الخيانة الوطنية العظمى هي خيانة الأوطان والعِمالة لأعدائها، وهو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بمصطلح الجوسسة، يقول الحق سبحانه في شأن المنافقين: “لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” (التوبة: 47)، والأرجح لدى كثير من المفسّرين في قوله تعالى: “وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ” أي: فيكم عيون وجواسيس ينقلون لهم أخباركم.
ويقول سبحانه: “لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا* مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا” (الأحزاب: 60-61)، والإرجاف هو اختلاق الأكاذيب قصد إيقاع الدول وزلزلة كيانها، أما قوله تعالى: “أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً” فقد ذكر كثير من أهل العلم أنه خبر على معنى الأمر، ومثله قول نبينا (صلى الله عليه وسلم): “خمسُ فواسِقَ يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ”.
مما يجعل جزاء الجواسيس الخونة لأوطانهم هو القتل وفق ما يتضمنه القانون والدستور، إذ لا توجد جريمة أبشع من جريمة الخيانة الوطنية العظمى، ولم تسقط دولة من الدول عبر التاريخ الإنساني إلا كانت عمالة وخيانة بعض أبنائها أحد أهم عوامل سقوطها، مما يتطلب أخذ أقصى درجات الحذر والحيطة تجاه الخونة والعملاء، والعمل المستمر الداعي على كشفهم وفضحهم وتخليص المجتمع من شرورهم وآثامهم.