د. عبدالله عبدالفتاح: مزرعة لحصد الحسنات.. والفوز بجوار النبى
د. سيد الوكيل: فرصة لإدخال الفرحة والسرور على قلوبهم
تحقيق: هالة السيد موسى
رعاية الأيتام معنوياً قبل مادياً من أهم الأمور التي يتوجب على المجتمع أن يقوم به، فاليتيم بحاجة إلى الرعاية أكثر من غيره، مما يُقلل وبشكل كبير جداً من الجرائم في المجتمع. فضلا عن أن اليتيم طاقة كامنة بحد ذاته، فربما يكون نابغة من نوابغ زمانه، ولكن لم يظهر بسبب قلة العناية به، ومن هنا فالعناية بالأيتام ورعايتهم تفيد في استغلال هذه الطاقة الكبيرة وتسخيرها لخدمة المجتمع بدلاً من ضياعها.
يشير د. بسيم سلام- دكتوراه فى علم الاجتماع بجامعة حلوان- إلى أن الأيتام إما أن يكونوا أغنياء وفى هذه الحالة يحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية في المقام الأول، ومن يقوم على رعاية أمواله حتى يكبر ويرشد ويستطيع القيام على أمواله، ويعتمد على نفسه، أو فقراء وهذا يحتاج إلى رعاية اجتماعية إلى جانب الرعاية النفسية، من خلال مساعدة مادية من المجتمع المحيط به من أهله وأقاربه ثم جيرانه ومن الدولة، فهو في أمس الحاجة لمن يكفله حتى يصير عضوا نافعا في المجتمع، وهناك طفل يتيم اجتماعيا “طفل ضائع“، وهذا أبواه أحياء أموات! وهو الطفل الأكثر شيوعا في المجتمع، الذي يتسرب من التعليم لجهل مدرسيه، أو لجهل الأسرة، وانحراف الأبوين أو انفصالهما، ولغياب القدوة الحسنة في المجتمع, فهذا الطفل أشد الأنواع خطورة حيث يعد هؤلاء الأطفال نبتة إرهاب، وغالبا ما تنمو هذه النبتة وتترعرع فى بيئة إجرامية مما يعود على المجتمع في النهاية بالضرر.

يوم اليتيم
ويرى د. بسيم، أن الاحتفال بيوم اليتيم، فكرة إنسانية عظيمة، فتخصيص يومٍ لليتيم وإشعاره بالاهتمام يعدّ من أرقى الأعمال التي تستوجب الرعاية والاستمرار، حيث خُصّص هذا اليوم للترفيه عن الأيتام، وإشعارهم بأنّهم محطّ رعاية المجتمع والناس، لتخفيف جزءٍ صغيرٍ من شعورهم بالفقد والوحدة على وفاة الأب أو الأم.
ويستطرد قائلا: على الرغم من تخصيص يومٍ للاحتفال باليتيم، إلا أنّ واجب رعاية الأيتام وحمايتهم وتحسين ظروف معيشتهم لا يقتصر على يومٍ واحدٍ فقط، بل يجب أن تظلّ هذه الجهود متواصلةً حتّى يبلغ اليتيم سنّ الرشد، ويعتمد على نفسه، كي لا يشعر بالنقص أبداً، خصوصاً النقص العاطفيّ، ونقص المشاعر والحنان الناتج عن اليتم، وينتهى يوم اليتيم ليعود الوضع كما كان، أبواب مغلقة على الأيتام فى دور الرعاية، فرعاية الأيتام وحمايتهم لن تتحقق بالشعارات.
يضيف: تتعدّد صور الإحسان إلى اليتيم، منها: التربية، التعليم، التعزيز في المجتمع، تقديم النصح والإرشاد له، الإمساك بيده لتخطّي مصاعب الحياة وقساوتها، فاليتيم الذي يفقد أحد أبويه أو كليهما يشعر بكسرٍ في قلبه، ويحتاج إلى من يجبر هذا الكسر، ويفتقد للحنان والحب، وتقع المسؤولية على كلّ من حوله؛ لتعويض هذا النقص الكبير، ومحاولة سدّ ولو جزءٍ صغيرٍ من هذا الفراغ. وعلى الرغم من أنّ مرارة اليتم لا يمكن أن تزول، إلا أنّ الاحتفال بيوم اليتيم يُعتبر خطوةً رائعةً تفتح الآفاق لتقديم الرعاية للأيتام وكفالتهم بشكلٍ منظم، ودون جرح مشاعرهم أو استفزازها، حيث اتخذنا من التآزر والعون أساساً لعلاقتنا مع من فقد والده أو رب أسرته وأب بيته كشكل من أشكال التكافل، وهذا ما تبين بشكل واضح من انتشار دور رعاية الأيتام، وكذلك ما يقدمه المحسنون وأهل الخير ممن أكرمهم الله بواسع فضله لدعم المحرومين والمقطوعين، وممن فقدوا مصدر عيشهم ودخلهم مع فقدان آبائهم، مما جعل من العيش أمراً مستحيلاً لولا أهل الخير.
