هذا هو السر في تسمية كتابي “أصل النبي مالوش زي”
الحب الحقيقي للنبي يكون بالأفعال قبل الأقوال.. ومعرفتنا بسيرته
روشتة نبوية للمشكلات الزوجية والخصام وسوء النية وقطيعة الرحم
الانتساب للرسول ليس بالصلب فقط بل بالحب والاقتداء
النبي يشتاق إلينا كما نشتاق إليه.. وكثرة الصلاة عليه تزيل همومنا
رسولنا رحمة للعالمين وليس المسلمين فقط كما يروج المتنطعون
حوار: جمال سالم
محمد الساعاتي
يعد فضيلة د. مجدي عاشور، المستشار العلمي لفضيلة مفتي الديار المصرية، من العلماء الثقات الذين يتطلع الناس لمعرفة آرائهم في العديد من مشكلاتنا الحياتية وكيفية حلها من منظور السيرة النبوية باعتبار صاحبها هو القدوة لنا جميعا.
طرحنا عليه العديد من التساؤلات الحائرة التي تشغل أذهاننا ومثيرة للجدل، فجاءت أجابته من القلب ومغلفة بحب الحبيب الذي نعيش الاحتفال بمولده الآن.
* نحن في أجواء الاحتفال بالمولد النبوي، إلا أن البعض يحرمه ويدعى أنه بدعة، فما قولكم؟
** الرأى الذى عليه دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بالمولد النبوي، من أعظم القربات، وفيه فرحة وسعادة تغمر محبي النبي الكريم، كما أن فيه نوافع دينية وإجتماعية، بل نوافع اقتصادية، فالناس يصنعون الحلوى ويبيعونها، وأولياء أمور الأسر يشترونها ويسعدون أسرهم، وقد يقول قائل بأن النبي لم يصنع الحلوى، فنقول لهم أن هذه بدعة حسنة تعبر عن الفرحة والسرور، ومن يقول إن الاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع، فقد تجني على الحقيقة النبوية، وأساء الأدب مع سيدنا رسول الله، ويجب شكر الله ليل نهار على نعمة إرساله لنا سيدنا محمد هاديا ومنقذا، واختص الله سيدنا محمد بمنن وعطايا ،فاذا لم نحتفل برسول الله فبمن نحتفل؟! والقراءة العصرية لسيرة النبي وتطبيقها تطبيقًا عمليًّا صحيحًا ضرورة ملحَّة في ظل ما نعيشه من أحداث تتطلب منا التمسك بأخلاق الرسول وتحقيق مقاصد الإسلام السمحة ،وما أحوجنا إلى التحلي بأخلاق نبي الرحمة في وقتنا الراهن في ظل انتشار تيارات وجماعات التطرف والإرهاب التي لا تمتُّ إلى الدين بِصلة، ولا تعرف شيئًا عن مبادئه وقيمه السمحة.
سر التسمية
* كتابكم “أصل النبي ما لوش زي” أثار كثيرا من التعليقات والجدل حول عنوانه، فنود أن نتعرف على سر هذه التسمية؟
** عرفانا بجميل فضله وعظم منته وتعلقا بحضرته صلى الله عليه وسلم، جرى على لساني موضوعات نظمتها تحت عنوان “أصل النبي ما لوش زي” إتباعا بما ورد بالخاطر عند أول كتابتها في المدينة المنورة أثناء شهر رمضان 1438هـ، وهو وإن كان به بعض الألفاظ العامية المصرية، وإلا أنه مستساغ، وخاصة أن غالب الناس يعرف معناه، وإن كانوا غير مصريين، ومعنى “مالوش زي” أي: لا مثيل له في كل المخلوقات، وخاصة في نوره ورحمته وحبه وإنسانيته، وبعد أن تجاوزت هذه السلسلة المائة أستأذنت شيخي العلامة د. على جمعة في طباعتها، فأشار على بأن أطبعها بعد أن تصل إلى 114 تيمّنا بعدد سور القرآن، جعلنا الله من أهله، وفي الطبعة الثانية وصل عدد الخواطر إلى 313 خاطرة تيمنا بعدد أصحاب أهل بدر رضي الله عنهم، وهم أهل القدوة والثبات، بل على دولتهم التي أسسها النبي في المدينة المنورة، وقد آثرت ذلك عسى أن يحشرنا الله في معيتهم، وقال نبينا: “لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُم” .
