د. رسلان: صناعة عقلية تواجه التطرّف وتحمِى القيم
نبوي: إعداد العالِم على “الطريقة الأزهرية”
تقرير: إسراء طلعت
في خطوة تُعد تحوُّلا تاريخيا في مسار تطوير الخطاب الديني، شهدت الأكاديمية العسكرية المصرية لقاء مهمًّا بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وحاملي درجة الدكتوراه من دعاة الأوقاف، الذين سيخضعون لدورة علمية تمتد لعامين كاملين داخل الأكاديمية، وذلك بحضور د. أسامة الأزهرى وزير الأوقاف.
جاء اللقاء ليعلن عن، انطلاق مشروع وطني ضخم لإعادة بناء العقل الديني المستنير وإعداد نخبة من العلماء وفْق رؤية علمية حديثة ومنضبطة.
أكد الرئيس السيسي- خلال اللقاء- أن ساعات الدراسة اليومية، التي تتراوح بين عشرة إلى اثنتي عشرة ساعة، تفوق الساعات اللازمة للحصول على درجة الدكتوراه، موضّحا أن هذه الجُرعة العلمية المكثّفة تؤهِّل الدارسين للحصول على درجة أكاديمية رفيعة تتجاوز في قيمتها العلمية درجة الدكتوراه ذاتها.
وشدّد الرئيس على أن الهدف الأساس لهذا البرنامج هو تحقيق استنارة حقيقية وإعداد علماء ربّانيين مستنيرين، قادرين على مواجهة التخلّف والتطرّف والغثّ، وبناء عقل مختلف عن كل العقول السابقة بفضل زيادة الفِهم واتّساع المَدَارك.
أشار الرئيس إلى أهمية اللغة العربية بوصفها حجر الأساس للفهم الصحيح للدّين، داعيًا الأئمة إلى الاهتمام البالغ بإتقانها، مع الانفتاح في الوقت نفسه على اللغات الأخرى بما يتيح لهم التواصل مع العالَم وفِهم المدارس الفكرية الحديثة.
وطالب الرئيس السيسي، الأئمة بأن يكونوا حُرَّاسا للحرية، وفي مقدّمتها حرية الاعتقاد، معبّرًا عن رفضه الكامل لأي شكل من أشكال التمييز أو التخريب، ومؤكّدًا أنه يتابع بنفسه كل ما يجري داخل الأكاديمية العسكرية المصرية.
وفي رسالة صريحة لحاملي الدكتوراه من الدعاة، قال الرئيس: “الدرجة العلمية اللي هتتاخد هنا درجة علمية ذات شأن، وإرادة من حديد وهِمَّة من حديد وعمل من حديد. نسعى إلى استنارة حقيقية تتناسب مع العصر اللي احنا فيه، وهذا عبء ضخم ومسئولية كبيرة عليكم. لسنا حكَّاما على أحد، بالكتير حكّام على أنفسنا”.
أضاف، موضّحًا فلسفة المشروع: “نتكلم على تيار مستنير يجابه تطوّرات العصر اللي الناس مش عارفة لها إجابات، لو اتقال إن الرئيس السيسي بيحترم كل الناس، طيب هو الرئيس السيسي مين واسمه إيه ودينه إيه؟ مش سلوك إنساني فقط، ده فهم ديني. أنا فاهم ديني كده. كل الأديان تدعو لهذا الأمر، ولكن وإحنا ماشيين في ناس تنحرف، وهذه طبيعة النفس البشرية”.
ووجّه الرئيس كلمة مهمّة حول دور الإمام في المجتمع، مؤكّدًا ضرورة الدخول في معركة حقيقية ضد الفكر المتشدّد والغثّ، وضد التخلّف الذي يعوق نهضة المجتمع وبناء الدولة الحديثة. موضّحا أن الإمام المستنير شريك أساسي في تشكيل الوعي الوطني، وأن دوره لا يقف عند حدود المنبر، بل يمتد إلى حماية الأمن الفكري للدولة وصناعة وعي جديد يقوم على الفِهم الرشيد.
وأكد الرئيس السيسي أن الجمع بين المعرفة الدينية والتدريب داخل مؤسسة عسكرية صلبة يصنع شخصية منضبطة فكريًا وأخلاقيًا وقادرة على القيادة وتحمُّل المسئولية.
وختم رسائله بالتأكيد على أن هؤلاء الدُّعاة حَمَلة رسالة تجاه الوطن، وأن عليهم أن يكونوا قدوة في العِلم والانضباط والوعي الحقيقي.
