تكلم بعض المنتسبين للعلم حديثا أن الأرض مسطحة واستشهدوا برسم لقدماء المصرين يجسد الأرض” جب” في صورة إمرأة مستوية ، بينما تجسدت السماء” نوت” فوقها في شكل قبة مقوسة وبها النجوم وأسفلها الشمس، ويفصل الهواء” شو” بينهما. وفي دراسة في جورنال (Astronomical History and Heritage, 2025 28(1), 97–124)) ، يقول البروفيسور “أور جراور” أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة بورتسموث: أن هذه الصورة لها عدة نقوش مختلفة على جدران المعابد ومقابر الملوك والتوابيت التي يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، لكن ليست كل الصور متشابهة ، وأن الجمع بين هذه الصور يبين لنا أن المصريين القدماء كانوا على علم بالنجوم ودورها في الدورة الشمسية أ.هـ.
وبالنظر إلى هذه النقوش مجتمعة في بحثه تبين لي منها عدة دلائل علمية: (1)- أن ما بينته الصور إمرأتان تجسدان الأرض والسماء، وفي تعريف علماء اللغة العربية للأرض بأنها مؤنثة، وكذلك السماء قال ابن عاشور: أن السماء في اللغة من الأسماء المعتبرة مؤنثة في الشائع (التحرير والتنوير). (2)- وجود المياه منحدرة من حول السماء لتكون البحار ، وتبحر فيها المراكب بالناس مع انحدارها (وهذه يشير إلى كروية الأرض) إذ لو كانت الأرض مستوية لما كان لإنحدار الماء والمراكب فيه معنى في الصورة. (3) وأن الهواء به طيور ، قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ..(النحل: 79). ومنها أن بالأرض زروع وحيوانات وأشجار: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ(9/سورة: ق). وحقيقة هذا النقوش تشير إلى قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(30/الأنبياء) ، وأن الرسم لا يعني أن الأرض مسطحة بل يلقي الضوء على مفهوم الآية في سورة الأنبياء، ولنتأمل ورودها في هذه السورة وليس في غيرها ، لتشير دلالاتها إلى أن جميع الأنبياء والمرسلين في الحضارات السابقة توارثوا هذه المعاني.
كما توهموا أن الأرض مسطحة من قوله تعالى: (وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20/الغاشية) ، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا(19/نوح) ، (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ..(7/ق)، وهذه الآيات ونظائرها لا دلالة فيها على دعوى الأرض المسطَّحة، بينما المراد منها، هو تسويتها وتهيئتها لتكون صالحة للمعيشة ، كما هو مفاد من قوله تعالى: (وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ(الذاريات:48)، فتكون هذه التّوصيفات لبعض قطع الأرض الأرض، وليس لشكل الأرض. ولو كانت الأرض مسطحة فما هو الرأي بوجود الجبال الشامخات في قارات العالم ، هل هذا يعطي شكل مسطح للأرض؟.
وقال فيتاغورس ، وأرسطو بكروية الأرض ، وتمكن إيراتوستينس بقياس المحيط التقريبي لكروية الأرض ((Cornell University July 2019 . ولقد التقطت الصور لكروية الأرض لأول مرة بالقمر “سبوتنيك” 1957م.
ولقد تبين لنا من القرآن الكريم أن الأرض كروية مثل قوله تعالى: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا(الأعراف: 54)، (وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(يس: 40)، (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ(الشعراء: 28)، (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ(المعارج: 40)، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(النور: 44)، (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ(الزمر: 5). قال “ابن منظور”: والتكوير معناه لفُّ شيءٍ على آخر في اتجاه مستدير، ومنه كور العمامة أي: استدارتها حول الرأس(لسان العرب). وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا كانت الأرض كروية. وفي قوله تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) أن التقليب يعني الدوران بشكل دائري فلزم أن تكون الأرض كروية. ومما يؤكد ذلك قول الله تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فالآيتان تدلان على كروية الأرض، لأن الشروق والغروب يتمان في وقت واحد وهذا لا يمكن أن يكون إلا على سطح كروي، وأما عن تعدد المشارق والمغارب ، فقد وجد العلماء حديثا أن في كل جزء من الثانية نجد مشرقاً تشرق فيه الشمس على مدينة ما وتغيب عن أخرى.
وقال الرازي: “.. والكرة إذا كانت في غاية الكبر كأن كل قطعة منها تشاهد كالسطح(التفسير الكبير) ، وقد قرر ذلك أيضاً ابن القيم وابن تيمية ، وقال الآلوسي :”ولا ينافي كرويتها كونها فراشاً، لأن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة منها كالسطح في افتراشه ” (روح المعاني)، وقال ابن جُزّيّ الكلْبي: “..ولا يتنافى لفظ البسط والمد مع التكوير، لأن كل قطعة من الأرض ممدودة على حدتها وإنما التكوير لجملة الأرض” (التسهل لعلوم التنزيل). وقال ابن خرداذبة، والاصطخري والبيروني والإدريسي والحَمْوي والمقديسي: “فأما الأرض فإنها كالكرة في جوف الفلك، كالمحّة في جوف البيضة” (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم).
وتمكن كل من كولومبوس (1451 م) وماجلان بدورته حول الأرض (1518 – 1522 م). بالقول بكروية الأرض ، ثم أثبت “اسحق نيوتن” بعد تجارب فيزيائية كروية الأرض. ويعتمد علماء المناخ والإرصاد الجوية في احداثياتهم على الشكل الكروي للأرض لتحديد اتجاه الرياح ودرجات الحرارة ليلا أو نهارا.
كما أن قوة الجاذبية باتجاه مركز كتلة الأرض متساوية تقريباً على جميع أجزاء الأرض، مما يجعل الحياة ممكنة ومستقرة. أما لو كانت الأرض مسطحة، لكانت قوى الطرد المركزية تميل لتبعثر من على هذه الأرض المستوية من أطرافها.
واستطاع علماء الفلك التأكيد على أن الأرض تدور حول نفسها مرة في اليوم وبذلك يحدث تتابع الليل والنهار. ومرة حول الشمس كل سنة مما يؤدي إلى تغاير فصول السنة. ولا يخفى على كل من شاهد خسوف القمر رؤية الأرض في شكلها الكروي عندما يسقط ظل الأرض على سطح القمر.






























