يشهد شهر رمضان المبارك أحداثا ومواقف عظيمة وضخمة، داخليا وإقليميا ودوليا، فهو ليس كما يحاول المغرضون ترويج افتراءاتهم بأنه شهر الكسل والنوم وتأجيل أو تسويف القضايا الكبرى للأمة لما بعد انقضاء هذا الشهر الكريم.
فها هو شهر الانتصارات والإنجازات، منذ بداية العصر الإسلامى، شهر رمضان المبارك الذى باركه الله تعالى وفضَّله على باقى شهور العام بنزول القرآن الكريم فى ليلة وصفها بأنها “خير من ألف شهر”، هذا الشهر شهد فى خلال الساعات المنصرمة ويشهد فى الساعات واليام المقبلة قمما ولقاءات ومؤتمرات على المستوى المحلى والإقليمى والدولى، تتعلق بالشأن العربى والإسلامى وايضا الإفريقى، وفى كل هذه القضايا تأتى الاهتمامات المصرية على رأس الأولويات، بل هى فى القلب من كل تلك الأحداث، بل قائدة ورائدة ومُحرِّكة لتلك الأحداث.
فقد احتضنت الاحتفال بتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية الذى يتزامن مع مثل هذا اليوم، منذ 56 عاما، حينما غرس الآباء المؤسسون للمنظمة بذرة الوحدة الإفريقية ولبنة الاندماج الاقتصادى والتكامل القارى، وشيدوا الجسور لعبور إفريقيا نحو الاستقرار والتقدم والازدهار، وها هى مصر تقود المسيرة المعاصرة بحنكة وحكمة، لاستكمال مسيرة الأجداد، خلال فترة قيادتها ورئاستها للاتحاد، ويؤكد رئيسها، عبدالفتاح السيسى، أن القارة تخطو بثبات نحو تحقيق التنمية المستدامة من خلال تنفيذ الخطة الطموحة للتنمية ممثلة فى “أجندة 2063”.
وخلال ساعات قليلة تبدأ فعاليات “الثلاث قمم” الإسلامية، العربية، الخليجية، التى ترعاها المملكة العربية السعودية، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويحضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحوالى 57 رئيسا وملكا، لاستعراض القضايا المُلحَّة والخطيرة التى تتعرض لها الأمة الإسلامية والعربية والدول الخليجية، فى الفترة الراهنة، وتتطلب تكاتف الجهود للخروج بالمنطقة وبالأمة إلى بر الأمان والاستقرار.
ووسط هذه الأحداث السياسية والمصيرية فى حياتنا الدنيا، لا نغفل أننا نستقبل “العشر الأواخر” من هذا الشهر الكريم، وما تتطلبه هذه الأيام المباركة من طاعات وقُربات، علَّنا نحظى بشرف الليلة العظمى “ليلة القدر”، التى حثَّنا سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- على تحرِّيها فى الوتر من هذه العشرة، وزيادة فى التحرّى لنيل بركاتها ننتظرها فى كامل هذه الأيام وليس وترها فقط.
وهكذا نجمع فى هذا الشهر الكريم بين تلبية احتياجاتنا الدنيوية والدينية، البدنية والروحية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فلا غلبة لجانب على حساب الآخر، وإنما الاهتمام بكل ما يتعلق بحياتنا وما يصلح شئونها ويعالج مشكلاتها وقضاياها، وأيضا عدم إهمال أو نسيان قيم ومبادئ ديننا الحنيف، ومتطلباتنا منه لإصلاح دنيانا والفوز بأُخرانا، فالمولى سبحانه وتعالى هو الذى وضع لنا منهج ودستور إصلاح دنيانا، وكلما اقتربنا منه كان الفلاح والنجاح، لذلك فما أحوجنا فى هذه الأيام المباركة أن نستثمرها ونتقرّب فيها من ربِّنا العلى القدير، وندعوه عزَّ وجلَّ كما علّمنا سيدنا رسول الله، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنَّا، وعلى طاعتك أعِنَّا، وبلِّغنا ليلة القدر، ووفقنا للدعاء والطاعة والعبادة والقبول فى هذا الشهر الكريم.