فوائد للمجتمع
ومن أهم الفوائد التي يمكن للمجتمع بأكمله أن يجنيها من رعايته للأيتام هي أنه سيقوم بتوفير الدعم النفسي لهم مما سيمنعهم عن أية انحرافات قد تصيبهم في المستقبل عندما يكبرون، وليس المقصود بالانحرافات هنا الجرائم، بل قد يمنع اليتيم عن انحرافات نفسية قد تسبب له الأمراض النفسية في المستقبل القريب له، ومن هنا فإن الإنسان هو أمانة مهما كان سواء يتيماً أم لقيطاً أم ابناً غير شرعي أم غير ذلك من التصنيفات، والقاعدة العامة تقول أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، لهذا يتوجب على المجتمع رعاية كافة الفئات في المجتمع التي تعاني من وجود خلل لديها أو التي جارت عليها الظروف والأيام. واليتيم إذا وجد القلب العطوف واليد الحانية نشأ إنساناً سوياً بغير عقد تنغص عليه حياته ولا ضغينة يختزلها حيال المجتمع الذي تخلي عنه في فترة محنته، بل ويري عليه لزاماً أن يرد الجميل للمجتمع وهكذا لا تتوقف عجلة البناء، بدلاً من أن يصبح اليتيم مشرداً أو مجرماً. والنتيجة بعد ذلك لصالح المجتمع في كل الحالات، ففيه الأفراد المترابطون برباط الأخوة يجمعهم هدف واحد وطريق واحد وتلك هي القوة الحقيقية التي تبني بها المجتمعات نفسها، وعلي سبيل التذكرة فإنه حتى المجتمعات غير المسلمة وعلي سبيل الرعاية الاجتماعية تفسح المجال لتقديم أكبر قدر من الخدمات لليتامى موقنة أن هذا هو السبيل الوحيد لنزع فتيل الفساد الذي ينتظرهم إن لم يجدوا الرعاية والعون من المجتمع وأن ضحايا الانتهاكات سوف يمارسون عنفًا ضد المجتمع بعد خروجهم. كما أن الطفل اليتيم يعاني من فقدان 80 % من الشحنة العاطفية التي تجعله إنسانا صالحا قادرا علي الدفاع عن نفسه وعن الآخرين، بل ويجعله بمنأى عن الاخطار المجتمعية التي يتعرض لها اطفال الشوارع مثل السرقة وتناول المخدرات وغيرها من الامراض التي باتت تهدد المجتمع بأسره، فيجب التعامل معهم معاملة تليق بهم حتي تتفجر ابداعاتهم ويتحولون طاقة ابتكارية قادرة علي نفع انفسهم والمجتمع.
