ما حدث في نيوزلندا لفت نظري إلي شئ مهم جدا, وهو كيفية إدارة الأزمات؟ وكيفية التعامل مع المشكلة؟ وكيف أن قلوب الذين نقول عنهم كفارا، ربما أطيب وأحن منا في التعامل مع المتضررين أو المجروحين!
ما توقعته وتوقعه الكثيرون أنه بعد الحادث الأليم في بيت من بيوت الله, أن يخرج علينا رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو أي مسئول, ليشجب الحادث ويندد به ويطمئن أهالي الضحايا أنه تم القبض علي القاتل وكفي، وأنه سيتم دفع تعويض مالي للتخفيف عن المكلومين, مثلما يحدث في كل الدول العربية, وغير العربية.
ولكن ما حدث في نيوزلندا شئ خرافي, خرجت رئيسة الوزراء تخاطب الجموع وهي ترتدي الزي الإسلامي، وتطمئن المسلمين وتتحدث معهم في أماكن تجمعهم، وخرج معها الكثيرون من عامة الشعب لفعل ذلك، ارتدت السيدات الأخريات غير المسلمات الحجاب تضامنا فقط مع المسلمات واعترافا بحقهن في ارتداء ما يشئن من الملابس.
خرج رئيس دولة النمسا (فان دير بيللين) وتحدث عن العنصرية والكراهية ضد الإسلام وقال- عبر شاشات التلفاز- قولا غير مسبوق ولا حتي في الدول الإسلامية: (من حق كل امرأة أن ترتدي ما تشاء من الملابس, كل مسلمة من حقها ارتداء الحجاب وإذا استمر التحريض ونشر الإسلاموفوبيا فسيأتي اليوم الذي نطلب فيه من جميع نساء النمسا ارتداء الحجاب، كنوع من التضامن مع النساء اللاتي يرتدين الحجاب لدوافع دينية).
في الوقت الذي تقوم فيه بعض النساء في مصر بتصرفات غبية للمطالبة بنزع الحجاب وتحرّض علي ذلك! ولا تكتفي بأن تخلعه هي, بل تريد مظاهرات من أجل ذلك!
ولم تكتف رئيسة الوزراء بالظهور والحديث بعد الأزمة مباشرة بل استمرت في الذهاب لأسر الضحايا مرات عديدة وهي ترتدي الحجاب, للتحدث معهم وطمأنتهم.
أباحت الدولة رفع الأذان في الشوارع العامة والميادين الكبيرة علي مرأي ومسمع من الجميع. كما تكفّلوا بإحاطة المساجد بالشرطة من أجل تأمين المصلّين, وهذا ما نريده فعلا.
ولكن لم يكن التصرف تصرف حكومة تريد أن تحافظ علي شكلها أمام المجتمع الدولي، بل أنه شعور ينبع من المسئولية والاحترام للنفس أولا ثم للآخرين، حتي أن الشعب نفسه كان شعوره وتصرفه فوق الوصف, لم ينشغل باهتماماته رغم أنهم لديهم ما يشغلهم فعلا, ولكن ذهبوا للمساجد وجلسوا واستمعوا, وحاولوا معرفة الحقيقة ومعرفة شئ عن الإسلام.
إنهم ليسوا مثلنا, لا يسمعون فيصدقون ويزيدون وينشرون طبقا لوجهة نظرهم ليسوا مثلما تفعل الببغاوات، إنهم متحضرون ومحترمون فعلا، يحترمون أنفسهم وعقولهم, ويحترمون الآخرين ومشاعرهم، وذهبت النساء فرادي وجماعات وهن يرتدين الحجاب لأسر الضحايا ولازالت تذهب إلي الآن للمؤازرة.
حتي علي المستوي الأقل، قال “فاتو” زعيم عصابة “مونغريل موب”، سندعم ونساعد إخواننا وأخواتنا من المسلمين مهما طالت مدة حاجتهم إلينا. وقال: لقد اتصل بنا أحد الأشخاص وقال إن بعض إخواننا وأخواتنا المسلمين يخافون من أداء الصلاة في المسجد يوم الجمعة”. وسوف نؤمِّن صلاتهم.
لقد تعهد أكبر زعيم عصابة بأنه سيحمي المصلّين في المساجد تضامنا معهم- مع الأقلية المسلمة التي تمارس شعائر دينها- بالرغم أنه غير مسلم, ولكنه يدعم الجالية المسلمة في البلاد، وحماية المساجد المتواجدة في مناطقها، وكذلك عصابتي “كينغ كوبرا” و”بلاك باور” تعهدتا بتقديم الدعم أيضا! ونظمت أيضا عصابات في أستراليا دوريات حراسة حول مساجد في سيدني.
ليتنا نتعلم كيف نتعامل مع الأزمات بالقلب والعقل, وليتنا نتعلم ألا نصدر أحكامنا جزافا علي البشر عموما! صحيح في الوقت الذي يستهين ترامب وأمريكا بكل ماهو إنساني وبدماء البشر, ويستهين العرب بدماء العرب الآخرين, ويقتلون بدم بارد, دون أدني إحساس بالشفقة، نجد من يقول: نحن ها هنا نعلّمكم الإنسانية التي لم تريدوا أن تتعلموها من دينكم! تحية لكل إنسان يعرف معني الإنسانية، أيا كانت ديانته أو طائفته أو بلده، تحية لنيوزلندا رئيسا وشعبا, وقد كان حادثا مؤلما, لكنه سيكون سبب هداية وبُشري للكثيرين بإذن الله.