يتمتع كل إنسان في الإسلام بكامل إرادته في الجهر بما يراه صوابًا ومحققًا النفع له وللمجتمع، سواء تعلق بالشئون الخاصة أو القضايا العامة، هو حق مصون له في الإسلام في إطار ضوابط شرعية معينة اشترطها الإسلام تحقيقًا للنفع العام، والتي يتمثل أهمها في الآتي:
- أن تكون الغاية من التعبير عن الرأي مرضاة الله تعالي وخدمة مصلحة من مصالح المسلمين الخاصة أوالعامة؛ فقال تعالي: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” آل عمران: 104، وقوله تعالي: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” آل عمران: 110، وقال تعالي: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة: 71.
- الموضوعية ولزوم الصدق والنزاهة والتجرد عن الهوى؛ فقال تعالي: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” الأنعام: 152، وقال جل شأنه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” النساء: 135.
- أن يكون الرأي المعبر عنه مستندًا إلى مصادر موثوقة وأن يتجنب ترويج الاشاعات أو قول الزور؛ وقال الله تعالي: “وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا” الفرقان:72.
وقد نهى صلي الله عليه وسلم عن القول دون تحقق فقال: “بئس مطية الرجل زعموا”، وقال: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر”، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور” فما زال يقولها، حتى قال الصحابة الكرام: لعله يسكت”.
- عدم الإساءة للغير بما يمس حياته أو عرضه أو سمعته أو مكانته الأدبية مثل الانتقاص والازدراء والسخرية، ونشر ذلك بأي وسيلة؛ قوله: “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” النور: 14، وقول الله تعالي: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” الأحزاب:57، وقول الله تعالي: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖوَلَاتَلْمِزُواأَنفُسَكُمْ وَلَاتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖبِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (11)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖوَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚأَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚإِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” (12) الحجرات:11.
- أن تؤخذ بالاعتبار المآلات والآثار التي قد تنجم عن التعبير عن الرأي؛ وذلك مراعاة لقاعدة التوازن بين المصالح والمفاسد، وما يغلب منها على الأخر؛فقد قال صلي الله عليه وسلم: “كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ“، وقال رَسُولُ اللَّهِ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”.
- ألا تؤدى حرية التعبير عن الرأي إلى الإخلال بالنظام العام للأمة وإحداث الفرقة بين المسلمين؛ فقال تعالي: “فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” المائدة:181.،وقال تعالي: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” الحجرات: 6.
- ألا تتضمن حرية التعبير عن الرأي أي تهجم علي الدين أو شعائره أو شرائعه أو مقدساته؛ قال تعالي: “وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚإِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ” النحل:116.
- أن تكون وسيلة التعبير عن الرأي مشروعة، فلا يجوز التعبير عن الرأي ولو كان صوابًا بوسيلة فيها مفسدة أو تنطوي على خدش الحياء أو المساس بالقيم، فالغاية المشروعة لا تبرر الوسيلة غير المشروعة؛ قال الله تعالي: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” سورة ق:18، وقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ”.
بل حرص الإسلام علي أن يكون التعبير عن الرأي من خلال الكلمة الطيبة فقال تعالي: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)” سورة ابراهيم الآيات: 24 حتى 27، وقال تعالي: “وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ” سورة الحج الآية :24.
بل من شدة حرص الإسلام ألا تستخدم ألفاظ تخدش الحياء أو فيها سب فقد نهى سبحانه عن سب ما يعبد من دونه فقال تعالي: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” الأنعام: 108.