من منا لم تترجل به الخطوات نحو الحب الطاهر وعالمه؟ومن منا لم يركض نحو فتنة العشق مرهف الحس والمشاعر ؟
وقديما قالوا :
من لم تجد في قلبه روح المحبة
فصل عليه صلاة الميت قبل وفاته
يعدُّ الحُبّ من أهم الأمور التي فيها حياة للقلوب، فالقلب من دون حب صادق يبدو مثل جزيرة خربة ليس فيها أيّ معنى، والحب لغة العالم أجمع, وهو اللغة المشتركة بين الناس, فمن غيرها لا توجد علاقات بين الناس.
وللحب معانٍ وتعاريف عديدة تختلف من شخص إلى آخر ومن عاشق إلى آخر, فكل حبيب له تفسير خاصّ للحب وفقَاً لما يعيشه من حياة الحب.
حقيقة الحب هو ذلك الشعور الداخلي الذي يوجد في كل مكان وزمان, يبحث عن الفرصة ليتسلل إلى قلب الإنسان وفكره، فهو يداعب الإحساس, ويجعل العين لا ترى إلا ما في داخل القلب,
فبإمكان الحب أن يترك بصمة فرح أو بصمة حزن… وقد شُبِّه الحبُّ بالبحر لأنه يغوص في قلب حبيبه، ويغرق فيه من دون أن يعلم أو يرى نفسه إلا في وسط البحر.
الحب الحقيقي أرق وأجمل وأطهر من قصة أو أغنية ماجنة أو كلمة منمقة من ذئب بشري، فالحبّ مشاعر إنسانية حساسة يطرب لها القلب، فلا يكون حباً حتى يكون حقيقياً، ولا يكون حباً حتى يكون مصدره الروح ومكانه القلب…..
قد نجد أنفسنا نهيم عشقا في شخص لم نعرفه حق المعرفه ، ننجذب له و نختلق تلك الحجج الواهنة للقرب منه.
وقد نرى عيوبه مزايا وهذا الحب لايكون مبنيا على مخططات أولية أو مستقبلية
بعكس الحب المادي الذي يبنى على مواقف معينة ومخططات مستقبلية له دوافعه وبواعثه النفسية والسيكولوجية .
فالحب هو أحد الأحاسيس الناعمة و الرقيقة التي نشعر بها
عندما يملأنا حب الحياة والاستمتاع بجمال الطبيعة
أن تتولد لدينا رغبة في الجلوس على شاطئ البحر وتأمل
أمواجه وهي تتصارع وتتلاقى
ومشاهدة الشمس الدافئة في الأفق وهي تسقط في البحر
ونشعر حينها بسعادة
عندما تتابع النجوم وهي تلمع وتتألق في السماء الصافية
ويمر في ذهنك حينها شريط من الذكريات السعيدة
عندما تتخيل القمر وكأنه شخص يحادثك
تحكي له عن مشاعرك وأحلامك
فالحب أساس هذا العالم وبه قامت الدنيا وهو روح السلام بين بني البشر على وجه البسيطة .
وهو علامة لسلامة القلب والعقل والروح .. فمن يحب لا يكره
ومن يحمل بين طيات فؤاده الحب لا يحمل بغضا وعداء لمجتمعه وأمته !
والحب البشري هو مرحلة أولية لتوجه صاحبه نحو حب خالقه ومولاه
وقديما قالوا :
من لم يتذوق الحب الأدنى لن يعرف الحب الأعلى
والحب الأعلى هنا يعني حب الله عز وجل حبا حقيقيا بكل ما تحمله المعاني والكلمات ..(فكل حب لغير الله ينهار).
وفي الحب الإلهى إشراقات وشطحات وكلام لا يقال,ولكن الحب صادق,لم يكتمه الحلاج فمات.
وكتمه آخرون أو اكتفوا بالتلميح دون التصريح,فعاشوا مدتهم على الأرض فى سلام نسبى.
ومن كانت لكلماته أجنحة عاش فى الذاكرة,سواء عمّر حتى جاوز التسعين أو مات على الصليب.
فمن لم يركض إلى فتنة العشق يمشي طريقا لا شئ فيه حي!
يقول مولانا الحب جلال الدين الرومي في قواعد العشق الأربعين:”
للمرأة حضور خفي لا يراه ويهتدي به إلا رجل متفتح عارف ..
فهناك نوع آخر من الرجال بداخلهم حيوان محبوس !
ليت هؤلاء يقوّمون أنفسهم أولا .. ليتهم يعرفون أن المحبة والتفهم هي ما تجعلنا بشراً ، أما الشهوة والحمّية .. فلا !
ربما كانت المرأة نوراً من نور الله .. ربما كانت خلاقة وليست مخلوقة ، ربما هي ليست مجرد ذلك الشكل الأنثوي الناعم الذي تراه!.
فهؤلاء قوم سمت أرواحهم عن التعلق بمحبة الخلق.. إلى التعلق بمحبة الخالق جل جلاله..
يحبهم ربهم ويحبونه..
ربهم أحبّ إليهم من أهلهم وأموالهم وأنفسهم.. طالما تقربوا إليه في الأسحار..
وبكوا من خشيته في النهار.. اشتاقوا إلى رؤيته.. وتقطعت قلوبهم من عظم محبته..
فليتـك تحلو والحياة مريرة …
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر …
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الودّ فالكل هين …
وكل الذي فوق التراب تراب
أوحى الله إلى داود عليه السلام :
” إن لي عباداً من عبادي أحبهم ويحبونني ويشتاقون إلي وأشتاق إليهم ويذكرونني وأذكرهم وينظرون إلي وأنظر إليهم
فإن حذوت طريقهم أحببتك وإن عدلت عنهم مقتك
قال يا رب وما علامتهم قال يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي غنمه ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها.
فإذا جنهم الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا إلى أقدامهم وافترشوا إلى وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوا إلي بإنعامي.
فبين صارخ وباكي وبين متأوه وشاكي بعيني ما يتحملون من أجلي وبسمعي ما يشتكون من حبي.
أول ما أعطيهم أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم .
والثانية لو كانت السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما من موازينهم لاستقللتها لهم .
والثالثة أقبل بوجهي عليهم أفترى من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما أريد أن أعطيه ؟
إن الحب وهو أسمى وأرقى أنواع العلاقات في الوجود يتأتى نتيجة صفاء القلب ونقائه مما فيه من شوائب مختلفة الألوان .
وتظل العلاقة بين المحب ومحبوبه تسمو وتظهر وتتشابك لتؤدي إلى تطويع إرادة المحب تحت تصرف محبوبه .
وفي نهاية المطاف يمنح المحب أغلى ما لديه واشرف ما يملكه لمحبوبه وهو روحه التي بين جنبيه .
إنها الميل الدائم نحو المحبوب ، والإيثار له ، وهذه بداية بحارها التي لا قرار لها .
يعقبها لحظة من أخطر لحظات المحب بأن ينسى نفسه ، فتذوب صفاته في صفات محبوبه .
فلا يدرك شيئاً إلا ما أراد ورغب ، ويسعى المحب بكل جهوده إلى موافقة محبوبه في رغباته لأرضائه .
فيكون كل كثير عنده قليل حينما يمنحه له ، وكل قليل لدى المحبوب كثير في نظر المحب .
فالحب هو من أنبل العواطف الإنسانية وأجملها وأعمقها أثراً.
و هو منطلق كل خير وهو الملهم للإنسان والمحرّك له، وهو الذي يعطي الإنسان معنى إنسانيته، فالإنسان بدون الحب هو صخرة صماء!