كتب التاريخ على الشعب المصرى أن يكون شهر يونيو شاهدا عليه فى مرحلتين فارقتين من تاريخه المعاصر، المرَّة الأولى كانت فى 1967 حينما تعرّض جيشه بل شعبه كله لـ”نكسة” نتيجة أسباب وعوامل كثيرة لا مجال لذكرها الآن، إلا أنها كانت نقطة تحوّل لدى الشعب ودرعه المُتمثِّل فى قوَّاته المُسَلَّحَة، حتى أنه فى غضون أيام قلائل كانت هذه “النكسة” سببا فى اشتعال وقود إعادة واستعادة الهُويَّة والوطنية المصريَّة، فكان الإعداد والتأهيل لنصر أكتوبر المجيد 1973 الذى سبقته حروب استنزاف عديدة لا تقل أهميّة.
ويُعيد التاريخ نفسه فى 2013، وأيضا فى شهر يونيو، حينما يُقرِّر الشعب- وتقف بجواره قوَّاتُه المُسَلَّحَة- استعادة الهُويَّة والوطنيَّة المصريَّة التى حاولت جماعة اختطافها ومَحْوِها بل إزالتها تماما لصالح كيان هُلامى صنعته حكومة الصهيونية العالمية التى تريد التحكّم فى مجرَى العالَم بأسره.
وبفضل الله تعالى، ثم وعى هذا الشعب الأبىّ الأصيل، لم يستمر الاختطاف سوى عام واحد، وكما كان الانتباه والاستيقاظ مُبكِّرا فى المرَّة الأولى كان كذلك فى الثانية، دليلا على الوعى الشعبى والقُدرة على الإفاقة السريعة من صدمة المفاجأة ومرارة الغدر والخيانة.
ليؤكد الشعب المصرى لنفسه، قبل غيره، أنه لا يتنازل مثقال ذرَّة عن هُويَّته ووطنيّته التى عُرف بها طوال تاريخه الضارب فى الأعماق السحيقة، بأنه نسيج واحد لا يعرف التفرقة أو التمييز على أى شكل أو بأى سبب مهما كان، وأنه يأبَى إلا أن يكون مرفوع الرأس والهامَة.
وإذا كان الشعب المصرى فى المرّة الأولى قد حقَّق النصر بعد 6 سنوات عجاف، لم يعلو فيها صوت على صوت المعركة والحرب واستعادة الكرامة، فإنه فى المرَّة الثانية دخل الحرب مباشرة بكل أنواعها وتقنيّاتها، حرب المواجهة بالسلاح مع جحافل الإرهاب متعدِّدة الجنسيّات، حتى أننا أصبحنا نُحارِب الإرهاب نيابة عن العالم كلّه، والجميع يشهد بذلك، ومازالت حرب التطهير مستمرّة وشاملة فى كل أنحاء الجمهورية، وعلى الأخص فى أرض سيناء الحبيبة التى تُسجِّل كل يوم ملحمة من بطولات خير أجناد الأرض.
وتسير مع هذه المواجهة المُسلَّحَة بالتوازى تماما، معركة التنمية والإعمار، وهى أشدّ عُنفًا وقوّة، لما تحتاج إليه من مجهودات وجُهوزيات متعدِّدة ومتنوِّعة بل مختلفة تماما عن المواجهة العسكرية المباشرة، المحدَّدة المعالم والخطط.
فمعركة التنمية والإعمار تتطلّب استراتيجيات وخطط قصيرة وطويلة المدى، ومشكلتها فى تأخّر جنى ثمارها، مما يجعلها غير واضحة للكثيرين، وبهذا تحتاج لجهود تعريفية، ومواجهة شائعات وخطط إحباط وتثبيط، مع الاستمرار فى الدفع للأمام بإيمان وصبر ومثابرة، وتحمّل الكثير من الصعوبات والضغوط النفسية والاقتصادية، حتى تتحقَّق النتائج المَرجوَّة.
وفى هذا الإطار تأتى خطوات الإصلاح الشاملة لكل قطاعات الحياة والإنتاج، انطلاقا من إعادة بناء وتشكيل البنيّة التحتيّة المتهالكة والمعدومة فى الكثير من جوانبها، مرورا بكافة عناصر النهوض الاقتصادى والتنموى، للوصول إلى الهدف المنشود من بناء وطن جديد يستحقّه أبناء هذا الشعب الكريم.
ومع ذكريات شهر يونيو تتجدَّد الآمال والطموحات فى غد أكثر إشراقا واستقرارا وأمنًا، لـ تحيا مصرنا الحبيبة “أُمِّ الدُنيا” بأهلها وشعبها وأبطالها فى رباط إلى يوم الدين.