إنّ الحديث ليحلو عن مقام الحوراء زينب (رضي الله عنها) لا سيّما ونحن في رحابها الواسع وفي أيام مولدها المبارك الفياض بالعطاء……
وإنّما اخترت الحديث عنها هنا لما للمكان من أثر، حيث اني قد حللتُ ضيفاً عليها، فوحياً من مكانها تاقت الروح للحديث عنها، ولما لزيارتها من إشعاع روحي ينعكس على كلّ من دخل إليها مستعدّاً بقلبه وعقله لتلقّي هذا النور الفياض بالوصال الأبدي الذي لا انقطاع له.
وكلامي عنها مبيّناً عظمتها، لأنّها سلام الله عليها باب أمير المؤمنين الإمام علي كرم الله وجهه وأمير المؤمنين ذاته هو باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في الحديث الشريف عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» .
وقد قيل «أنتم باب الله الذي منه يؤتى» .
زينب
لقد شاءت الاقدار والصدف أن تتعرض الحوراء زينب بنت علي وفاطمة لتلك الأحداث الجسام منذ طفولتها حتى النفس الأخير من حياتها وأصبحت حياتها محفوفة بسلسلة من الآلام منذ البداية وحتى النهاية …..!
لا ريب أن جل الناس لا تخلو حياتهم من الهموم والمتاعب والآلام من غير فرق بين عامة الناس وبين ذوي الجاه والسلطان والثراء ، وقديما قيل : اذا انصفك الدهر فيوم لك ويوم عليك !
ومن الذي استطاع في حياته أن ينجو من البلاء والنكبات وأن يحقق جميع رغباته وما يطمح اليه في حياته ، ولم يبتلى اما بنفسه أو بعزيز من أعزائه وأبنائه أو بأشخاص من خارج أسرته ينغصون عليه حياته .
ولكن من غير المألوف أن يكون الإنسان مستهدفاً للمحن والأرزاء والمصائب منذ طفولته وحتى اخر لحظة من حياته وأن يعيش في خضم الأحداث والمصائب كما عاشت عقيلة الهاشميين التي أحاطت بها الشدائد والنوائب من كل جهاتها وتوالت عليها الواحدة تلو الاخرى حتى وكأنها واياها على ميعاد وأصبحت تعرف بأم المصائب والصبر اكثر مما تعرف باسمها.
فقد شاهدت جدها المصطفى وهو يصارع الموت وأمها وأبوها وخيار الصحابة يتلوون بين يديه مذهولين عن كل شيء إلا عن شخصه الكريم ومصير الإسلام من بعده ! وشاهدت وفاته وانتقاله الى الرفيق الأعلى وفجيعة المسلمين به وبخاصة ابيها وامها ، وسمعت اباها امير المؤمنين يقول يومذاك : لقد نزل بي من وفاة رسول الله صلى الله عليه واله ما لم اكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به !
ورأت الناس من أهل بيتها النبوي الشريف ما بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل ما نزل وحل به ، وبين من أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والإسماع .
وليس ذلك بغريب ولا مستهجن اذا أصيب اهل البيت بذلك وأكثر منه فان تأثير المصائب والاحداث انما يكون حسب جسامتها وما يرافقها ويحدث بعدها على ذوي الفقيد وعلى مجتمعه ، وأهل البيت عليهم السلام والصحب الكرام من أعرف الناس بمقام النبي وأكثرهم انصهارا بمبادئه ورسالته وبما قدمه للبشرية في كل زمان ومكان.
