تحقيق: مروة غانم
مبادرة الفنانة ماجدة الرومى الأخيرة التى أطلقتها تحت شعار “فرّح قلب” بمثابة الحجر الذى ربما يحرك المياه الراكدة عسى أن يسير على نهجها باقى الفنانين والفنانات ويقومون بواجبهم تجاه مجتمعهم!
كانت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومى قد دعت متابعيها للاشتراك فى حملة “فرح قلب” وقامت بزيارة إحدى قرى الصعيد وتعهدت بتقديم المساعدة المادية لصيانة أحد المنازل ودعت الفنانات المصريات لتقديم المساعدة للعائلات التى تعانى من الفقر.
وحول الدور الاجتماعى الغائب للفنانين ورجال الأعمال يقول د. محمد منصور- مدرس الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة-: للأسف الشديد يغيب عن واقعنا المعاصر دراسات أكاديمية رصينة تتحدث عن موقع الفن والفنان ورجال الأعمال فى خدمة الدولة والمجتمع, فالعشوائية والفوضى فى المجتمع صارت واضحة بشكل كبير وأصبحت الفردية هى السمة الغالبة فى انتهاج الدور الحقيقى الذى يجعل الفنان فى خدمة المجتمع, ورغم أهمية الفن فى تحريك الشعوب إلا أن الفنانين جعلوا دورهم مقتصرا على علاقتهم بأصحاب السلطة فى المجتمعات.
علاقة متشابكة
ولفت د. منصور، الى أن علاقة الفنان بالفن متشابكة فكلما ارتقى الفن تأثر الفنان به إيجابيا والعكس هو الصحيح وبما أن معظم الأعمال الفنية التى تقدم فى مجتمعنا غير مناسبة تماما للواقع المصرى ولا ترتقى بقيمه وعاداته وتقاليده إنما تقدم كل قبيح وسيئ ومعوج بحجة التعبير عن الواقع المسخ فكان بديهيا أن يتأثر الفنان بأعماله الفنية المنفصلة عن الواقع وصار الفن بالنسبة له “سبوبة” وليس رسالة!
وأشار د. منصور الى أن المقابل المادى الخيالى الذى يحصل عليه الفنان من أعماله تستدعى منه أن يقوم بدوره المجتمعى كفرد يكون قدوة حسنة فى المجتمع ويعطى النموذج الذى يحتذى به فى العطاء والسلوك القويم لكن معظم الفنانين يطبقون عكس ذلك تماما, واصبحت الصفحات الفنية بدلا من أن تكتسى بأخبارهم فى خدمة المجتمع اذا بها تمتلئ بأخبار فضائحهم وملابسهم المنافية لكل عادات وتقاليد المجتمع، حتى الصور المنتشرة لموائد مأكولاتهم لا يعرفها الشعب فكيف ننتظر منهم أن يتلاحموا مع واقع مجتمعهم المرير؟!
وأوضح د. منصور، أنه ذكر فى رسالته للدكتوراة التى حصل عليها بتقدير ممتاز، تحذير السفير المصرى فى اندونيسيا للدولة المصرية فى خمسينيات القرن الماضى من تأثير بعض أفلام الخلاعة والمجون على سمعة مصر الثقافية فى العالم العربى والاسلامى ودعا الى حظر خروج مثل هذه الافلام للخارج، بتشديد الرقابة عليها حفاظا على سمعة مصر الأزهر ومن أجل دعم المد القومى والاسلامى لمصر فى العالم لحصد مزيد من المكاسب السياسية فى وجه الاستعمار.
مؤسسات مؤثرة
يوافقه الرأى د. محمد سالم- مدرس التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر بالمنصورة- قائلا: لمؤسسات المجتمع المدنى دور كبير فى النهوض بالمجتمع ككل وتعد اتحادات وجمعيات رجال الأعمال المنتشرة فى ربوع مصر من أهم المؤسسات الفاعلة والمؤثرة فى المجتمع، وعند التعرض لدور رجال الأعمال والفنانين فى المجتمع ومدى فعاليتهم نجد بعض الأسئلة التى تفرض نفسها منها: هل تقوم هذه الجمعيات أو يقوم هؤلاء بدورهم نحو المجتمع على الشكل الأمثل واللائق والمرجو؟ أم أن هناك قصورا؟
وأشار د. سالم، الى وجود عدد من رجال الأعمال يساهمون فى الكثير من الأعمال الخيرية التى يحتاج اليها المجتمع مثل تسديد ديون الغارمات والغارمين والمساهمة فى عمل وحدات للغسيل الكلوى ووحدات للمبتسرين وغيرها من الأمور التى يحتاج إليها المرضى لكن تبقى هذه المساهمات فى نطاق ضيق ومن عدد محدود وقليل مقارنة بحجم رجال الاعمال وأصحاب المال فى مصر.