عُقد نفسية

يشير د. سيد الوكيل- أستاذ علم النفس المساعد بكلية الآداب جامعة الفيوم- إلى أن الوالدين لهما تأثير كبير في شخصية أبنائهما باعتبارهما المعلم الأول للطفل، والنموذج والقدوة التي يجب أن تتوفر في حياته، ولكن في الكثير من الأحيان ينشأ الطفل في كنف أسرة افتقدت لوجود الأب بسبب موته أو غيابه أو فقدانه لأي سبب من الأسباب أو يكون هذا الطفل مجهول الهوية أو النسب ونشأ في دار من دور الإيواء والرعاية الاجتماعية وهنا قد يكون هذا الطفل مُعرضاً للعديد من أوجه الخلل أو النقص في سمات الشخصية لأن الأب في حياة الطفل له دور في غاية الأهمية والخطورة وهذا الدور لا يقل بأي حال من الأحوال عن دور الأم، فبالإضافة إلى دوره في الرعاية والعناية والتربية وتحقيق الشعور بالأمن والاستقرار في حياة الطفل فإن له دوراً مهماً في عملية ضبط وتهذيب سلوك هذا الطفل وتنمية شخصيته لأن الأب بشكلٍ مبسط يُمثل مصدر الضبط والتوجيه والثواب والعقاب في حياة الطفل، فالأب يؤمن للطفل اشباع حاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية والانفعالية والعاطفية والسلوكية، فدور الأب في حياة الطفل يأتي مُكملاً لدور الأم ولا يمكن لأي منهما مهما أُتي الطرفان من قوةٍ أن يكون أحدهما عوضاً عن الآخر، فاختفاء الأب من حياة الطفل قد يترتب عنه معاناته من خلل كبيرٍ في الشخصية وفي مستوى التوافق النفسي والاجتماعي والانفعالي والعاطفي والسلوكي، كما أنه قد يُصاب بعقدٍ نفسيةٍ كثيرةٍ تُعبر عن معاناته من الشعور بالخوف والحساسية الزائدة والغضب والثورة لأتفه الأسباب بالنقص والدونية وفقدان الثقة بالنفس وفقدان الأمل وفقدان الشعور بالأمن النفسي واللجوء إلى الإهمال وانخفاض مستويات الطموح والعزيمة والمثابرة، علاوة على وجود اضطرابات سلوكيةٍ تتمثل في العناد والتمرد والتنمر والاندفاعية والتسلطية والكذب ورفض الانصياع والامتثال للسلطة والتمرد على كل من يتقمص دور الأب في حياته، علاوة على الشعور بالعزلة والانسحاب والانزواء والانعزال عن الأقران والأقارب، وتكوين مفهوم سلبي عن الذات وانخفاض تقدير الذات بالإضافة إلى تكوين نظرة عدائية ضد أقرانه أو أصدقائه ممن يعيشون مع آبائهم، ومثل هذه السلوكيات المضطربة والخلل في ديناميات الشخصية قد تقوده إلى الافتقاد لقيم الولاء والانتماء للمجتمع وبالتالي الإقدام على اقتراف وارتكاب الجريمة والجنوح والانتقام وتكوين ميول مضادة للمجتمع نتيجة للقلق، والغضب، والإحساس بعدم الأمان، كما يصابون بحالات فقدان الثقة بالنفس بسبب الخبرات السابقة وسوء المعاملة ، كما إنهم يفتقدون إلى الأمان والتقدير الاجتماعي والانتماء.
ولذلك فإن هؤلاء الأطفال بحاجة ماسة إلى مد يد العون والرعاية لهم لتعويض نقصٍ وعوزٍ وحرمانٍ تعرضوا له دون أدني ذنبٍ أو مسؤولية عن هذا الحرمان أو العوز ويمكن تعويض ذلك من خلال ما يأتي:
1- بث الحب والثقة في النفس لدى هؤلاء الأيتام واشعارهم بالتقبل والمساواة بينهم وبين أقرانهم من غير الأيتام على كافة الأصعدة والمستويات.
2- التربية الجادة والهادفة التي تعطي ذلك اليتيم الجرعة الإيمانية الصالحة.
3- إدخال البهجة والسرور على الأطفال الايتام والاحسان إليهم قولاً وفعلاً وعملاً.
4- أن يكون التعامل مع هؤلاء الأيتام قائم على الحب والرحمة والحنان والدفء العاطفي وليس مجرد الشفقة عليهم.
5-توفير الدعم النفسي والاجتماعي والتربوي من كافة المؤسسات التربوية في المجتمع لهؤلاء الأيتام لتحقيق مستوى مناسب من التوافق النفسي والاجتماعي، وتكامل وتوازن الشخصية.
6- توجيه الدعم المادي والنفسي للجمعيات التي تقوم على رعاية الأيتام ومجهولي الهوية لما لهذه الجمعيات من أهمية بالغة في رعاية هؤلاء الأطفال.
7- تشديد الرقابة وسن التشريعات والقوانين التي تكفل لهؤلاء الأطفال الحماية والرعاية داخل الأسرة وداخل المؤسسة وخارجها.
اليتيم فى القرآن

يقول د. عبدالله عبدالفتاح- إمام وخطيب بوزارة الأوقاف-: جاءت نظرة الإسلام إلى اليتيم نظرة إيجابية واقعية فاعلة، لعب فيها عنصر الإيمان وحافز الثواب دورا أساسيا، فهم في المجتمع المسلم ليسوا عالة ولا عبئا على أفراده، وإنما هم من المنظور الشرعي حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها ليفوز بجوار النبي- صلى الله عليه وسلم- ورفقته يوم القيامة، حيث جعل كافل اليتيم مرافقا ومصاحبا له في الجنة, فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: “أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ, وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى, وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلاً”. أخرجه البخاري.
