خلق اللهُ الإنسان، وفضله على غيره بما حباه من قوى العقل والإدراك والفهم، وشرع تعاليم الدين وتكاليفه وأحكامه للمحافظة على الأمور الضرورية للإنسان، وهي الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وكل ما يحفظ هذه الأمور الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأمور أو بعضها فهو مفسدة، فأمر الله بحفظ العقل وشدد على صيانته وحمايته من كل ما يخل به حتى يقوم المسلم بأداء التكاليف الشرعية على الوجه الأمثل.
والخمر تدور معناها في اللغة حول السّتر ومنه خمروا آنيتكم؛ أي غطوها، وفي الشريعة هي كل ما يسكر ويذهب بالعقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» رواه مسلم في صحيحه، واستدل الفقهاء بهذا الحديث على تحريم كل ما يُسكر من الخمرة وما في معناها كالحشيش والأفيون والمواد النفسية من العقاقير، فترادف بذلك في مسماها المخدرات، وهي كل ما من شأنه الإسكار مطلقا، دون النظر إلى شكله أو ماهيته أو مادته التي يستخرج منها، وسواء كان مائعا أو جامدا وعلى أي صورة كان شربه أو تعاطيه.
المخدرات
واختلفت تقسيمات الباحثين المعاصرين ، والعلماء المتخصصين لنوعية المخدرات وأصنافها، فقسمها بعضهم حسب طريقة إنتاجها، والحصول عليها إلى:
مخدرات طبيعية: كالحشيش، والقات والأفيون.
ومخدرات مصنعة: وهي المستخلصة من المخدرات الطبيعية، ويجري تركيبها، كيميائيا، كالمورفين، والهيروين.
ومخدرات تخليقية: وهي مواد لا ترجع إلى أي من النوعين السابقين، وإنما يتم تركيبها من عناصر كيميائية وتحدث نفس التأثيرات للمخدرات الطبيعية والمصنعة، مثل: المنومات والمسهرات، والمهدئات والمهلوسات.
أضرار المخدرات
وللمخدرات أضرار وآثار، في مجملها رجس كما وصفها الله تعالى لها في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[المائدة: 90] فالرجس: النجس الخبيث المستقذر، الذي تعافه العقول السليمة، والنفوس النبيلة.
ويمكن بيان بعض أضرارها وآثارها في الجوانب التالية:
الجانب الصحي: للمخدرات أضرارًا صحية بيَّنها الأطباء المتخصصون المعاصرون، ومن أهمها:
– فساد الدم، لاحتوائه على نسبة عالية من الكحول، حيث لا يصلح دم مدمن الخمر ليعطى منه للأصحاء.
– الإصابة بتليف الكبد، أو تشمع الكبد، وهناك وهم شائع أن بعض الخمور هي التي تسبب التليف الكبدي دون غيرها والتقارير الطبية المتلاحقة تثبت أن الخمور كلها تؤدي إلى نتيجة واحدة.
الشرايين
– يؤدي تناولها إلى زيادة الكوليسترول والشحوم في الدم، ويشكو شاربها من آلام في الصدر، وضيق شديد فيه يعوقه عن الحركة، وكثيرا ما ينتهي، الأمر بانسداد الشرايين أو أحدها، فينقطع الدم فجأة عن جزء من عضلة القلب وتحدث الوفاة الفجائية نتيجة احتشاء العضلة القلبية.
– وتسبب الخمرة في التهاب المعدة، والقرحة المعدية أو المعوية، وتزيد خطورتها في أنها تسبب النزيف الداخلي في المعدة أو الأمعاء.
الجانب الاجتماعي: فمدمن الخمر يفقد عقله، وهو أغلى شيء وهبه الله تعالى للإنسان، يتفكر به في مخلوقات الله ويميز به بين الحق، والباطل، والنافع والضار، والخير والشر، فإذا سلبت منه نعمة العقل، أصبح ضالًا هائمًا على وجهه، لا فرق بينه وبين البهيمة.
