كتبت- هالة السيد موسى:
كشفت دراسة حديثة عن استخدام الأسرة الريفية للإنترنت بنسبة أكبر من الأُسرة الحضرية، مرجعة ذلك لقلِّة وسائل التسلية والترفيه مقارنة فى الريف عنه فى الحضر، فى المقابل فإن الأجيال الصغيرة تستخدم الإنترنت أكثر من الأجيال الكبيرة سنا، وهذا ما ساعدهم على التعلّم الذاتى واكتساب مهارات أكثر، بل فى بعض الأحيان ساعد الآباء على كيفية التنشئة والتربية، ومع ذلك نصحت الدراسة بضرورة الحذر واتباع الحيطة من انجراف الناشئة وراء أفكار وسلوكيات شاذة عن قيم المجتمع وآدابه.
جاء ذلك فى رسالة الماجستير التى حصلت عليها الباحثة بسمة السيد علوان- المعيدة بقسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس- بدرجة امتياز، وكانت بعنوان “الآثار الاجتماعية لإدمان الإنترنت على بناء الأسرة المصرية”، وتكونت لجنة الحكم والمناقشة من د. عبدالوهاب جودة- مشرفًا ورئيسًا- م. وليد زكى- مشرفًا مشاركًا- د. عزة أبو الهدى- مناقشًا خارجيًا- د. حنان سالم، مناقشًا داخليًا.
أسلوب حياة
تناول البحث، الإنترنت كأسلوب حياة لدى أفراد الأسرة لا يمكنهم الاستغناء عن استخدامه، ولديهم رغبة فى المزيد من الولوج إليه بشكلٍ مستمر؛ لإشباع احتياجاتهم المتباينة، وقد أُجرِىَ على عينة عمدية مكونة من (265) أسرة تم سحبهم من أربع أحياء حضرية متفرقة بمحافظة القاهرة ومن قرية “المِنَيَر” بمحافظة الشرقية، كما تم استخدام صحيفة استبيان كأداة لجمع البيانات من تلك الأسر.
وكشفت النتائج الميدانية ارتفاع كثافة استخدام الأُسر للإنترنت فـ (56,2%) من الأسر يستخدمونه بمتوسط خمس ساعات يوميًا فأكثر وذلك عبر هواتفهم الذكية، حيث يستخدمونه بشكلٍ عام؛ لإشباع دوافعهم الاجتماعية المتمثلة فى التواصل مع الأقارب والأصدقاء، والدخول لشبكات التواصل وتطبيقات الدردشة، وذلك بشكلٍ أكبر من استخدامه لإشباع دوافعهم الترفيهية كمشاهدة مقاطع الفيديو والقنوات Online، وممارسة الألعاب التفاعلية، وبشكلٍ أكبر من استخدامه لإشباع دوافعهم المعرفية المتمثلة فى اكتساب معارف ومعلومات، والانفتاح على ثقافات مختلفة أيضًا.
وأشارت النتائج إلى أنه كلما ارتفعت عدد سنوات استخدام الأسر للإنترنت له كلما اتجهوا لاستخدامه فى التَّعلُّم والمعرفة. كما أوضحت النتائج ارتفاع استخدام الأسر الريفية للإنترنت لأغراض الترفيه والتسلية، وذلك بشكل أكبر من الأسر الحضرية، وفسرت الباحثة ذلك فى ضوء قلة مصادر الترفيه المتاحة بالريف مقارنة بمثيلاتها بالحضر، وجاذبية المحتوى الترفيهى لديهم عن كلٍ من المحتوى الثقافى المتاح بالإنترنت والتواصل الاجتماعى مع الآخرين إلكترونيًا.
الوجه الآخر
وقد جاءت نتائج البحث كاشفة عن الوجه الآخر لاستخدام الإنترنت، فإذا كانت أغلب الدراسات السابقة المعنية بموضوع البحث قد أكدت التأثير السلبى لكثافة استخدامه على الحياة الأسرية، فإن البحث تناول تأثير الإنترنت على عدة أبعاد للبناء الأسرى مغايرة لتلك التى تناولتها الدراسات السابقة؛ لذا جاءت تأثيرات استخدامه إيجابية فى مجملها.
