غير أن أثر التسمم الفكرى قد لا يقف عند حدود الشخص المصاب، ولا عند حدود مكانه ولا زمانه، إنما كثيرًا ما يتجاوزه إلى محيطه على سعة أو ضيق هذا المحيط، وقد يتجاوز حدود الزمان الذي يعيش فيه إلى عقود وقرون وأجيال وأجيال، وقد يتجاوز هذا الأثر مجرد الانحراف الفكرى إلى عمليات مدمرة، بعضها قد يكون تكفيرًا، فتفجيرًا، فقتلاً وتدميرًا، أو إفسادًا وتخريبًا، وبعضها قد يكون عمالة وخيانة وطنية، أو بيعًا للوطن وأهله بثمن بخس، مما يتطلب بذل أقصى الجهد من العلماء والكتاب والمفكرين والمثقفين في التوعية بمخاطر الإرهاب والفكر المتطرف، وتفنيد أباطيل الإرهابيين ودحضها بالعقل والمنطق والحجة والبرهان بلا كلل ولا ملل ولا فتور، ولاسيما في إطار استغلال بعض الدول الراعية للإرهاب لجماعات التطرف كوقود لحرب الجيل الرابع.
وإذا كان المشرع قد وضع عقوبات للتسمم المادي وفق ما يترتب عليه من آثار وجرم من حيث التلاعب بطعام الناس أو غذائهم أو دوائهم أو كسائهم، إهمالا كان ذلك أم قصدًا بغية التربح والثراء السريع، وشرع عقوبات لبيع السلع الفاسدة التي تدمر الصحة وتودي بالحياة، ويلحق بذلك المتاجرة في السموم البيضاء وغير البيضاء من المخدرات بكافة أشكالها وأنواعها لما تسببه من إتلاف للعقل وخلايا المخ وإنهاك وتدمير لصحة الإنسان وحياته. فإننا لفي حاجة إلى قوانين أكثر ردعًا لهؤلاء المجرمين الذين يسممون عقول الناشئة والشباب بأفكار مدمرة، ودعوات صراح للتكفير والقتل، وفي حاجة أشد لقوانين أكثر حزمًا في تجريم الفكر الإرهابي وبثه ونشره، سواء أكان بطريق مباشر، أم من خلال مواقع التواصل، أم من على صفحات أو شاشات بعض وسائل الإعلام العميلة المأجورة، والعمل مع كل شركاء العالم الأحرار لإقرار هذه القوانين دوليًّا، ولا سيما ما يتصل بتجريم الإرهاب الإلكتروني.