كما جعل صلى الله عليه وسلم خير البيوت الذي فيه يتيم يُكرم, وشرها البيت الذي فيه يتيم يُهان, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: “خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبُعَيْهِ”. أخرجه البُخاري في الأدب المفرد.
والقرآن الكريم اعتبر من يدعُّ اليتيم أو يتعدى مكذّبا بالإسلام، يقول تعالى في سورة الماعون: {أرأيت الذي يكذّب بالدين. فذلك الذي يدعُّ اليتيم} فضلاً عن هذا الاستفهام الذي فيه تشنيع وفضح وتعجب من هذا المذكور، وبيان أنه يقف في دائرة بعيدة عن حقيقة الدين كما يفهم من اسم الإشارة للبعيد: فذلك.
ومعنى يدع اليتيم: يدفعه بعنف عن استيفاء حقوقه. وليس الدَّعُّ إلا كلمة عجيبة اشتملت- بالإضافة إلى التشديد الكائن في مادة الكلمة- على كل معاني الإقصاء والإهمال والشدة والعنف وسائر مظاهر الظلم التي تلحق باليتيم. ومثلها كلمة القهر في سورة الضحى، قال تعالي: (فأم اليتيم فلا تقهر)، بل هي أعجب لما انطوت عليه من ممارسات الضغط النفسي والبدني التي تفترض شخصا فاعلا وآخر مفعولا به، وهي تحمل المعاني التي تُورث الإهانة ونقص الكرامة والشعور بالضعف والنقص، يدل على هذا أصل الكلمة اللغوي وهو: الأخذ من فوق كما في لسان العرب لابن منظور.
ويزداد الأمر وضوحا في سورة البلد حيث تجد في السورة الكريمة سبق إطعام اليتيم فيها، الكينونة مع الذين آمنوا، قال تعالى: {فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة. أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالحق وتواصوا بالمرحمة} سورة البلد.
وإذا القرآن الكريم أكد على حقيقة الإحسان إلى اليتيم, فهو يؤكد أيضا عدم الاعتداء على ماله, قال تعالى: “وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ…” حتى قوله تعالى “…ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (153) سورة الأنعام.
وقال تعالي “وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” (34) سورة الإسراء.
وجعل الإسلام عقوبة (أكل مال اليتيم) نار جهنم والعياذ بالله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10]
وقد اعتاد الكثير من المجتمعات على تخصيص أيام بعينها من العام للاحتفال ببعض المناسبات، منها يوم اليتيم، والعالم المتحضر اليوم قد جعل الجمعة الأولى من شهر ابريل من كل عام يوما أطلقوا عليه يوم اليتيم، فيقومون فيه ببر اليتيم والعطف عليه، ومساعدته, ولكن كيف ببقية أيام العام!؟
يجيب د. د. عبدالله: إننا في الإسلام لا نعطى لليتيم يوما واحدا في العام ثم ننساه بقية العام، بل اهتم الإسلام باليتيم فجعل الدولة والمؤسسات والأفراد يهتمون به طوال العام وأمرهم بذلك وحثهم عليهم وأمر بإصلاح شؤنهم قال تعالي (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة البقرة، ودعا الأمة إلى حسن معاملة اليتيم وحذَّر من مخالفة ذلك فقال: {فأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى: 9)
وقدَّم القرآن نموذجًا حيًا وعمليًا لأهل الخير في المجتمع في رعاية شئون اليتيم، كما أخبر بذلك في قصة سيدنا موسى- عليه السلام- والرجل الصالح {وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} الكهف 82
وبذلك نري أن الإسلام قدّم اليتيم إلى المجتمع في أروع صورة إنسانية شهدتها المجتمعات الحضارية، فلم يقدّمهم على أنّهم ضحايا القدر، أو بقايا المجتمع، كما هو شائع عند الدُّهَماء، بل كانوا موضوعًا لآيات قرآنية رسَمت عنهم صورة إيمانية تسمو على كلّ الارتباطات المادية: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}، ويقول تعالى في موضع آخر: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}.
ولذا كانت نظرة الإسلام إلى مجتمع اليتامى نظرة إيجابية واقعية فاعلة، لعب فيها عنصر الإيمان وحافز الثّواب دورًا أساسيًا، فهم في المجتمع المسلم ليسوا عالة ولا عبئًا، وإنّما هم من المنظور الشّرعي حسنات مزروعة تنتظر مَن يحصدها ليفوز بجوار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة.