رغم ما يقال إن لكل عصر رجاله وفرسانه، وبعد مرور إحدى وعشرين عاما على رحيله وظهور العديد من الدعاة خلال هذه الفترة الزمنية التي ليست بالقصيرة إلا أنني لا أعتقد أن داعية إسلامية في العصر الحديث اجتمع له من العلم وحب الناس وإجماع الفئات المختلفة ما اجتمع لفضيلة الداعية بل إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى- رحمه الله- والذي انتقلت روحه إلى بارئها مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
لكن دعوته مازالت باقية ننهل منها حتى الآن، ومازلنا نحن رغم انتشار وظهور العديد من الدعاة، نفتقد الداعية الفارس حتى الآن رغم مرور هذا الوقت على رحيل إمام الدعاة.
وهب الشيخ الشعراوي حياته وعلمه وفكره لخدمة الدعوة الإسلامية، فكان الفارس النبيل وإمام الدعاة الذي لا يستكين، وكان من أبرز الدعاة ومفكري الأمة في هذا العصر.
فقد جعل من حياته نبراسا للجهاد تعمق في الدين واللغة والفقه والمعرفة، اختار بوعيه الثاقب وحسِّه المرهف ما يناسب روح العصر.
اجتهد وناضل وثابر من أجل قضايا دينه ووطنه وأمته الإسلامية.
فقد كان- رحمه الله رحمة واسعة- مصلحا كبيرا وداعية من الدعاة الذين اتّسموا بالعلم والأفق الواسع، وكان من كبار المفسِّرين للقرآن يتمتع بأسلوب شامل، فهو يتحدث في المعنى الظاهر والمعنى الباطن، ويحدِّثنا عن فقه اللغة وحكم التشريع، وكان فوق كل ذلك يتمتع بأسلوب سهل ممتنع، يفهمه العالِم والإنسان البسيط الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة.
كان الشيخ رحمه الله عالِما مثقَّفا واضحا كل الوضوح فيما يقول، لم يعتمد يوما على مركزه ولا ماله ولا أهله وعشيرته، ولكنه اعتمد على الله تعالی، فأعطاه الله قدر ما يريد.
استولی داعية العصر على قلوب وعقول الجميع بعلمه الرائق وحكمته النقية الخالية من التشدد والتطرف والغلو، بل كانت لغته سهلة جميلة ورقيقة تمرق إلى القلب في سهولة ويسر بنفس القدر الذي ينبهر به العالم اللغوي والمثقف الكبير.
لم يحظ أي عالِم إسلامي في زماننا بما حظي به سيدنا وشيخنا الشعراوي من محبة ومودة في قلوب المسلمين، وما اجتمعت الأمة على محبة عالم مثلما اجتمعت قلباً وقالبا على حب وتبجيل شيخنا الشعراوي.
لقد عاش الشعراوي على القرآن يعلِّمه للناس ويتعلَّم منه ويؤَدِّب الناس ويتأدَّب معهم، فتخلَّق بأخلاقه وتأدَّب بآدابه، فعاش- رحمه الله- عيشة بسيطة متواضعة رغم سعة شهرته، واحتفاء الملوك والأمراء والوجهاء والكبراء به، وكان يحيا حياة بسيطة، كان مألوفا محبوبا، يألفه الناس ويحبونه لصفاء نفسه ولطف معشره، وحُسن دُعابته مع مهابة العلماء ووقارهم.
رحم الله شيخنا الذي اجتمعت على حبه الأمة الإسلامية وشهد بعلمه وبلاغته كل علماء الدنيا، فالإسلام وطنه والسلام كان غايته وحاضر الأمة ومستقبلها كان همّه الأول، فطفق يدعو الناس للعمل والعلم والإنتاج لإعداد علماء مبدعين في كل المجالات، فماذا فعلتم أنتم أيها الأقزام المتطاولون على الرجل بعد رحيله؟!
وختاما.. قال الشاعر الحكيم:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله.. فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله