د. سيد مسعد: اليد العليا خير من السُفلى
الشيخ سيد عمارة: العمل عبادة.. ويد العامل يحبها الله ورسوله
الشيخ محمد حامد: قيمة الإنسان رهن بما يُقدِّمه من إنتاج
الشيخ صابر زايدة: السعى فى طلب الرزق.. جهاد فى سبيل الله
أدار الندوة: مصطفى ياسين
تابعها: محمد الساعاتى
تصوير: سيد على- شريف كمال
أكد علماء ندوة “عقيدتى” والأوقاف أن الإسلام أمر بالعمل الشريف والسعى على الرزق باعتباره جهادا فى سبيل الله، مشيرين إلى أن تقدّم الأمم ورُقيّها مرهون بجهود أبنائها وإنتاجهم وتفانيهم وإخلاصهم فى أعمالهم، وأن الأديان جميعها والفطرة الإنسانية السوية تأبى الدَنيّة فى الحياة المترتبة على البطالة والكسل.
جاء ذلك فى الندوة التى أُقيمت بمسجد آل حمد، بشارع فيصل بالجيزة، وحاضر فيها كل من: د. سيد مسعد- وكيل مديرية أوقاف الجيزة- الشيخ سيد عمارة- مدير المتابعة بالمديرية- الشيخ محمد أحمد حامد- مدير إدارة نشر الدين والحياة بديوان عام الوزارة- الشيخ صابر زايدة- مدير إدارة بولاق- وأدارها الزميل مصطفى ياسين- مدير تحرير عقيدتى- وافتتحها الشيخ زكريا حسونة- إمام وخطيب المسجد- بآيات الذكر الحكيم، وحضرها جمع من روّاد المسجد بإشراف إسماعيل محمد سعيد- رئيس مجلس الإدارة- والشيخ ممدوح جمعة، مُقيم الشعائر.
فى البداية أشاد الزميل مصطفى ياسين، بالمبادرة الرئاسية “صنايعية مصر” والتى تهتم بقطاع كبير من القوة الضاربة من سواعد مصر والتى على كاهلهم تقوم نهضة مصر الحديثة، كما أشاد بالجهود الدعوية والخدمية التى تقدّمها وزارة الأوقاف بقيادة د. محمد مختار جمعة، والتعاون المثمر مع “عقيدتى” لنشر الفكر الصحيح لمحاربة الأفكار المتطرفة وغير الصحيحة عن الدين الحنيف.
اليد العليا
وشدد د. سيد مسعد- وكيل مديرية أوقاف الجيزة- على أنه لابد أن يكون هناك عمل يقوم به الإنسان ليكسب، فاليد العليا خير من اليد السفلى، سواء كان ذلك العمل فى الزراعة أو الصناعة أو التجارة. وما أكثر الآيات التى تتحدث عن العمل، والله تعالى يقول: “يا أيها الذين آمنوا إذا نُودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون”.
وأشار د. مسعد، إلى أن الإحسان إلى الجار عمل يُثاب عليه الرجل وله عليه أجر، ورسول الله يعلمنا أن يعمل الإنسان ولا يتكل على غيره، واستشهد بقصة الشاب الكسول الذى أمره رسول الله: اذهب واحتطب، وكانت النتيجة أن رزقه الله من عمل يده.
وعن قيمة وفضل العمل ذكر د. مسعد قصة الملك الذى كان إذا أعجبه شئ ألقى لصاحبه بصُرّة من المال، وذات يوم مرَّ على رجل يغرس نخلة وكان الرجل كبير السن، فسأله: إن حصاد هذه النخلة ربما يطول ولا تنتفع به؟! فأجابه: زرع غيرنا فأكلنا ونزرع ليأكل من بعدنا، فأعطاه الملك صُرَّة، فضحك الرجل، فسأله الملك: لماذا تضحك؟ أجابه: أثمر زرعى فى الحال، فزاده عطاء.
العمل عبادة
وأكد الشيخ سيد عمارة- مدير المتابعة بالمديرية- أن العمل أساس بناء المجتمعات، ولابد لكل إنسان أن يعرف قيمة العمل الذى هو عبادة، ويكفى أن رسول الله أمسك بيد رجل يعمل بجد واجتهاد وعندما وجدها قد تشققت، قبَّلها رسول الله وقال: “هذه يد يُحبها الله ورسوله”، فيجب علينا جميعا أن نتعلم من سيدنا رسول الله، حتى نكون من هؤلاء الصنف الذين وصفهم بأن اليد العاملة، يد يحبها الله ورسوله.
ووجَّه الشيخ عمارة، عتابه إلى الشباب الذين لا يعملون ويجلسون عالة على أولياء أمورهم وينتظرون الوظيفة، فقال: ألاحظ أن الأكثرية ومنهم الحاصل على الماجستير والدكتوراه وغيرها من المؤهلات، ينتظرون الوظيفة ولا يعملون فى شئ، بينما إذا جاءت الواحد منكم فرصة للسفر إلى الخارج، ليعمل هناك فى أى شئ، سبحان الله! يعمل هناك ولايعمل هنا!
