء في ظل تحديات العولمة والذكاء الاصطناعي، مؤكّدًا أن “الثبات لا يعني الجمود، والتغيير لا يعني الانفلات”.

د. نصر فريد واصل: مسيرة علمية وحماية المجتمع
محطات مؤثرة
ألقى الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، كلمة استعرض فيها أبرز المحطات في حياته الإفتائية، مؤكدًا اعتزازه بخدمة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.
منهج معتدل
أكد أن عمله كان دائمًا وفق منهج الشريعة دون إفراط أو تفريط، وحرص على أن تكون الفتوى أداة للحفاظ على استقرار المجتمع وأمنه، ومواجهة الفتن والجدل الناتج عن فتاوى غير رسمية لبعض الجماعات.
توحيد الشهور وتحريم التدخين
تطرق إلى مبادرته لتوحيد بداية الشهور القمرية، واستعرض فتوى التدخين المستندة إلى الدراسات العلمية الحديثة، مشددًا على أن دور دار الإفتاء كان دائمًا حماية المجتمع من الفتن والتوترات.
تقدير وإشادة
واختتم كلمته بشكر الحضور وتقديره لدعوة دار الإفتاء، مؤكّدًا أن الاحتفال يعكس تقدير الماضي واستشراف المستقبل ودعم المسيرة الإفتائية في خدمة المجتمع.

د. شوقي علام: الفتوى حافظة الاستقرار
جهود متميزة
أوضح الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية السابق، ورئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ، أن تاريخ دار الإفتاء يسطّر جهودًا كريمة لبناء المجتمع المصري، وأن فتاوى الدار طوال تاريخها كانت دائمًا حافظة للاستقرار ومراعية للمواطنة.
انتشار عالمي وفتاوى متوازنة
أشار إلى أن جهود الدار امتدت إلى مختلف أنحاء العالم، وتجسدها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، مؤكدًا أن الفتوى راعت أحوال الناس والزمان والمكان، وتعاونت مع المختصين في مجالات متعددة لإصدار فتوى منضبطة تراعي الواقع والبلاد والعباد.

د. علي جمعة: فضاء علمي هادف
مقاصد شرعية
أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، أن دار الإفتاء ليست مجرد مؤسسة إدارية بل فضاء علمي هادف يسعى لتحقيق مقاصد الشرع في عمارة الأرض، وأن تاريخها حافل بالعلم والاجتهاد.
قراءة واعية
أشار إلى أن الاحتفال بذكرى دار الإفتاء يمثل قراءة واعية لمسيرة الأجيال، حيث جمعت الدار كنوز الاجتهاد وأسست لمنهج واضح في التعامل مع النصوص الشرعية، فيما جسد العلماء المؤسسون الانحياز للحق والالتزام بالمنهج العلمي.
نماذج علمية
استعرض د. علي جمعة نماذج من العلماء البارزين الذين تولوا منصب الإفتاء، مثل الشيخ محمد أمين المهدي، والشيخ محمد البنا، والشيخ بخيت المطيعي، مؤكدًا أن أعمالهم مثلت منهجًا علميًا رصينًا ورؤى اجتهادية دقيقة، ما أسهم في بناء تراث كبير استمر حتى اليوم.
رسالة مستمرة
شدد على أن دار الإفتاء المصرية لم تكن يومًا بعيدة عن قضايا الأمة، بل كانت دائمًا في قلب الأحداث، تقدم اجتهاداتها ضمن إطار منضبط يراعي مقاصد الشريعة ومتطلبات الواقع، وتعمل على حماية الوعي العام وتحصين المجتمع بالفكر الصحيح.

وزير الأوقاف: دعم مستمر للتراث العلمي
إرث نبوي ومرجعية عالمية
أكد الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، أن دار الإفتاء المصرية تستند إلى إرث علمي عميق يمتد منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مفتي مصر يمثل مرجعًا عالميًا يعود إليه العلماء من مختلف الأقطار.
دعم مستمر
شدد على أن الوزارة ستظل داعمة ومساندة لدور دار الإفتاء في الحفاظ على التراث العلمي وتوثيق التواصل بين الأجيال، مؤكدًا أهمية تعزيز الروابط العلمية ونشر الوعي الشرعي المستند إلى العلم الصحيح.

د. محمد عبد الدايم الجندي: حصن منيع
تحصين الوعي
أكد الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، أن دار الإفتاء المصرية حصن منيع للوعي والمجتمع في زمن الفتن وفتاوى المتفيهقين، مشددًا على أن تحصين الوعي يكون عبر تحرير المفاهيم وترسيخ الوسطية وتجفيف منابع التطرف.
منهج منضبط
أوضح أن الدار تتبع منهجًا علميًا منضبطًا، يقوم على توضيح المفاهيم الخاطئة، وكشف الفتاوى الضالة، وتقديم خطاب إفتائي رشيد يوازن بين النصوص الشرعية ومتطلبات الواقع، مستندة إلى سندها العريق وشيوخها الكبار.
صياغة وعي متجدد
اختتم د. الجندي كلمته بالتأكيد على أن دار الإفتاء تعمل على صياغة وعي متجدد من خلال خطاب شرعي أصيل وتعاون علمي راسخ، داعيًا الله أن يجعل هذه الاحتفالية مناسبة لتعزيز رسالة الفتوى الوسطية ونشر ثقافة المحبة والتسامح.

تكريم المفتين السابقين
وشهد ختام الاحتفالية تكريم أبرز المفتين السابقين وأُسَر المفتين الراحلين، حيث تسلَّم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب درع التكريم نيابةً عنه الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، كما كرّمت الدار الدكتور نصر فريد واصل، وفضيلة الدكتور علي جمعة، وفضيلة الدكتور شوقي علام. كما تم تكريم أُسَر المفتين الراحلين، من بينهم شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، والشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة، والشيخ جاد الحق علي جاد الحق، والشيخ محمد خاطر، والشيخ أحمد هريدي، تقديرًا لإسهاماتهم العلمية والمجتمعية المستمرة في دعم الفتوى ونشر قيم الاستقرار والتعايش.

حضور رسمي واسع
شهد الاحتفال حضور كبار الشخصيات، بينهم: الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، ووزير الشباب والرياضة أشرف صبحي، ووزير قطاع الأعمال المهندس محمد شيمي، ومحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، ومحافظ الجيزة المهندس عادل النجار، والمهندس حاتم نبيل رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، والدكتور محمد عبدالدايم الجندي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور علي جمعة، والدكتور نصر فريد واصل، والدكتور شوقي علام، والدكتور سلامة داوود، والقس الدكتور أندريه زكي، إلى جانب عدد من السفراء والعلماء ورجال الفكر والإعلام.



