النبي يحبنا

**تؤكدون دائما أن الرسول يحبنا كما نحبه، فكيف يكون حبه لنا؟
** دائما ما أبشِّر نفسي والجميع بأن حبيبنا المصطفى يحبّنا ويشتاق لرؤيتنا كما أننا نتشوف إلى رؤيته، وقد أخبر أصحابه الكرام عنا بذلك فقال: “ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد قالوا: كيف تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بيْنَ ظهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بِهْمٍ، أَلا يعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بلَى يَا رسولُ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يأْتُونَ غُرًّا مَحجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ”. كما قال النبي: “حياتي خير لكم يُحّدِثُون ويُحْدَثُ لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شرّ استغفرت الله لكم“.
حب فريد
* “حب النبي” هل يتعارض مع أي نوع آخر من الحب في حياتنا الدنيوية؟
** لم يقل لك المصطفى لا تحب أحدا غيري، بل أنه يراعي المشاعر ويأمرك بالحب كل ما يسعدك في الحياة، ولكن حبه فوق كل حب، فعليك بحب الخلق جميعا، وخذهم لحب سيدنا النبي يزداد حبك وتكن محبوبا لربك، ولهذا قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.
رحمة للعالمين
*يحاول المتنطعون قصر شفقة ورحمة النبي على المسلمين فقط، فماذا تقول؟
** أتساءل: ماذا تريد في صاحبك أو أبيك وشيخك وحبيبك؟ أن يكون من جنسك ودمك وأهلك، وأن يخاف عليك أكثر من نفسك، وأن يبحث عنك عند فقدك، وأن يرشدك إلى كل ما فيه نفعك، وأن يفيدك في حياتك وبعد موتك، وفعل كل ذلك لأنه يحبك. كل هذا لا تجده متحققا بكماله سوى في حبيبي وحبيبك صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربّه “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”، وصدق سبحانه حين قال “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”.
أزمة الأخلاق
* نحن في الذكرى العطرة تؤكد أن مشكلتنا أن يتحول حبنا للرسول إلى أفعال وليس مجرد أقوال فقط وأن أزمتنا أزمة أخلاق، فماذا تقصد بذلك؟
** تحتل الأخلاق موقعا فريدا في الإسلام، وما سبق من سبق إلا بحسن الخلق، ومن زاد عنك في الخلق فقد تقدمك في القرب، ولو كان لكل خلق غاية لوجدت الأنبياء عندها، وشاهدت الأولياء قريبين منها، وفي نهاية كل الأخلاق تجد الحبيب المحبوب متربعا على عرشها، متمكنا من كل طرقها، متفردا وحده ليس في آخرها بل فوقها، ألم يقل الله “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”؟ لكن المشكلة أن الكثير من المسلمين تتناقض أقوالهم مع أفعالهم رغم أن الله تعالى حذرهم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ”.
الحب الحقيقي
* كيف نصل الي الحب الحقيقي والكامل لصاحب الذكرى؟
** كلما زاد حبك اتسعت دائرة من تحبهم، فليس الحب أن تقتصر على محبوبك، وإنما يمتد حبك ليشمل كل من له علاقة بحبيبك، حتى تصبح محبا لكل من ينتسب إليه ولو كان خادما له، أو كان ممن يسكن بحبه أو ذكره مرة برفق في حديثه، ويزداد حبك لمن تهفو أوراحهم عند ذكره أو مرور طيفه، فما بالك بمن تمتلئ عروقهم من دمه؟ ستحب الكون كله من أجله حيث قال تعالى “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” وكذلك قول رسول الله “أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي”.
سر مع الحبيب
* تدعو كل منا أن يكون له سر مع حبيبه صلى الله عليه وسلم لا يعرفه الا الله، فكيف يكون ذلك؟
** من أراد أن يصل مع حبيبه إلى رتبة “الخصوصية” فليكن بينه وبينه سر لا يعرفه سوى رب البرية، حتى إذا رأى أحد الحب على وجهه، سارع في إخفائه وحفظ السر مع حبيبه، فبقدر خفاء الأسرار، تسري فيه الأنوار، هكذا كان الأنبياء ذوو الفهم والاعتبار، فما الظن بالحبيب المحبوب، الذي كان محلا لا مدى له لأسرار حبيبه علام الغيوب، فلنتأمل حب نبي الله يعقوب لربِّه حين قال: “قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.