وبفقدانه لعقله يقدم على ارتكاب: أي عمل عدواني من زنا أو سرقة أو قتل أو غير ذلك، وربما وقع ذلك منه على محارمه أو أصدقائه، فتؤثر بذلك على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، ويؤدي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية، والروابط الاجتماعية.
المخدرات والمسكرات
فكم مزقت المخدرات والمسكرات من علاقات وصلات، وفرقت من أخوة وصداقات، وشتت أسرا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾.
الجانب الاقتصادي: أما الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات فهي كبيرة جدًا، ذلك أن مدمني المسكرات والمخدرات يشكلون عائقًا كبيرًا في طريق التنمية والتقدم الاقتصادي، ويخلفون عبئًا ثقيلا على عاتق الدولة بما يضيعون من ثروتها الأهلية، وما يجلبونه لها من المآسي والنكبات، فلقد أثبتت الدراسات المعاصرة المتخصصة أن تعاطي وإدمان المخدرات يؤثران على إنتاجية الفرد في العمل، وذلك من خلال ما يطرأ على الفرد من تغييرات نتيجة للتعاطي أو الإدمان، وأن هذا التأثير يشمل كمَّ الإنتاج وكيفه، ولما كان إنتاج المجتمع حصيلة مجموع إنتاج الأفراد، فإنه يتأثر تأثرًا مباشرًا باعتلال إنتاج الفرد وهبوطه، فضلا عن ما ينفق من الأموال والجهود في سبيل مكافحة المسكرات والمخدرات، ومنع تهريبها وتداولها وتعاطيها، وتكليف الكثير من الكفاءات للعمل بها.
ولذلك جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم المسكرات والمخدرات، لما فيها من الأضرار الفادحة والمفاسد الكثيرة التي تتولد منها وتنشأ عنها بالنسبة للفرد والمجتمع، وتحريمها معلوم من الدين بالضرورة، وقد اتفقت جميع الملل والشرائع على تحريمها؛ وماذاك إلا لخبثها وضررها على الإنسان، وتُعَد من الكبائر التي يعاقب عليها؛ وذلك حفاظاً على كيان المجتمع البشري ونشاطه الفعال في خدمة التنمية والأهداف السامية للإنسان.
الخمر
وشارب الخمر قد عصى خالقه جل وعلا، وخالف أوامر نبيه صلى الله عليه وسلم، وانخلع من الوظيفة الأساسية التي كلف من أجلها. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ فينال بفعله ذلك العقوبة في الدنيا والآخرة.
فلشرب الخمر عقوبة تعزيرية في الدنيا كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الضرب، وحدَّها أبو بكر بأربعين جلدة، ففي الصحيحين عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « ضَرَبَ فِي الخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ»، ولما زاد شرب الخمر في عهد عمر رضي الله عنه جلد فيه ثمانين جلدة،.
وكذلك من عقوبة شارب الخمر عدم قبول الصلاة أربعين يوما؛ فجاء في أحاديث الوعيد عدم قبول صلاة شاربها؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا» رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه.
وهناك أيضًا عقوبة خاصة يتوعد بها من لم يتب من شرب الخمر حتى مات ، ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق من تكرر منه شرب الخمر مرارًا ” مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ عَادَ اللهُ لَهُ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فإن عاد، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ نَهَرِ الْخَبَالِ “. قِيلَ: وَمَا نَهَرُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: ” صَدِيدُ أَهْلِ النَّار » رواه أحمد في مسنده.
كما توعده النبي صلى الله عليه وسلم بالحرمان من دخول الجنة في قوله: «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَقَاطِعُ رَحِمٍ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك .
ومن عقوبات الآخرة أيضًا أن من لم يتب منها يحرم من خمر الجنة، وهي خمر لا آفة فيها يجازي بها الله تعالى عباده الذي أطاعوه فتركوا خمر الدنيا وصبروا عليها؛ روى البخاري في صحيحه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ»، وفي رواية لمسلم : «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ»
ولا يخفى مدى الأضرار الكبيرة في مختلف المجالات التي تلحق بالمجتمعات عامة نتيجة وقوعها في وحل المسكرات والمخدرات.