جنوب سيناء: أشرف عبدالظاهر
تتباين مظاهر الاحتفال في شهر رمضان الكريم من محافظة إلي أخري، بحسب طبيعة سكان كل محافظة، وإرثهم الثقافي الذي ما زالوا يحافظون عليه، وطبيعتهم والبيئة التي يعيشون فيها.
ففي جنوب سيناء رغم مظاهر الحياة الاجتماعية الحديثة التي تتسلل إلى حياتهم ومن أبرزها البيوت المزودة بالكهرباء وأجهزة الستالايت وانتشار أجهزة الهاتف الجوال، إلا أن الخيمة والمقعد البدوي يتمتعان بخصوصية شديدة طيلة شهر رمضان، ويتسابق الأهالي في مدن المحافظة، وخاصة مدينة طور سيناء العاصمة، على حركة الشراء من الخضار واللحوم والياميش والحلويات حرصا على أن تجتمع الأسرة على مائدة شهية واحدة وسط ضحكات وفرحة الأهل و”لمة” العائلة.
فيما ينتشر باعة الحلويات المشهورة وعلى رأسها القطايف ويتفنن باعة الخضار والفواكه في عرض بضاعتهم بما تشتهي الأنفس وأكلات المقلوبة، والفلافل تتربع على عرش المأكولات الشعبية.
وتلجأ معظم المحلات التجارية لإظهار اللافتات معلنة عن توفر سلع رمضانية خاصة لديها من الحلويات المتنوعة إلى قمر الدين والتمر والقطايف واللحوم الطازجة والأجبان بأسعار عادية وثابتة.
وعادة ما يكون الإفطار والسحور داخل المقعد البدوي ويضم فتة العفيج بـ”السمن الشيحي” وهي عبارة عن خبز بدوي يسمي محلياً «فراشيح» يتم تقطيعها وتوضع في إناء كبير ويضاف إليها السمن الذي يصنع في فصل الربيع من ألبان الماعز، ويضاف اليه عشب الشيح ليعطيها لوناً أصفراً مميزا ورائحة رائعة، بالاضافة الي العفيج وهو لبن الماعز الذي يتم تجفيفه، وفي السهرة تقام حفلات السمر حيث تبادل إلقاء الشعر النبطي بين الشعراء ورقصة الدحية المشهورة والتنورة.
يقول الشيخ خليل ابراهيم الحويطي- شيخ قبيلة الحويطات بجنوب سيناء-: رمضان شهر البركة والخير والكرم أيضا ونحن بطبعنا تعلمنا من آبائنا وأمهاتنا الكرم الشديد وخاصة أننا نحرص على العزائم لأسرنا وأشقائنا وأقاربنا في شهر رمضان المبارك، ولذلك نحرص على تنوع الأطعمة، إلى جانب الحلويات والفواكه بأنواعها.
ويشير غريب حسان- من قبيلة المزينة، عضو مجلس النواب عن جنوب سيناء- الي أنه يوجد في كل بيت حجرة مستقلة عنه يطلق عليها الديوان أو المندرة أو المقعد فهي معدة ﻻستقبال الضيوف والزوار وفيها يتناولون الإفطار، فيأتي الضيف إليها دون استئذان فهي مخصصة لذلك طيلة شهر رمضان، وهنا يتجسد كرم الإنسان العربي الأصيل وتستخدم المندرة مكانًا للتسلية والسمر بعد صلاة التراويح مع تناول الحلوى مثل الكنافة واللحوحى والمشروبات والعصائر والقهوة والحبق حتى موعد صلاة التهجد، وبعد ذلك ينصرفون إلى منازلهم لتناول وجبة السحور التي تتكون من لبن حامض والفراشيح والجبن المصنوع من لبن الماعز ويسبق إعداد الإفطار إشعال النيران والمواقد المتوهجة حتي يقبل عليها السائرون أو من يكون تائها في الصحراء ثم تستخدم في إعداد الشاي والقهوة.
الرهبنة!