شواهد الحب
* كيف نصل إلى المثال الكامل في الحب لرسول الله؟
** إذا أحببت لم تعد ملكا لنفسك، بل صار كل شأنك طوعا لأمر محبوبك، وتمتثل لأمره، ولا يعتريك فيه كلل ولا ملل، بل تجد في خدمته كل الرجاء والأمل، فأنت تفعل كل ما يحبه وتراه مطلوبك، حتى يصل بك في الحال أن يصبح مرغوبه مرغوبك، فالحب غالب لا يعرف المسافات، بل لا تصير محبا على الحقيقة حتى تكون لمحبوبك في كل الأوقات، سترى المثال الكامل في ذلك سيد البشر والكائنات، فقد أباح بذلك في ثنايا كلماته العطرات: “تنام عيناي ولا ينام قلبي”.
الرحمة الشاملة
* سيدنا النبى أرحم الناس بكل ما في الكون من البشر والحيوان والبنات بل والحجر والجمادات، فكيف يمكن ترجمة ذلك في حياتنا وتوصيله إلى غير المسلمين الذين يصفونا بالدموية والإرهاب؟
**لا يكون ذلك إلا إذا فهمنا السيرة النبوية وطبقنا ما فيها في حياتنا، فليس من عمل المسلم تخويف الناس وإفزاعهم، ولا أن يستغل قوَّته في الإستعلاء على ضعيفهم، بل شريعته تأمره برحمة المحتاج منهم، والمساعدة في توجيه عمل قويّهم، فالإسلام جاء لحفظ أمن الناس، والعمل على سلامتهم، وهذا شأن الكبار من أهله وسط بني جنسهم، بل في كل من حولهم، وأي كبير نقتدي به في ذلك مثل حبيبنا وحبيبهم؟! فقد ورد أن رجلا جاء رسول الله، فقام بين يديه فأخذه -أي من الاضطراب والخوف- فقال رسول الله “هوِّن عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد”، أي الخشن من الطعام.
نبي الحب
* أمرنا نبينا أن نتعلم الحب بمعناه الشامل حتى نسعد في الدينا والآخرة ،فماذا قال لنا حبيبنا لنسعد؟
** لو ظللت تبحث عن أعلى المقامات، وعن الطريق الذي يوصلك إلى غاية الغايات، فلا تتعب نفسك، فالكل شاهد ويشير إلى الحب، فبالحب تنال أسمى الدرجات وهو رضا الرب، فالمحب يرى من محبوبه كل شئ، ولا يرى في فعله أي عيب، فاحرص على الحب وعلى أن تعلم غيرك أهم وصف في نبيك الذي عرف بأنه “حبيب الله” أنظر ماذا قال عمن يعلمون الناس الحب فقال “ألا أخبركم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله عزَّ وجلَّ على منابر من نور يكونون عليها، قالوا: من هم؟ قال: هم الذين يحببون عباد الله إلى الله، ويحببون الله إلى عباده، وهم يمشون في الأرض نصحاء” قال: قلنا: يحببون الله إلى عباد الله، فكيف يحببون عباد الله إلى الله؟ قال: يأمرونهم بما يحب الله وينهونهم عما كره الله، فإذا أطاعوهم أحبهم الله”.
الانتساب الحقيقي
* تؤكدون أن الإنتساب إلى رسول الله ليس بالصُلب فقط بل الانتساب يكون أيضا بالحب، فماذا تقصدون؟
**الإنتساب لأهل الفضل باب للقرب، وقد يحزن المرء إذا حصر ذلك في النسب، وظن أن الإنتساب لا يكون إلا لأبناء الصلب، وغاب عنه أن حبيبنا قد فتح الباب لكل مشتاق وجعل الإنتساب كما يكون بالصلب فهو كذلك يكون بالحب، فكم من محب وصل إلى حبه لأعلى درجات القرب، ألم يقل صاحب الفضل في الصلب والحب “المرء مع من أحب” وتعد الصلاة على النبي والاقتداء به من أعظم وسائل التعبير عن الحب الحقيقي له تنفيذا لأمر الله تعالى “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”.
الصلاة على النبي