واختتم الشيخ عمارة: إن أردت أن يحبك الله ويحبك رسول الله فلابد أن تعمل، فالعمل الذى تؤديه لك عليه أجر، هيا بنا نجد ونجتهد لنعمل وهنا لابد لنا أن نذكّر بالمبادرة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى (صنايعية مصر).
قيمة العمل
وقال د. محمد أحمد حامد- مدير إدارة نشر الدين والحياة، بديوان عام وزارة الأوقاف-: خلق اللهُ الإنسانَ بيديه وكرَّمه وفضَّله على كثير من خلقه، قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”. والإنسان مخلوق لغاية سامية؛ هي الخلافة في الأرض، قال تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”، ومن مقتضياتها إعمار الأرض، قال تعالى: “هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا”؛ أي: طلب منكم إعمارها، وقال جل شأنه: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”، وقال سبحانه: “رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً”.
أضاف: وشاء الله أن يكون الكون كله قائما على الحركة والعمل، كل له دوره الذي يقوم به، قال تعالى: “لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”، وهكذا الإنسان في مجتمعه يتعاون ويتفاعل مع غيره؛ لأنه لا يقدر أن يعيش وحده في هذا الكون، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}، فتعاون الناس فيما بينهم يؤدي إلى تكامل الأدوار، وهذا يؤدي إلى وحدة الأمة والارتقاء بها.
صفات المجتمع الناجح
وأشار الشيخ حامد، إلى أن من أهم صفات المجتمع الناجح: أن يكون مترابطًا، متماسكًا في بنيانه، كالأسرة الواحدة، كل واحد له دوره وعمله الذي يسهم في ارتقاء المجتمع كله، وفي هذا يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ).
ولابد للعمل أن تسبقه نية، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)، وينبغي أن يكون هذا العمل صالحًا خالصا لرضي الله تعالى، وقد جعل الإسلام العمل واجبا على كل من يستطيع أن يعمل، فليس في الإسلام خمولا ولا كسلا ولا تضييعا للوقت؛ إنما جد واجتهاد وعمل، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)، وكان صلى الله عليه وسلم يعمل بالتجارة وبرعي الأغنام، وكان صحابة رسول الله يعملون، ومنهم التجار والأغنياء كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان (رضي الله عنهما).
وأكد الشيخ حامد، أن الإنسان يكتسب قيمته في الحياة من خلال ما يعمل، قال الشاعر:
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه * والجاهلون لأهل العلم أعداء
كما أن الإسلام جعل لكل عمل يناسبه قلَّ أو كثر حسب حالة الإنسان، قال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ)، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ)، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: (فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ)، وقال رسول الله: ( يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك إنْ تَبْذُلْ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَك وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَك وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى).
وهكذا، فالإسلام يجعل لكل إنسان قيمة، ولكل عمل يناسبه، ومأجور عليه بإذن الله رب العالمين، وحياة المسلم لا تخلو من العمل الذي هو من العبادة، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ”.
دين العمل
أكد الشيخ صابر زايدة- مدير إدارة أوقاف بولاق- أن الإسلام هو دين العمل، ولم يعرف التاريخ دينا اجتماعيا كالإسلام، لقد وفق بين مطالب الجسد والروح وجمع بين خيري الدنيا والآخرة ونفخ في الناس روح العمل والإقدام، وحبب إليهم التضحية والكفاح لتتحقق خلافتهم في الأرض ويكونوا بذلك خير أمة أُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله.
وقد فهم الصحابة والتابعون دينهم هذا الفهم الصحيح فاندفعوا الي كل ميدان لم يتركوا بابا إلا طرقوه ولا سبيلا إلا سلكوه حتي اتسعت رقعتهم وارتفعت رايتهم في زمان كان قمة الإعجاز في تاريخ البشرية. ان الاسلام هو دين العمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (وهي النخلة الصغيرة) فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.
أضاف الشيخ زايدة: والإسلام يحث علي الكسب الحلال ويعد السعي في طلب الرزق وكسب المال الحلال جهادا في سبيل الله، كما جاء في الحديث ان النبي كان جالسا مع بعض اصحابه ذات يوم فنظروا الي شاب ذي جَلَد وقوة وقد بكَّر يسعي، فقالوا: ويح هذا! لو كان شبابه وجلده في سبيل الله؟! فقال النبى: “لا تقولوا هذا فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفّها عن المسألة ويغنيها فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذرية ضعافا ليغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخرا وتكاثرا فهو في سبيل الشيطان” فالإسلام يحث المسلم على العملِ والعطاءِ والرِّيادَةِ في شئون الحياة الدنيا فالأمم لا تبنى إلا بالتضحية والأفعال والعرق، والمؤمنُ قائمٌ يسعى ويعمل ليدركَ خيرَ الآخرةِ والأُولى تحقيقاً لأمر الله تعالى القائل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة:105]، وما خُوطبت أمةٌ بضرورة الاهتمام بالعملِ قدر ما خُوطِبَتْ أمَّةُ الإسلام، وقد ذلَّلَ اللهُ تعالى الأرض لبني آدم ليكتنزوا ثرواتها بالعمل والجد فقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15]، وذلَّلَ البحرَ إمداداً بالخيراتِ للطُّعْمَةِ والحِلْيَةِ وجريان السفائن موقراتٍ مع بقية صور الانتفاع والعمل، فقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل:14].