لايستطيع القلم أن يصف سيرة بطلة كربلاء فرغم ماكتب المؤرخون والكتاب والشعراء وما أشاد الخطباء من على المنابر في فضلها وصبرها وثباتها وعظمتها إلا أن كل ذلك قليل في كثير من حقها لقد جسدت السيدة الحوراء في كربلاء صفات أهل البيت فجسدت عظمة جدها وبلاغة أمها الزهراء وشجاعة أبيها المرتضى وصبر اخيها الحسن واباء الحسين لقد جسدت في موقف واحد كل هذه الصفات العظيمة فما هو هذا الموقف؟
انتهت المعركة.. أخوتها وبنوها وأهل بيتها وصحبهم أجسادهم ممزقة بالسيوف والرماح وبدون رؤوس.. الأرامل والثكالى من حولها وهن يندبن قتلاهن وقد تعلق بهن الأطفال من الذعر والعطش.. جيش العدو يحيط بها من كل جانب وقد أحرق خيامها فماذا صنعت؟ هل انهزمت أمام هذه النكبات؟ أو استسلمت لهذه الارزاء؟ كلا
لقد وقفت بين يدي ربها للصلاة.. لقد كانت صلاتها هذه امتدادا لصلاة جدها رسول الله في المسجد الحرام والمشركون من حوله يرشقونه بالحجارة وهو ساجد لله تعالى وصلاة أبيها امير المؤمنين في صفين في قلب المعركة وصلاة أخيها في كربلاء والسهام تنهال عليه.. فكل هذه المصائب والمحن لم تزدها إلا ثقة وإيمانا بالله تعالى.
السيدة زينب
إن من يتامل في خطب السيدة زينب التي القتها في الكوفة ومجلسي ابن زياد ويزيد وما لاقت هذه الخطب من صدى في مجتمع الكوفة وما أحدثت من وقع في مجالس الظالمين ليجد المغزى في خروج السيدة زينب مع أخيها الحسين، ويجد كذلك انها جزء من ثورة الحسين ضد الظلم والطغيان فمثلما رفع الامام الحسين سيفه في ساحة الحرب بوجه الغطرسة اليزيدية.
فقد قاتلت الحوراء زينب في ساحة الكلام بمنطقها الذي شابه منطق ابيها سيد البلغاء والمتكلمين فزلزلت به عروش الظالمين وفضحت جرائمهم ثم راحت تبث الدعوة لأهل البيت وتنشر فضائلهم ومناقبهم وذكر مثالب يزيد اللعين من خلال خطبها التي كانت في قمة البلاغة ومنتهى الفصاحة فأحدثت ضجة في مجلس يزيد وابن زياد وراح الرجل يحدث جليسه بالضلال الذي هم عليه..
ما أعظمك ياسيدتي يازينب العقيلة يا إبنة أمير المؤمنين فأنت قبس من نوره وسر من أسراره ووريثة علمه وخلقه وشرفه ومجده.
وبباب المسجد النبوي تقف المشيرة ممسكة بعضدي الباب الكبير مناجية جدها رسول الله قائلة:”يا جداه إني ناعية لك ولدك الحسين” …. بزفرات من الدموع متلاحقة وحشرجات أنفاس متقطعة من الحزن والهم الكبيرين!
وبعد رحلة كبيرة من البلاء الشاق تختار العقيلة مصر محطا لرحالها وآل بيتها الكرام داعية لمصر العترة الهاشمية: “أويتمونا يا أهل مصر اواكم الله ونصرتمونا نصركم الله جعل الله لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا.
العقيلة
سطعت زينب العقيلة شمسا في سماء التاريخ فكتبت سيرتها بأحرف من نور تلهم الاجيال أسمى معاني الكمال والإباء والصبر والعقيدة وقد أُلف عنها الكثير من الكتب وكتبَ عنها الكثير من الكتاب والشعراء قديما وحديثا لتظل الحوراء زينب الصرخة التي أكملت ثورة أخيها الشهيد مولانا الإمام الحسين عليه السلام والعزيمة التي قودت عرش الظالمين وكم من أجيال توالت فهل تحس منهم من أحد
اوتسمع لهم ركزا…… ولتبقى قبابهم حصنا حصينا للباحثين عن الحقيقة في دنيا الناس ولتبقى منارتهم كذلك رمزا للشموخ ما دامت وبقيت الحياة …. تتحطم على عتبات روضاتهم قامات كل متآمر هنا أو خارج هنا……
.على أعتاب عقيلة الهاشميين وقفت ولديار الكرام عمري نذرت وصوب حضرة النور هرولت….. وشاهدت مالو بحت من الخلائق اتهمت ومن حضرة النور عوتبت…..وصل اللهم وسلم وزد وبارك على حضرة سيدنا محمد النور الذاتي والسر الساري في سائر الأسماء والصفات وعلى آله وسلم.