أكد المشاركون في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي الخامس والعشرين للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الذي انطلق اليوم بعنوان “الأبعاد الاجتماعية والقانونية للذكاء الاصطناعي: الفرص والتحديات”، على أهمية التصدي للتحولات العميقة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في البنية الاجتماعية والقانونية، وضرورة وضع أطر حاكمة تضمن توظيف هذه التقنيات بما يخدم التنمية ويحافظ على القيم الإنسانية والأمن المجتمعي.
أقيم المؤتمر برعاية الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيسة مجلس إدارة المركز، وبرئاسة الدكتورة هالة رمضان مديرة المركز.
وشددت الدكتورة مايا مرسي خلال كلمتها على أهمية الحوار العلمي الرصين لبحث تأثيرات الذكاء الاصطناعي الاجتماعية والقانونية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة التنمية ودعم صانعي القرار ومواجهة التحديات المستقبلية، مع التأكيد على ضرورة الاستخدام المسؤول والآمن لهذه التقنيات.
وأعلنت الوزيرة عن إعادة إحياء جائزة الدكتور أحمد خليفة لشباب الباحثين، وجائزة باحث المستقبل لطلاب المرحلة الثانوية، دعمًا للرؤية الوطنية في تشجيع البحث العلمي ومواكبة التطورات التكنولوجية.
من جانبها، أوضحت الدكتورة هالة رمضان أن موضوع المؤتمر يأتي استجابة للتحديات الجسيمة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على المجتمع، مشيرة إلى حرص المركز على تقديم رؤية شاملة توضح العلاقة بين هذه التقنيات والعلوم الإنسانية.
وبدورها، أكدت الدكتورة سهير لطفي، رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، أن المؤتمر يتناول الذكاء الاصطناعي كتحول إنساني شامل، لا كمجرد ظاهرة تقنية، مشددة على ضرورة دمج العلوم الاجتماعية والقانونية في تصميم تطبيقاته، لضمان تحقيق توازن بين التقدم التقني والحفاظ على الهوية الثقافية والأمن المجتمعي.
” الذكاء الاصطناعي وحوكمة البحوث الاجتماعية”
عقد المركز ورشة عمل على هامش فعاليات المؤتمر بعنوان: “الذكاء الاصطناعي وحوكمة البحوث الاجتماعية” برئاسة أ.د نجوى خليل أستاذ الإعلام بالمركز ووزير التضامن الاجتماعى الأسبق ورئيس المركز الأسبق.
عُرضت ورقة علمية بعنوان “الذكاء الاصطناعي وحوكمة البحوث الاجتماعية”، من إعداد الأستاذ الدكتور وليد رشاد زكي أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والدكتور خالد كاظم أبو دوح أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة سوهاج. وتناولت الورقة التحولات العميقة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي بالعلوم الاجتماعية، وتأثيره المتنامي على مختلف مراحله، من تحديد المشكلات البحثية وصياغة الفرضيات، مرورًا بجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها، وصولًا إلى النشر العلمي. وأكدت أن هذا التحول لم يعد خيارًا تقنيًا، بل واقعًا معرفيًا يفرض إعادة النظر في الأطر المنهجية والأخلاقية الحاكمة للبحث الاجتماعي.
وأوضحت الورقة أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا واسعة لتحسين جودة البحوث الاجتماعية من خلال تعزيز القدرات التحليلية وتوظيفه بشكل صحيح، واكتشاف الأنماط والاتجاهات الاجتماعية المعقدة، ودعم صناعة السياسات العامة القائمة على الأدلة. وفي المقابل، حذّرت الورقة من التحديات التقنية والأخلاقية والمعرفية المصاحبة، وعلى رأسها التحيز الخوارزمي، ومشكلات الشفافية وتفسير النتائج، ومخاطر انتهاك الخصوصية، وإنتاج المحتوى المضلل، بما قد يؤثر على نزاهة البحث العلمي ومصداقيته.
وأكدت الورقة أهمية حوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي في البحوث الاجتماعية، من خلال تبني مقاربة متعددة التخصصات تدمج العلوم الاجتماعية مع العلوم التقنية والقانونية، وتُرسخ مبادئ المسئولية والشفافية والمساءلة، مع التأكيد على الدور المؤسسي للمراكز البحثية والجامعات ودور النشر العلمية في وضع قواعد واضحة لاستخدام هذه التقنيات.
وقد أعلن عن تدشين مؤلف يضم مجموعة من القواعد التنظيمية لعمليات البحث العلمى وقواعد النشر والتأليف تُهدى إلى الباحثين فى مجال البحوث الاجتماعية والإنسانية بهدف حوكمة الذكاء الاصطناعى فى المجال البحثى.
شهدت الجلسة مداخلات من عدد من الخبراء من بينهم؛ أ. د. بهاء درويش، أستاذ الفلسفة بجامعة المنيا ونائب رئيس اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونسكو، د. أميرة تواضروس، أستاذ مساعد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وعضو مجلس الشيوخ، ونخبة من الخبراء والأكاديميين وصناع القرار ذوى الصلة بموضوعات هذه الأوراق.
وأسفرت هذه المناقشات عن مجموعة من التوصيات تمثلت فى:
– أكدت الورشة على ضرورة تعزيز الشفافية والنزاهة والمسؤولية الأخلاقية، وشددت على أن الذكاء الاصطناعي لا يُعتبر مؤلفاً للمحتوى، وأن المسئولية الكاملة عن أصالة المعلومات ودقتها تقع على عاتق الباحث البشري.
– نبهت المناقشات على ضرورة أن يفصح الباحثين عن أي محتوى تم إنشاؤه أو تعديله بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتوثيق استخدام الأدوات بدقة.