وأوضحت النتائج وجود تأثير متوسط للإنترنت على عملية التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة، وارتفاع تأثيره على الأبناء كموضوع للتنشئة عن تأثيره على الآباء كقائمين بالتنشئة، وفسرت الباحثة ذلك بوجود فجوة جيلية فى عدد ساعات استخدام الإنترنت بين طرفى عملية التنشئة، فالأبناء هم الأكثر استخدامًا للإنترنت والأكثر قربًا منه، وبالتالى هم الأكثر تأثرًا بما ينشر على ساحاته، حتى أنهم يلعبون دورًا فى تضمين آبائهم فى البيئة الرقمية وتعريفهم بأساليب استخدام الإنترنت، كما تلعب سمات الفئة العمرية لكلٍ من الآباء والأبناء دورًا فى تباين ذلك التأثير أيضًا.
التعلم الذاتى
وقد ساعد الإنترنت فى توجيه الأبناء إلى التعلم الذاتى للمهارات والمعارف عبر استثمار ما يقدمه من مواقع تُيسِّر ذلك التعلم. كما ساعد فى زيادة وعى الآباء بكيفية تنشئتهم لأبنائهم، وذلك عبر ما يُتِيحَهُ من مجموعات على شبكات التواصل تُعنى بكيفية التعامل مع متطلبات كل مرحلة عمرية يمر بها الأبناء، حيث يعرض الآباء المشتركين بتلك المجموعات ما يمرون به من مشكلات مع أبنائهم فيتم التحاور مع آخرين داخل المجموعة حيث يوجِّهونهم لأستخدام أساليب مغايرة عند التفاعل مع أبنائهم.
عقاب وثواب
كما كشفت النتائج عن تعلق الأبناء بالانترنت واستثمار الآباء لذلك التعلق، حيث لجأوا إلى إثابة أبنائهم بمنحهم مزيدًا من الوقت على الشبكة وحرمانهم من استخدامه عند الرغبة فى عقابهم كإسلوبًا تربويًا مستحدثًا داخل الأسرة.
كما تناول البحث تأثير الإنترنت على السلوك الإنجابى داخل الأسرة، وأوضحت النتائج تأثيره على زيادة الوعى الإنجابى لدى الزوجين، وفسرت الباحثة ذلك بارتفاع مستوى المعرفة الفورية التى يقدمها الإنترنت بما يحويه من مواقع ومدونات ومنتديات وشبكات تُعنى بما يتعلق بالسلوك الإنجابى من موضوعات متباينة، حيث توفر تلك المواقع على اختلافها فرص لزيادة وعيهم، وتدعيم اتجاههم لتطبيق ما تلقونه من نصائح ومعلومات عبر استخدامه، واستخدامهم للتطبيقات التى تعنى بمتابعة الحمل والولادة والخصوبة أيضًا، كما كشفت النتائج عن ارتفاع ذلك التأثير لدى الأسر الحضرية عن الأسر الريفية، وفسرت الباحثة ذلك باستمرار سيطرة المعتقدات والتقاليد الخاصة بالإنجاب فى الريف بشكلٍ أكبر من الحضر.
رأسمال الأسرة
وكان تناول الباحثة لتأثير الإنترنت على رأس المال الأسرى هو أكثر ما ميَّزَ البحث وأشاد به المناقشون، حيث تناولت مستوى تأثير استخدام الإنترنت على كلٍ من رأس مال الأسرة الرمزى والاقتصادى والثقافى والاجتماعى، وكشفت النتائج عن تاثير الانترنت المنخفض على راس مال الأسرة الرمزى والذى قصدت به مَنح الفاعلين الافتراضيين لأفراد الأسرة المستخدمين للإنترنت سمات كالانتشار والمكانة والسمعة الطيبة والاحترام، وكان أحد العوامل التى أدت لذلك التأثير المنخفض انعدام الهوية الحقيقية فى المجتمع الافتراضى، حيث يستخدم المشتركون بالإنترنت أسماء مستعارة Nickname لا تعكس هوية عائلتهم، وبالتالى لا يعود مردود ما ينشروه إلى عائلتهم؛ لأنها غير معروفة لدى المُتَفَاعل معهم، وفى نفس الوقت لا يصبح المستخدم ممثلًا عن أسرته الواقعية، لذلك أوصت الباحثة شركات شبكات التواصل بأن تطلب من مستخدميها الجدد إدخال أسمائهم الحقيقية وأرقامهم القومية تلك الموجودة ببطاقات الهُوية؛ وذلك حتى يعود مردود إسهاماتهم الإلكترونية لأسرهم المرجعية.
