إن أقوى أنواع الضبط للسلوك الإنسانى هو الضبط الإرادى الذاتى، وهذا الضبط لا يمكن أن ينتج إلا من خلال الأخلاق التى ترتبط بقيم يدعمها الإيمان، وهى أخلاق لا تتبدل حسب الأهواء والطلب، وإنما تبقى ثابتة، فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية حين أدركت مخاطر شرب الخمر على الفرد والمجتمع، أنفقت المليارات لكى تحرم الخمر ولم تسطع، وعندنا فى الأمة الإسلامية آية واحدة من كتاب الله نزلت لتحريم الخمر: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (الأنعام -90)
هذه الآية جعلت المسلمين ينتهوا عن شرب الخمر ويسكبونها فى الشوارع.
ومنذ فجرِ التاريخ تنهار الأمم لضمور المبادئ وهشاشة القيم التى أقيمت عليها، وتقف أمة الإسلام شامخة بإسلامها، قوية بإيمانها، عزيزة بمبادئها؛ لأنها أمة القيم والمثل والأخلاق. وانهيار الأمم والحضارات المادية دليل على أن قيمها ومثلها ضعيفة نفعية، بل هى مفلسة فى عالم القيم، وذلك لأنها من صنع البشر، فكم مِن القتلى.. وكم من الجرحى.. وكم من التدمير يمارس باسم الحرية والحفاظ على المصالح.
وحسنا فعلت وزارة الأوقاف المصرية حين تبنت عملية إعادة بناء وهيكلية منظومة القيم الإيمانية والعلمية والأخلاقية، وهى القيم التى نهضت بالأمة فى عصورها الزاهرة، وجعلت من المسلمين العالم الأول، هذه الهيكلية التى تأسست فى الأصل على الوحيين: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولئن اعترفنا فى حياتنا السكانية بوجود عشوائيات فى المدن والقرى نشأت فى غياب التخطيط والمراقبة، فإن فى حياتنا الفكرية والثقافية عشوائيات وفدت إلينا، ثم زادت عن طريق الوافد الثقافى الذى مكن لها فى بيئتنا، فعشعشت فى ثقافتنا، وهذا ما فطنت إليه القيادة السياسية النابهة لبلادنا، من أهمية منظومة القيم فى تهيئة الأجواء للبناء والازدهار، والإقلاع الحضارى للانطلاق نحو المستقبل. لذلك عملت الدولة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى على بسط قيم المواطنة، وبسط قيم التعددية، وبسط قيم قبول الآخر المخالف فى الدين أو العرق أو اللون، وبسط قيم المساواة التامة فى الحقوق والواجبات.
وفى هذا السياق أسست وزارة الأوقاف فى عصرها الذهبى فى عهد وزيرها الهمام الدكتور محمد مختار جمعة جهودا فريدة ومتميزة فى نشر القيم الإيمانية والأخلاق الإسلامية العظيمة، وذلك عبر منابرها المنتشرة فى ربوع البلاد وعبر إصدارتها ومؤتمراتها وندواتها وآلياتها الإعلامية والاتصالية المتعددة، واستثمرت أموالا طائلة فى عالم البشر وفى عالم الدعاة، من أجل البناء والتقدم وإحياة منظومة القيم وعلى رأسها: قيم التقدم والإبداع والابتكار والإتقان والإحسان فى المجتمع، والاهتمام بالشباب والمرأة والطفل، وذلك إيمانا من وزارة الأوقاف بأن المجتمع الذى تسوده القيم تزدهر طاقاته الجسمانية والفكرية والروحية، وتسوده علاقات المحبة والمصالح المشتركة، وتزدهر فيه الثقافات وتتعايش الحضارات جنبا إلى جنب بغير عداوات أو كراهية أو صراع. لذلك كله كان المسلمون الأوائل هم العالم الأول المتقدم فى زمانهم، وأسسوا حضارة شامخة زاهرة علمت الدنيا وأضاءت الكون يوم أن التزموا بالقيم التى جاء بها الإسلام الحنيف.
إن منظومة القيم هى المبادئ الخلقية التى تُمتدح وتُستحسن، وتُذم مخالفتها وتُستهجن. وإن أعظم القيم وأساسها الإيمان بالله تعالى، الذى منهُ تنشأ، وبه تقوى، وحين يتمكن الإيمان فى القلب يجعل المسلم يسمو فيتطلع إلى قيم عليا، فمنظومة القيم هى الأساس والقاعدة العامة التى يلزم أن تكون موجودة وفاعلة ومؤثرة لكى ينهض المجتمع ويتقدم ويزدهر، فما فائدة النهوض وذمم بعض الناس خربة؟.. وما فائدة البناء والإعمار إذا كانت ذمة المهندس الذى بناه خربة؟.. وما فائدة الدواء إذا كانت ذمة من صنعه خربة؟.. وما فائدة الطب إذا كانت ذمة الطبيب المعالج خربة؟..وما فائدة الخطب الرنانة والأحاديث البليغة إذا كان الشيخ يخالف قولُه فعلَه؟.. وما فائدة التعليم إذا كان المعلم يفتقد إلى القيم الإنسانية الأساسية؟.