زيادة التضخم
وعبَّر د. سالم عن أسفه الشديد لتوجيه هذه الفئة أموالها للدعاية لنفسها وبما لا يعود بالإيجاب على المجتمع إنما بالعكس فهم يسهمون فى زيادة التضخم بإنفاق مئات الآلاف من الجنيهات على الحفلات والافراح وأعياد الميلاد! ولو وجِّهت هذه الأموال الى مساعدة الخريجين من الشباب والغارمين واصحاب الأمراض والمتعثرين لكان خيرا لهم لكن بعضهم باع الذى هو أدنى بالذى هو خير!
ووضع د. سالم، حلا لهذه المشكلة تمثل فى إطلاق مبادرة من قبل الحكومة على أن تكون مدعومة من المجتمع المدنى ولتكن تحت عنوان “اكفل قرية فقيرة” على أن يقوم عدد من رجال الأعمال وأصحاب المال سواء فنانين أو مثقفين أو ما شابه ذلك بعمل عدد من المشروعات الصغيرة لخريجى تلك القرى والنجوع وتساهم الحكومة فى ذلك بتسليم عدد من الأفدنة القابلة للاستصلاح بسعر رمزى لشباب الخريجين على ان يقوم أصحاب المال بتوفير المعدات والآلات اللازمة لاستصلاح تلك الأراضى من آبار ومعدات حفر وحرث ورى وخلافه على أن يعود جزء من الربح على رجال الأعمال والدولة نفسها، كما طالب بإطلاق مبادرة لتوصيل الخدمات من مياه شرب وصرف صحى وكهرباء للقرى المحرومة منها، وطالب بإطلاق مبادرة لتسديد ديون الغارمين والغارمات مقابل الإعفاء من بعض الضرائب المفروضة على من المشارك، ودعا الدولة لتكريم من يسهم فى خدمة المجتمع والاحتفاء به إعلاميا وتقديمه كنموذج يحتذى به ليكون قدوة لغيره.
رد الجميل
أما د. إسلام شاهين- الخبير الاقتصادى واستاذ المالية العامة المساعد- فيرى أن للفنانين ورجال الأعمال دورا كبيرا فى تحقيق الاستقرار المجتمعى لما يمتلكونه من قدرات مالية بإمكانها توفير حياة كريمة للفقراء وللفئات الأكثر احتياجا اذا ما قاموا بهذا الدور كنوع من رد الجميل لمجتمعهم، فالمسئولية الاجتماعية للفنانين ولرجال الأعمال ليست إحسانا للمجتمع, ولكنها عطاء متبادل بين رجل الاعمال والعاملين فى مصنعه وبين الفنان ومعجبيه أو مريديه, فلو هناك عاملان فى مصنعين مختلفين أحدهما يذهب للعمل بهدف العمل والإنتاج لأنه يعيش حياة كريمة وعامل آخر يعانى من مشاكل لا حصر لها لعدم قدرته على توفير احتياجات أسرته الضرورية فسيكون إنتاج كل العاملين مختلفا, فالطبقة الكادحة عندما تتوافر لديها قدرة مالية على الشراء سيزيد ذلك من حجم الاستهلاك الامر الذى سيرتفع معه عدد المصانع والانتاج كما ستزيد الايدى العاملة الامر الذى سينعكس بالايجاب على المجتمع وتتلاشى الظواهر السلبية من حقد وكُره وبلطجة وسيعيش الجميع فى جو من التآلف والتناغم لا مثيل له.
وأشار د. شاهين، الى تعريف البنك الدولى للمسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال بأنها التزام أصحاب الأنشطة التجارية بالمشاركة فى التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلى لتحسين الظروف المعيشية لهذا المجتمع بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية فى آن واحد.
المعادلة الغائبة
ولفت د. شاهين، الى أنه من حق كل فنان ورجل أعمال التصرف فى ثروته وأمواله كما يشاء، سواء كان ذلك بإقامة الحفلات العامة أو الخاصة، لكن البعد الأخلاقى ومراعاة ظروف المجتمع تحتم على الجميع ترشيد الإنفاق ووضع الأموال فى أبوابها الصحيحة، والنظر بعين المسئولية للقرى الفقيرة والمحرومة من أبسط مقومات الحياة، فهذا يجعل المجتمع أكثر استقرارا وتماسكا, فالمعادلة الغائبة عن ذهن الجميع هى أن الاستقرار المجتمعى يعنى استمرار لنجاحات رجال الأعمال، فكل عطاء له مقابل ومن يزرع الحب والامل فى نفوس الفقراء سيجد أثره بالزيادة فى إنتاجه واستمرار أعماله.
وطالب بوضع خطط تنظم عمل رجال الاعمال والفنانين داخل المجتمع حتى نتخطى العمل الفردى ونسير على نهج الدول المتقدمة التى تنهج تنظيما دقيقا للمسئولية الاجتماعية لرجال الاعمال بصورة دقيقة ومنظمة.