تأثير متوسط
كما أسفرت النتائج عن وجود تأثير متوسط لاستخدام الإنترنت على رأس مال الأسرة الاقتصادى، حيث دعم الإنترنت من رأس المال بتوفيره لفرص عمل لأفراد الأسرة سواء عرضه لإعلانات التوظيف وطلب العمالة أم توفيره لفرص تَعرض فيها الأسر لمنتجاتها المنزلية وصناعاتها اليدوية، إلا أنه وعلى الجانب الآخر وفَّر سوقًا للشراء كما وفَّر سوقّا للعمل، حيث أكدت النتائج إسهامه فى تقليص رأس المال بتشجيعه للثقافة الاستهلاكية والشراء من مواقع التجارة الإلكترونية ومجموعات الشراء بشبكات التواصل الإجتماعى.
وأوضحت النتائج أنه كلما زاد عدد سنوات استخدام الأسرة للإنترنت كلما أثر على رأس مالها الاقتصادى بالتقليص؛ لاتجاهها للشراء عبر أسواقه الإلكترونية، فبزيادة خبرة الأسرة بالإنترنت يزداد احتكاكها بالثقافات المتبانية على ساحته، ويزداد دخولها فى علاقات اجتماعية عبره؛ فيزداد اتجاهها للشراء رغبًة فى التميز عبر ذلك الشراء.
وقد أوصت الباحثة بإنشاء الحكومة المصرية لهيئة تُعنى بحماية حقوق أصحاب المشروعات الإبداعية على الساحة الإلكترونية من سرقة أفكارهم، كما أوصت بتنظيم إدراة رعاية الشباب بالجامعات لورش عمل تُعنى بنشر ثقافة العمل عن بُعد.
وقد أدى استخدام الإنترنت لتنمية رأس المال الثقافى الأسرى، حيث تبين أن الإنترنت كان لأفراد العينة ساحًة لتنمية قدراتهم اللغوية، كما كان ساحًة لدعم ممارساتهم الثقافية من قراءة إلكترونية للكتب وتنويه عن ندوات ومسابقات وورش عمل بقصور الثقافة الرقمية، وكان ساحًة لدعم التعليم الأكاديمى والتعلم الذاتى أيضًا، وذلك عبر ما يوفره من نوادى للقراءة ومواقع تعليمية وبنوك للمعرفة ومنصات تعليمية MOOCS تقوم على فكرة تقديم مساقات جماعية إلكترونية مفتوحة المصدر وما توفره شبكة Facebook من ميزة المناسبات Events والتى تستثمر فى صناعة المناسبات الثقافية، لذلك أوصت الباحثة بضرورة تنشيط إدارات الجامعات لبواباتها الإلكترونية وإلزام الكليات والمعاهد داخلهم بنشر فاعليهم الثقافية على البوابات لترويج المناسبات الثقافية التى تقوم بها الجامعة ولزيادة رأس المال الثقافى لدى طلابها.
العلاقات الاجتماعية
وكان التأثير الأعلى لاستخدام الانترنت هو تأثيره على رأس مال الأسرة الاجتماعى حيث وطَّدَ من علاقاتها الاجتماعية مع أفرادها المغتربين كرأس مال اجتماعى ترابطى، وزاد من دائرة علاقاتها الاجتماعية الافتراضية كرأس مال اجتماعى تواصلى، إلا أن النتائج كشفت عن زيادة المردود المعنوى كتبادل المشورة والتوجيه والنصح بين المتفاعلين افتراضيًا عن المردود المادى الناتج عن تلك العلاقات كإمكانية الاقتراض أو الإقراض من المعارف على الشبكة، وجاء ذلك متفقًا مع نتيجة أخرى أسفر عنها البحث خاصة بارتفاع تاثير الانترنت على زيادة مستوى الثقة بين الأفراد داخل الأسرة الواحدة عن مستوى الثقة فيما بينهم وبين المتفاعلين الافتراضيين على الساحة الإلكترونية.