أعزائى القرَّاء؛ يشرّفنى أن أدعوكم جميعا إلى الجلوس على مأدبة السَّحر فى الثُّلث الأخير من الليل وأذكّركم بأن هذا الوقت هو وقت الاستغفار ثم القيام بين يدى الله كى نناجيه ونناديه، وأتذكّر مدْح ربّنا لمن يفعل ذلك عندما قال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” (الذاريات: 19).
أرأيتم الجلوس على مائدة الاستغفار فى أوقات السَّحر وصلاة القيام وقليل من الصدقات جزاؤه جنّات النعيم، التى فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشَر. وبدأت أفكّر وأسرح بخيالى فى أن الله يحبّنا فنحن جميعا صُنع الله وأنه لا يريد أن يعذّبنا إذا التزمنا وشكَرناه على كل ما أنعم به علينا، وقد وعدنا وهو أصدق القائلين فقال: “مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا” (النساء: 147).
نعم أيها السيّدات والسادَة، إنه هو الرحمن الرحيم، المعطى الرزاق، الكريم والعفو، فإذا رجعنا إليه وشكرناه على ما قدّم وأعطى ونحن مؤمنين، فإنه لن يعذّبنا أبدا.
لذا بعد هذه المقدّمة أكرّر دعوتى للجميع بألا يترك أحد لذّة القُرب والمناجاة بين يدى الله فى الثُّلث الأخير من الليل، بل يحرص أن يكون من السابقين لتلك الوقفة التى تذكّرنا جميعا بالوقوف بين يديه تعالى يوم القيامة عندما يسألنا عما قدّمنا وفعلنا فى حياتنا؟ إن وقفة يوم القيامة طويلة ومرعبة ولكن يهوّنها الوقوف يوميا بين يديه نعبده، نشكو إليه حالنا ،ندعوه ونسأله حاجتنا ونحن موقنين أنه حقًّا ربّ رحيم أمرنا بالدعاء فقط ووعدنا بالاستجابة فقال: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) أرأيتم كيف أن الأمر بسيط ولكن كم من الناس يفعل ذلك؟ ياللأسف الكثير يترك هذه الأوقات الجميلة التى يتنزّل تعالى فيها إلى السماء الدنيا ويقول لنا: هل من داع يدعونى فأستجيب له؟ هل من طالب حاجة فأقضى حاجته؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ والكل نيام إلا من رحم الله وأراد له الخير، حقًّا تعالى اسمه الودود فهو يتودّد إلى عباده فى كل ليلة ليغفر لهم وليقضى حاجتهم ولذلك أمرنا أن نفِرَّ إليه فقال: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) ونحن للأسف والخجل نفِرُّ من الله!
أريد أن أذكّركم فى دعوتى للحضور مع الله فى ثُلث الليل الآخر أن دمْعتين نزلت بحرارة وصدق قد يكونا هما السبب فى محو الذنوب، قد يكونا سببا لتبديل السيّئات إلى حسنات، بل قولوا أنهما سببا للقبول وللوصول إلى معيّة الله، ياله من وقت جميل يغفل الناس عنه ويتناسوه! ولكن الأمر المحيّر جدا أن كثيرين يسهرون أمام التلفاز أو أمام مواقع التواصل الاجتماعي ويمر عليهم ذلك الوقت ولا يبالوا! والأدهش والأغرب أنهم قبل صلاة الفجر بوقت قليل ينامون ويفرّون من الله وقد حَرموا أنفسهم من نعمتين كبيرتين، قيام الليل وصلاة الفجر.
اللهم لا تأخذنا ونحن عنك ساهون، بل ردَّنا إليك ردّاً جميلاً وقرّبنا إليك وافتح بيننا وبينك باب الوصول وقرّبنا منك قُرب العارفين بك ولا تسلّط علينا أنفسنا ومتّعنا بلذّة الوقوف بين يديك، كى نستغفرك ونتوب إليك، اللهم عُدنا إليك ونَدِمنا على تقصيرنا فأقبل توبتنا وأغفر ذلّتنا وأنعم علينا جميعا بتلك الساعة المبارَكة فهى نداء منك سبحانك لمن تحب من عبادك واقبلها لمن أخلَص لك ورغب فى لقائك. لذا أكرِّر لكم دعوة الحضور على مائدة الاستغفار والقيام فى وقت السَّحر، هى دعوة حضور لكنها أغلى دعوة فلا تفرّطوا فيها أبدا.





