وخلال اللقاء، توجّه أحد حاملي درجة الدكتوراه من الدعاة بكلمة للرئيس قال فيها: “لن يقدِّر جهودك إلا الله، فَسِر على بركة الله ولا تلتفت لدعاوى المُغرضين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، حفظك الله بحفظه”.
ورَدَّ عليه الرئيس برسالة مباشرة قائلا: “كونوا حُرَّاس الحرية، الاختيار اللي ربنا أتاحه للإنسان فيما يخصّ الإيمان به، قالك أنت حرّ، وهنتقابل في يوم، ابقى رُدّ ودافع وقول”.
بناء علمي
من جانبه، أوضح د. أسامة رسلان- المتحدث باسم وزارة الأوقاف- أن فلسفة التدريب الذي يخضع له هؤلاء الأئمة تقوم على بناء علمي غير مسبوق من حيث الكمّ والكيف والتنوّع والشمول. مشيرا إلى أن العامين الدراسيين داخل الأكاديمية يشملان دراسة علوم اللغة والشريعة والمعقول والمنقول والمنطق والفلسفة، إلى جانب الإدارة والاستراتيجية والقانون والعلاقات الدولية وعلوم الاتصال والأمن القومي وعلم النفس والاجتماع وغيرها من المجالات التي تُسهم في تكوين شخصية علمية قادرة على مواجهة التطرّف وحماية القيم وإسعاد الناس بالفهم المستنير والخطاب الرشيد ونفي الغلو وإعادة الفكر الديني إلى رونقه الطبيعي الذي يدعو إلى الحركة الدائمة في الحياة وطلب العلوم كافة.
أضاف: الدارسون سيحصلون على مستحقّاتهم المالية كاملة طوال فترة الدراسة، فالوزارة تعتمد على معيار الجودة والكفاءة لا الكم، وأن شروط الالتحاق شملت حمْل الدكتوراه، والسيرة المهنية الراقية، واجتياز المقابَلات والمحاضرات التمهيدية، بعد عملية فرز امتدت لأسابيع قبل بدء الالتحاق.
أشار إلى أن الدراسة داخل الأكاديمية العسكرية تهدف إلى بناء شخصية رجل الدين بصورة متكاملة، من خلال محتوى تدريسي يخضع لإشراف لجان علمية متخصصة، ويعزّز قُدرة الداعية على الإحاطة بمجالات متعدّدة إلى جانب العلوم الشرعية.
وأكد أن رَجل الدين المعاصر ينبغي أن يكون مُلِمًّا بعِلم الاجتماع وفاهمًا لسياسات الدولة وتطوّر مفهومها، وأن يكون لديه دراية بأساسيات الإدارة والأمن القومي والعلاقات الدولية بما يُمكِّنه من أداء دوره المجتمعي بفاعلية أكبر.
وشدّد على أن الهدف النهائي هو إعداد رجل دين صاحب تأثير قوي يُعيد للدعوة مكانتها الحقيقية.
لحظة فارقة
وفي السياق ذاته، أكد د. أحمد نبوي- عضو المكتب الفني لوزير الأوقاف- أن ما يحدث اليوم يُمثّل لحظة فارقة وخطوة جادة على أول طريق باكورة مشروع كبير لإعادة صناعة العالِم المتمكِّن بالطريقة الأزهرية العتيقة، موضّحا أن المناهج والمقرّرات ستكون من عيون كتب التراث في علوم الشريعة واللغة، وأن كبار علماء الأزهر من أصحاب الكفاءة العالية سيتولّون التدريس، بالإضافة إلى ما يلزم من علوم الواقع والعلوم الحديثة التي سيُدرِّسها متخصصون مرموقون.
أوضح أن اليوم الدراسي سيبدأ قبل الفجر ويمتد لاثنتي عشرة ساعة على الأقل يوميًا، في بيئة منضبطة بلا هواتف محمولة تشتّت الذهن، مع إقامة كاملة في الأكاديمية العسكرية تضمن الراحة النفسية والتركيز الكامل للدارِس.
وأكد أن الدولة المصرية تحشد كل طاقاتها لإعادة صياغة وصناعة العقل العلمي والفكري لنخبة مختارَة من أبناء الأزهر، وأن كل ذلك يتم برعاية مباشرة من الرئيس السيسي وإشراف كامل من وزير الأوقاف.






