ويقول الشيخ إبراهيم سالم جبلي: من عادات الشهر الكريم أن توقف الخطبة أو الزواج إلى ما بعد انتهاء الشهر الكريم حرصا على حرمة الشهر الفضيل، كما يتم إيقاف جميع المشاكل والقضاء العرفي يقف تماما عند هذا الشهر فلا نجد إنسانا يقوم برفع دعوى للمجلس القضائي إلا إذا كانت حادثة قتل فيتم فيها رمي ما يسمي بالوجوه ثم تؤجل الجلسة إلى ما بعد العيد وتعني ألا يتعرض احد من أهل المجني عليه إلي احد من قبيلة الجاني مراعاة لحُرمة الشهر.
يقول ممدوح فتحي- من ابناء طور سيناء-: محافظة جنوب سيناء خلال شهر رمضان المبارك تشتهر بأجواء خاصة، وتشهد حراكا اجتماعيا ملحوظا، وتطغى مشاعر المحبة والود والإخاء والتراحم وتنشط حركة البيع والشراء بالأسواق والمحلات لحرص العائلات على العزائم التي تشمل موائدها كل ما لذ وطاب.
تشارك مجتمعى
وعن عادات الطعام في هذا الشهر تقول فضية سالم بنت البادية، كل فرد من أفراد القبيلة يحرص علي إحضار إفطاره ويضع كل منهم الأطباق التي احضرها علي مائدة كبيرة حتى يتناول الغني طعام الفقير ويتناول الفقير طعام الغني، وعند أذان المغرب يقومون للصلاة بعد توزيع التمر والمياه والعصائر ثم يقبلون علي المائدة فيأكل كل فرد من جميع الأطباق الموجودة دون فارق.
وأشارت إلى أن غالبا ما يبدأ تجهيز مجلس الإفطار عقب صلاة العصر فيتوافد جميع رجال وشباب القبيلة ويصطحبون معهم أطفالهم لتعويدهم علي العادات والتقاليد السائدة، ثم يتم التجهيز للإفطار الشاي والقهوة حتى يحين موعد أذان المغرب.
ويجلس كل فرد في أقل مساحة ممكنة حتى يكون هناك متسع لآخرين، ويتم تناول الطعام باليد اليمني وبدون استخدام ملاعق سوي للضيوف فقط، وأن يتناول كل فرد الطعام من الجهة المقابلة ولا يتعدي على باقي الجهات.
مائدة الذكريات
وتضيف عزة غلاب- موظفة-: شهر رمضان يحتفظ بالعادات والتقاليد والمظاهر الثقافية والاجتماعية الخاصة بعد أن توارثتها الأجيال في سيناء وتمسك بها الأبناء والأحفاد حتى اليوم لتبقى خالدة في الذاكرة والتاريخ، ولذلك تحرص الأسر السيناوية على أن تكون مائدتها الرمضانية عامرة بشتى الطبخات التي تذكرنا بالأيام الجميلة مع الآباء والأمهات الذين رحلوا وتركونا نعيش على ذكرياتهم معنا، ولذلك نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا.
وتشير عطيات محمود جودة- ربة منزل- الي أنها لا نقوم بتخزين الخضار واللحوم بالثلاجة لأن التخزين والثلج يؤثر على جودتها، وأقوم بالنزول إلى السوق يوميا للتسوق بنفسى لكافة ما نحتاج إليه، خاصة أن كل شئ متوافر وبكميات كبيرة وأسعار عادية.
وتقول انتصار محمد- موجهة لغة انجليزية بمديرية التربية والتعليم-: الطعام السيناوي يتميز خلال شهر رمضان بأصناف معينة يفضلها الصائمون وتختلف أحيانا من منطقة إلى أخرى، ومن الأكلات المشهورة المفتول والمقلوبة والملوخية والفراشيح والجريشة وفتة العفيج، والحلويات مثل القطايف والكنافة والعوامة وغيرها، كما لا تغيب المتبلات والمخللات والسلطات عن المائدة، وتتربع القطايف على مائدة الحلويات وتبقى التمور هي فاتحة وبركة الخير لكل إفطار.