الإنسان بطبيعته مخلوق ضعيف في البنية الجسمانية لقوله عز وجل في سورة النساء (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)، لكنه قوي بالقيمة الإيمانية التي تتغذي عليها الروح لقوله ﷺ: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ (رواه مسلم). ومن مواطن الضعف للإنسان أنه مخلوق من ماء مهين قال تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) (20/ المرسلات)، وبيَّن تعالى ضعف مراحل خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام من الطين وما أضعف هذا الطين (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ) (12)، ثم مراحل خلق الجنين في بطن أمه ، وكلها مراحل ضعف، فقال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (14/المؤمنون) فتكوين الجنين يبدأ بالنطفة الأمشاج التي لا ترى بالعين المجردة، ثم منها تكون العلقة التي تتعلق بجدار الرحم، ثم يدخل في مرحلة التخليق لتكوين المضغة من العلقة، والعظام من المضغة وكسوتها باللحم. ثم يزداد حجمه بعد نموه وتهيئته ونفخ الروح فيه ليعطي صورة الإنسان في أحسن تقويم ، وهذه مرحلة النشأة الآخرة. ولم يكتشف علماء التشريح والأجنة تفاصيل خلق الجنين إلا في نهاية القرن العشرين، وهذا من بيان الإعجاز العلمي في هذه الأيات التي ذكرت مراحل خلق الجنين بالتفصيل الدقيق قبل 1447 عاما. وبعد تسعة أشهر يخرج طفلاً ضعيفاً غضاً طرياً يحتاج إلى من يرعاه، ثم تأتي مرحلة الفطام ليقوى بالغذاء من ثدي أمه، ثم فتى ثم شاباً قوياً، ومن هنا تبدأ مرحلة القوة والأشد وهي من سن 20 – 40 سنة. ثم تبدأ مرحلة الكهولة من بعد 40 سنة، والشيخوخة والتنكس في الخلق، ومرحلة أرذل العمر وكلها مراحل ضعف ذكرت مختصرة في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ُ) (54/الروم). ومن الجمع بين آيات الخلق ومراحل الحياة يتبين لنا أن الإنسان يمر بثلاث مراحل في بطن أمه وهي: مرحلة النطفة ثم مرحلة التخليق، ثم مرحلة النشأة الآخرة وكلها مراحل ضعف. وبعد خروجه من بطن أمه يمر أيضا بثلاث مراحل وهي: مرحلة الطفولة وهي مرحلة ضعف، ثم مرحلة الأشد والشباب وهي مرحلة قوة، ثم مرحلة الكهولة وما بعدها وهي مراحل ضعف. وإذا نظرنا أيضا إلى مراحل ما بعد الموت: (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) (16) نجدها أيضا ثلاث وهي: مرحلة البرزخ أي: القبر، ثم مرحلة البعث والنشور، ثم مرحلة الجزاء، وكلها أيضا مراحل ضعف وانكسار.
فصفة الضعف لازمة للإنسان، وبين رب العزة سبحانه وتعالى صفات الإنسان في القرآن الكريم، وأكثرها صفات ضعف فهو: ضعيف، يئوس، كفور، كنود، قتور، فخور، ظلوم، عجول، هلوع، جزوع، منوع، قنوط، مجادل، طاغي، خصيم، نسيب، مصاهر، مكابد، اجتماعي يكون الشعوب والقبائل. ضعيف أمام ما هو أضعف منه كالبكتريا، والفيروسات، ومع ذلك تفتك بالإنسان في أيام كفيروس الإيبولا، أو الإنفلونزا، أو كورونا أو تدمر جهازه المناعى كفيروس الإيدز. وقد وصف القرآن الكريم الشيخوخة، ومن بلغها بأسلوب يفيد الاسترحام لما فيها من الضعف في البنية والوظائف، مثل: (..وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيٌّا) (8) سورة مريم , (..وأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير..)(23) سورة القصص، لكي ينبه السامع والقارئ لكتاب الله تعالى على حسن التأدب في القول والفعل مع كبار السن. ويمر الإنسان بمرحلة التنكس في الخلق لقوله تعالى: (وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ ) (68) سورة يس. ويمر الإنسان بمرحلة أرذل العمر من قوله تعالى: (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَىْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍۢ شَيْـًٔا ۚ ) (70) سورة النحل، وهذه إشارة علمية دقيقة عن “مرض الزهايمر”. وردت فى القرآن الكريم منذ 1447 عام، بينما ذكرها العلماء فى سنة 1906م، وإن بيان العلماء لحقيقة الضعف والتنكس في جميع تراكيب ووظائف جسم الإنسان لشاهد آخر من شواهد الحق على صدق رسالة أشرف الخلق النبى ﷺ وأنه لا ينطق عن الهوى. وبعد بيان مراحل الضعف التي يمر بها الإنسان لكي يعلم أن قوته في إيمانه بربه عز وجل وليست في قوة جسده، وليتذكر أن بعد هذه الحياة المليئة بالضعف، أنه بعد ذلك ميت لا محالة لقوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16))، وليعد لوقوفه بين يدي ربه (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)) الشعراء، وهذا الإعداد لا يكون إلا بالإيمان والعمل الصالح قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (الرعد: 29))، ومن أوجه أوجه الإعجاز البلاغي في هذه الآية :وطوبى: مصدر من طاب طيباً إذا حسن، وهي بوزن البُشرى والزلفى، قلبت ياؤها واواً لمناسبة الضمة، أي لهم الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بالذكر، فهم في طيب حال: في الدنيا بالاطمئنان، وفي الآخرة بالنعيم الدائم وهو حسن المئاب وهو مرجعهم في آخر أمرهم .





























