هكذا تكون التجارة مع الله، وليس مع البشر، وهكذا تكون الحياة التى لا تنتهى بدعوات وترحم من كل أهل مصر الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه. هذه الانطباعات جالت بخاطرى وأنا أشاهد مع الآلاف غيرى تشييع جنازة المغفور له بإذن الله الحاج محمود العربى – رجل الأعمال الشهير – تلك الجنازة التى شيعها الآلاف من المصريين وزكتها شهادات المؤمنين وباركتها دعوات الصالحين، وعطرتها تلاوات الحافظين لكتاب الله.
مات محمود العربى ولن تموت ذكراه، ولا أعماله الطيبة، لم يسع يوماً إلى منصب أو جاه، ولا إلى فضائيات بل هى التى كانت تسعى إليه، ولم يكن يوماً من أصحاب الفضائحيات، لكنه كان مع الله ولله وبالله، فأعمال الخير التى كان يفعلها سراً وجهراً هى التى رأيناها تتحدث عنه اليوم.. بنى نفسه من الصفر وحافظ على ما بنى بتدعيم أهل القرآن الكريم، وبناء المعاهد الأزهرية ورعاية الأيتام وقطع رواتب شهرية دائمة لذوى الاحتياجات الخاصة والمحتاجين.
فهذه الأعداد الهائلة التى تلهج بالدعوات لهذا الرجل وهذا الثناء بالخير على صفحات التواصل الاجتماعى لم تأت من فراغ، وإنما سبق ذلك سر بين هذا الرجل وبين ربه، فإن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً كتب له القبول والمحبة بين الناس فى الأرض، مصداقاً لقوله تعالى “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا”. أى محبة فى قلوب عباده الصالحين.
والذى يتأمل حياة الرجل وكفاحه يخرج بدروس وعبر نافعة خاصة الشباب وأهمها: ان الذى يسعى لطلب الرزق الحلال ويصبر ولا يتعجل الأمر فإن الله تعالى يوفقه ويسدده فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهذا درس عملى مهم جداً للشباب فى هذا الزمان الذى يريد فيه الشباب ان يكون غنياً فى طرفة عين من غير صبر ولا مثابرة، كذلك نتعلم أن العبد الذى يتاجر مع الله تجارته رابحة دائماً، وهى سبب لفتح أبواب الرزق وأن الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه، فهذا الرجل جعله الله سبباً لفتح بيوت كثيرة للعمل والإنتاج، كذلك فإن شكر الله على النعمة سبب فى زيادتها كما قال تعالى “لئن شكرتم لازيدنكم”.
ضرب لنا “العربي”.. نموذجاً فى الشرف والنزاهة، فلم نسمع يوماً أنه شابه الفساد أو اقترب منه كما هى العادة فى بعض رجال الأعمال، ولم يحاول يوماً الاقتراب من السلطة ولم يكن يوماً عضواً فى حزب أو جماعة.. وبذلك يكون الرجل – رحمه الله – قد وضع تحدياً أمام كل رجال الأعمال ليس فقط فى وطنيته، وحرصه الشديد على توطين الصناعة، وإنما أيضاً فى أخلاقه وأفعاله وحرصه على فتح أبواب رزق للناس، فأفعاله الخيرية عبر عنها الآلاف فى وداعه الأخير، ليس فقط من خلال مراسم تشييع جنازته، وإنما أيضاً عبر شبكات التواصل الاجتماعى ليتأكد للجميع أن فى مصر رجال أعمال شرفاء لم يكن أولهم طلعت حرب ولن يكون آخرهم محمود العربي.
هذا هو النموذج المصرى الأصيل الذى نريده، وهذا هو الذى يستحق التكريم، ويستحق الدكتوراة الفخرية، ليكون قدوة للشباب ولرجال الأعمال صغاراً أم كباراً، لمن أراد أن يتاجر مع الله طمعاً فى مكسب حلال فى الدنيا ولو قليل وفوزاً عظيماً فى الآخرة.
وأخيراً أهمس فى أذن المسئولين وولاة الأمر.. ألا يستحق الحاج محمود العربى – أسطورة الاقتصاد فى العالم العربى أن نطلق اسمه على مشروع قومى يخلد اسمه الذى سوف يظل باقياً بسبب الخير الذى قدمه للبشرية من خلال مشروعاته الكبرى التى خدمت مصر؟!!