منذ فترة ليست بالقصيرة فَقَدَت مصر زخم علاقاتها التاريخية مع القارة السمراء؛ فتراجع دورها التاريخي في إفريقيا وانحسرت ريادتها متأثرة بالخلافات التي عصفت بالعلاقات الإفريقية، حتي أن أجيالا كثيرة باتت لا تعرف عن هذا الظهير الإفريقي ودوره في مصر أي شئ، مما تطلب هذا الأمر جهدا كبيرا من الدولة المصرية لتذويب هذا الجليد وتجاوز آثاره، وبعد جهود دؤوبة ومُضنية نجح الرئيس عبدالفتاح السيسي في إعادة مصر إلي محيطها الإفريقي من جديد واستعادة مكانتها بين دول القارة إيمانا من سيادته بأهمية الامتداد الإفريقي لمصر وارتباطه بعدة دوائر هامة علي رأسها الأمن القومي المصري، فكثَّفت الدولة جهودها لإحياء منظومة التعاون مع القارة السمراء لتدب الحياة في شرايين العلاقات من جديد وتعود مصر أم الدنيا إلي حضن الأشقاء في إفريقيا.
وخلال مشاركتي- ولأول مرة- في مؤتمر “دور الشباب الإفريقي المسلم في تحقيق التنمية” والذي عقد في كامبالا بأوغندا هذا الأسبوع، تحت رعاية الرئيس الأوغندي “يوري موسيفيني” وبحضور دولة رئيس الوزراء “روها كانا روغوندا” والذي نظّمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بأبوظبي، بالتعاون مع المجلس الإسلامي الأعلي في أوغندا، وبمشاركة وفود من كل دول إفريقيا وعلي رأسها مصر، شاهدت ولمست بنفسي حجم التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الشعوب والمشكلات التي يتعرّض لها الشباب الإفريقي الناشئة عن قصور الموارد والرعاية والتعليم والتدريب والتشغيل وأشكالا متعددة من العنف والتمييز وتبعات الهجرة والتهميش وخلافه،
ورغم هذه التحديات الكبيرة التي ناقشها المشاركون فى المؤتمر، إلا أنني شاهدت عن قُرب عزيمة الشباب الإفريقي وهمّته العالية لتذليل هذه العقبات ومحاولة التغلب عليها، وذلك إيمانا منهم بأنهم القوة الفاعلة في تنمية وبناء أوطانهم والوصول بها إلي مشارف الدول المتقدمة.
لقد حرص منظّمو المؤتمر بجهود جبارة علي حشد عدد كبير من العلماء والمفكرين والشباب والشابات الذين أثبتوا أنهم عامل رئيسي في تحقيق التنمية وأنهم يستطيعوا أن يكونوا قوة فاعلة وناجحة ومؤثرة وبدونهم لن تكون هناك تنمية حقيقية باعتبارهم أصحاب المصلحة الرئيسة في التنمية.
ركَّز العلماء المشاركون أيضا علي قضية هامة جدا، وهي التعددية المذهبية والدينية والتي تشكل خطرا داهما لدي البعض، محذرين من الوقوع في فخ التطرف الفكري والديني، لذا طالبوا بضرورة تبصير الشباب وحمايته من هذا الفخ الذي يتعرضون له في عدد من البلدان الإفريقية، وهذه الحماية لن تتأتي إلا إذا تكاتفت وتضافرت كل الجهود العربية والإفريقية لحماية هذا الكيان الذي نعوِّل عليه كثيرا في الفترة المقبلة.
لذا أري أن المسئولية الكبيرة المُلقاة علي عاتق مصر، باعتبارها رئيس الاتحاد الإفريقي في دورته الحالية، فمصر جزء من القارة ولا يجب أن تعيش بمعزل عنها، وقد أحسنت وزارة الأوقاف صُنعا حينما بادر وزيرها د. محمد مختار جمعة بتعزيز التعاون الديني في دول القارة لنشر صحيح الدين وبيان سماحة الإسلام وبث ثقافة التسامح، من خلال إيفاد الدعاة والعلماء المتميزين، حتي أن عدد الأئمة الموفدين وصل إلي 25، وفي الطريق لمضاعفة هذا العدد من الدعاة الذين يجوبون إفريقيا لنشر الوسطية الدينية، علاوة علي تلبية احتياحات القارة من الكتب والمطبوعات الدينية والمنح الدراسية، للدراسة علي نفقة مصر بالأزهر الشريف، وفتح أكاديمية الدعاة العالمية لتدريب دعاة إفريقيا مجانا طوال العام.
يبقي علي كل المنظمات والهيئات الإسلامية في مصر والعالم، التعاون والتوحد لمواجهة ما تعانيه هذه القارة من قضايا ومشكلات.
وختاما
قال تعالي:
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” سورة الحجرات آية 13.