– أكدت الورشة على مسؤوليات المؤسسات الأكاديمية ودور النشر في ضمان التدقيق العلمي الصارم، وطالبت بأن يكون المحررون والمراجعون يقظين تجاه المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، خصوصًا ما قد يكون مضللاً أو متحيزًا، والاستعانة بالأدوات المتاحة للكشف عنه.
– أشارت التوصيات إلى ضرورة أن تظل عملية التحكيم والتدقيق تحت إشراف بشري كامل، مع رفض الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في إعداد تقارير التحكيم نيابة عن المراجعين.
3- وفي إطار النظر إلى المستقبل، طرحت الورشة قضايا استشرافية تتعلق بتطوير السياسات المستقبلية، مؤكدة على الحاجة الملحة لإعداد أطر وطنية وعربية لحوكمة البحوث الاجتماعية. وأشارت إلى ضرورة تحديد ما إذا كانت المبادئ الأخلاقية وحدها كافية لردع المخالفات، أم أن هناك حاجة إلى تكامل قانوني ملزم. وتدعو التوجهات المستقبلية إلى الموازنة بين الفرص والمخاطر، لتعظيم الفوائد التحليلية للذكاء الاصطناعي وتجنب سلبياته المحتملة، مثل التحيز الخوارزمي ومخاطر الصندوق الأسود.
4- دعت الورشة إلى تعديل قانون تنظيم الجامعات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي والمحاسبة على السرقات العملية.
5- تبادل الخبرات بين مصر والدول العربية والأجنبية في مجال تنظيم العمل بأدوات الذكاء الاصطناعي في البحوث العملية.
6- إجراء تقييم دوري للأثر الاجتماعي لقواعد تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي.
7- أوصت الورشة بأن يتم تحديد الهدف من البحوث منذ بدايتها، بحيث تكون موجهة لتقديم قيمة واضحة لصانع القرار، وإمكانية صياغة أوراق سياسات قائمة عليها، بما يضمن أن تظل البحوث ذات قيمة حقيقية منذ البداية ولا تُغطى أو تُستبدل بمحتوى الذكاء الاصطناعي.
” الذكاء الاصطناعي والأمن المجتمعي “
واختتم اليوم الأول للمؤتمر بالجلسة الثالثة ” الذكاء الاصطناعي والأمن المجتمعي” برئاسة اللواء الدكتور أحمد الجيزاوى مدير كلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة سابقاً، حيث أكد انه برغم ايجابيات الذكاء الاصطناعي في حياة البشر – والتي تجلت في تحسين مهارات التعليم ومستويات الصحة وتعزيز قدرة الدول على تحسين مسار عملية التنمية المستدامة وبناء المدن الذكية وترشيد الطاقة وتحليل البيانات الضخمة بشكل غير مسبوق- إلا أنه نتج عنه مجموعة من السلبيات ومنها جرائم التزييف العميق والتطبيق الخوارزمي والفقاعات الرقمية وما ينتج عنها من استقطاب مجتمعي بين الأجيال. حيث أصبحت القيم المتعارف عليها مجتمعيا محل للتفاوض مما يؤدى لتراجع القدرة على بناء رؤية قيمية للمستقبل.
وتناولت الجلسة ثلاث أوراق علمية، الأولى قدمتها أ.د سهير عبد المنعم أستاذ القانون الجنائي بالمركز بعنوان ” الثقافة والسياسة التشريعية في مصر: الأمن المجتمعي في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي” سعت الورقة لتقديم تحليلًا معمقًا للعلاقة الجدلية بين الثقافة والسياسة التشريعية والأمن المجتمعى فى مصر فى مواجهة الانتشار المتسارع لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعى، كما أكدت على أن التهديدات التى يفرضها الذكاء الاصطناعى على الأمن المجتمعى هى تحديات مترابطة تتطلب استجابة تشريعية متكاملة.
كما قدمت د. سعدية يونس باحث بمكتب فضيلة الأمين العام بمجمع البحوث الإسلامية الورقة الثانية بعنوان ” أثر الذكاء الاصطناعي على السلم العالمى” ركزت الورقة على بيان مدى تأثير الذكاء الاصطناعى على الواقع الإنسانى المعاصر، باعتباره أداة فعالة فيما يواجه العالم اليوم من تحديات متداخلة ومتشعبة، على كافة المستويات الإقليمية والعالمية إيجابًا أو سلبًا وذلك بالاعتماد على المنهج النقدي القائم بتقييم استخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمنهج التحليلي لأهم القضايا المتأثرة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وفى ذات السياق، قدمت د. نجلاء محمد مساعد مدير مركز الفلك وعلوم الفضاء بمجمع البحوث الإسلامية، الورقة الثالثة بعنوان ” مستقبل السلم المجتمعي في عصر الذكاء الاصطناعي: إشكالية التنبؤ الإنساني وفقدان السيطرة الأخلاقية ” حيث أشارت إلى اتساع الفجوة بين سرعة تطور الذكاء الاصطناعى وبين قدرة الإنسان على ضبطه وإخضاعه للمعايير الأخلاقية والقيمية الضامنة لاستقرار المجتمعات وبصفة خاصة فيما يتعلق بالنظم الذكية التي تتخذ قرارات جوهرية تمسّ العدالة، والهوية، والفرص، والثقة العامة وبالتالي في حالة حدوث أي اضطراب في تلك العناصر سوف يعد تهديدًا مباشرًا لبنية التماسك الاجتماعى.
وقد قام بالتعقيب على الجلسة كلاً من المهندسة إيمان على محاضر بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، والمستشار أحمد عبد الحكيم رئيس محكمة الاستئناف وعضو المكتب الفني لوزير العدل، ونخبة متميزة من الخبراء والأكاديميين وصناع القرار والإعلاميين، والمهتمين بالقضية من مختلف المجالات.