والمؤمن خليفةُ الله في أرضه يُقَلِّبُ شَقَاشِقَهَا لتضحكَ له بعطائها ويمْخُرُ عبابَ مائها ويشقُّ سماءها ويرتادُ فضاءها بما يحويه المشهد العام للحِراكِ البشري من جهودٍ جبارةٍ تحتاجُ إلى جيوشٍ تعملُ وتكدحُ ليلاً ونهاراً في محاريب العملِ الدءوبِ بأعدادٍ لا تنتهي من طلاَّبِ حُسْنِ الاستخلاف عن الله تعالى في أرضه.
وإِثْرَ العبادةِ يأتي وقتُ العملِ وهو في ذاته عبادةٌ يؤجر عليها العبد مع النية الطيبة، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة جزء من الآية 11]، والنهار هو المجال الزمني لجلِّ الأعمال الحياتية التي يتقاسم الناس مناشطها، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 11].
البطالة والتسول
أضاف الشيخ زايدة: ألا تباً لِيَدٍ مترفة ونفسٍ رِخْوَةٍ وعينٍ سبَّاقَةٍ إلى الشَّهواتِ ولسانٍ طليقٍ في الشبهات، لا يحسن إلا خبرة ضياع الأوقاتِ في الحسراتِ، ومجالاتُ هؤلاء البطالين هي المقاهي والنوادي واللعب ووسائل الاتصالٍ التي تُضيِّعُ الأعمارَ سُدى بغيرِ طائلٍ مع نفادِ المالِ وإنفاقِهِ في توافه الأمور. إن اليد السفلى قد كثرت في أوطاننا ويجب تحفيزها على الدوام لتكون عليا بالعطاء والعرق والعمل، فعن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال، وهو على المنبرِ، وذكرَ الصدقةَ والتَّعَفُّفَ والمسأَلَةَ: اليدُ العُلْيَا خيرٌ من اليدِ السفلى، فاليدُ العليا هي المُنْفِقَةُ، والسفلى هي السائِلَةُ) (صحيح البخاري 1429)، وطالب العفاف من ربه بنيةٍ صادقةٍ سيغنيه الله بيقينه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: (إن ناسًا من الأنصارِ، سألوا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعْطَاهم ثم سألُوهُ فأعْطاهم حتى نَفِدَ ما عندهُ، فقال: ما يكون عِندَي من خيرٍ فلن أدَّخِرَهُ عنكم، ومن يستعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ، ومَن يتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِنَ الصَّبرِ) (صحيح البخاري 1469).
وقد جعل النبي الكريم البديل للفقر والعوز في زمانه الشريف هو العمل، وذاك ما يتصوره الناس أنه أحقر وأشق المهن “الاحتطاب” فقال: (لَأَنْ يأخذَ أحدكم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ) (صحيح البخاري 1417 عن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه)، فعلى الشاب أن يبدأ مسيرة العمل بما تيسر له وألا يأنف من أي عمل يبدأ به والله يعينه وسيوفقه إلى عمل أرقى ومنزلة أسمى طالما بدأ، قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ثم يسأل الله تعالى فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة”.
بل كان النبي الكريم يجعل العمل حلاً دائماً لمشكلة البطالة والحاجة، واستخدم طريقة المزاد الحديثة المعروفة على بعض مما يملك هذا الصحابي ليشتري به أدوات إنتاجه.
ويرسخ النبي الكريم مبدأ ضرورة العمل وأنه باب المغفرة ويوجه أصحابه إلى ذلك قائلاً: (من أمسى كالاًّ من عمل يده بات مغفوراً له) (الطبراني في المعجم الأوسط 7/982، والألباني في السلسلة الضعيفة 2626)، ويؤسس هذه القاعدة الجليلة في المكاسب بقوله صلى الله عليه وسلم: (أطيبُ ما أكَلَ المؤمِنُ من عمَلِ يدِهِ)
الأنبياء والصحابة والعمل
أضاف الشيخ زايدة: ولم يكن الأنبياء المطهرون- عليهم السلام- ومعهم الصحابة الكرام- رضي الله تعالى عنهم أجمعين- في معزلٍ عن العمل، بل اقتحموا الميدان على اختلاف مناشطه وجهوده، فعن نبي الله داوود عليه السلام قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه) (صحيح البخاري 2072 عن المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله تعالى عنه)، فالاسلام هو دين العمل، والعمل عبادة والمسلمون مطالبون اليوم اكثر من اي وقت مضى بفهم هذه الحقيقة والجد والنشاط والعمل الدائب لتعمير الدنيا وبذلك يحسن طريق الدنيا واذا حسن طريق الدنيا حسن السير الى الاخرة.