التراث حضارة إنسانية.. والحفاظ عليه مسئولية تاريخية
الأنهار والبحار مصدر حياة.. وادعاء ملكيتها “فكرة جنونية”
أسوان- الأقصر
مصطفى ياسين
أكد خبراء البيئة والحضارة والدراسات المائية والنواب، أن مقياس تقدُّم الأمم والشعوب مرهون بتمسُّكها بقيمها الروحية والثقافية وإعمار الكون، وأن التراث هو حضارة إنسانية والحفاظ عليه مسئولية تاريخية مشتركة لجميع البشر.
وحذَّروا من التغيرات المناخية التى أصبحت قضية القرن الـ21، مطالبين برؤية واستراتيجية عربية موحَّدة لمواجهة التداعيات.
وأجمعوا على أن الأنهار هى مصدر الحياة، وادّعاء ملكيّتها والتحكُّم فى منابعها “فكرة جنونية” لا يقبلها بشر.
جاء ذلك فى المنتدى الـ 11 للاتحاد العربى للشباب والبيئة، الذى عقد بمحافظتى أسوان والأقصر، برعاية محافظى الإقليمين، اللواء أشرف عطية، المستشار مصطفى ألهم، فى الفترة من ٣- ٩ ديسمبر الجارى، تحت عنوان “الحفاظ على المدن التراثية ومواجهة التغيرات المناخية”، استجابة للتوجيهات الرئاسية بالعمل على تطبيق توصيات قمة المناخ، خاصة وأن مصر تستعد لاستضافة القمة القادمة ال٢٧ فى شرم الشيخ، العام المقبل.
هذا المنتدى يعد ترجمة لتوصيات مجلس وزراء الشباب العرب، برعاية جامعة الدول العربية، وتعاون وزارات الشباب والرياضة، البيئة، الرى والموارد المائية، السياحة، منظمة الإيسيسكو، منظمة اليونيسف، برنامج المنح الصغيرة بمرفق البيئة العالمى، الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى وفرعيها بأسوان والأقصر، بمشاركة 250 شابا وفتاة من مختلف الجامعات والمعاهد المصرية والعربية، أبرزها وأكثرها تميّزا وتنظيما معاهد العبور بقيادة د. عبدالله الدهشان- رئيس مجلس الإدارة- وإشراف د. وليد الدهشان، الأمين العام، والمعهد العالى للدراسات السياحية والفندقية بدمياط الجديدة، وعدد كبير من الخبراء على رأسهم د. عباس شراقى- أستاذ الدراسات المائية بجامعة القاهرة- د. سالى فريد- الأستاذ بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة- د. ناهد روَّاس- بالجامعة اللبنانية- د. سوزى راشد، د. رباب حمدى- بجامعة 6 أكتوبر- الخبير البيئى د. عادل الشافعي.
شهدت فعاليات المنتدى الذى قدَّمته الإعلامية نجلاء البيومى، واحتضن افتتاحه المركز الثقافى الإفريقى (متحف النيل)، وختامه بالمكتبة العامة بالأقصر بقيادة محمد عباس، وجلساته وورش العمل المختلفة، مفاجآت وأشكالا غير تقليدية، بالمزج بين الكلمات المختصرة، والتكريمات المتبادَلَة للمشاركين فى التنظيم، وتكريم الطفلة رحمة محمود عبدالرحيم- من أسوان، الفائزة فى مسابقة الحفاظ على المياه “نقطة تفرق”، برسم لوحة فنية تبيِّن أهمية الحفاظ على المياه وترشيد استهلاكها- وزراعة ألف شجرة فى الغابات الشجرية بالأقصر كنموذج عملى للتصدّى لمخاطر التغيّرات المناخية، والاستعانة بفرقتى أسوان والأقصر للفنون الشعبية لعرض نماذج من العادات والسلوكيات الاجتماعية التراثية لبعض الشعوب المشاركة فى المنتدى، وتوزيع هدايا قيمة للفائزين فى ورش العمل، جهاز لابتوب وشهادات تقدير.
حياة مصر
أكد الخبير البيئى العالمى د. مجدى علام- رئيس اتحاد خبراء البيئة العرب، رئيس الاتحاد العربى- أن نهر النيل هو مصدر الحياة لمصر، ولا يمكنها التخلّى عن الأمن المائى أو الغذائى، وذكرها القرآن الكريم على لسان فرعون مصر “وهذه الأنهار تجرى من تحتى”، بل فرَّق القرآن بين “اليم والساحل” فالأول للنهر والثانى للبحر، وهو تعبير بيئى علمى.
أشار إلى أن حماية النيل هى مسئولية الحاكم المصرى منذ القِدَم، فأى مشروعات سدود على المنابع هى اجتراء على التاريخ والجغرافيا بل على الكرة الأرضية بأكملها.
محذِّرا من أن ادّعاءات أديس أبابا بامتلاكها التحكّم فى المنابع فكرة جنونية لا يقبلها بشر، وإلا قالت مصر بامتلاكها البحر الأحمر فتغلقه! أو امتلاك المغرب للبحر المتوسط عند مضيق جبل طارق فتغلقه!
وأشاد ببناء السد العالى باعتباره أكبر مشروعات السدود فى العالم، ورغم رفض القوى العظمى تمويله فلم تلتفت مصر لها، وخاض الزعيم عبدالناصر حربا كبرى على كافة الجبهات من أجله لأنه ليس حدثا ومشروعا عابرا بل هو إرادة أُمَّة وقائد لحماية النيل، وهذه رسالة القائد منذ عهد الفراعنة وتكوّن مصر، بإدارة مركزية وحاكم قوى وإلا تفتَّتت، فمصادر نهر النيل أمن قومى، ومصر لا تعتدى على أحد أو تنجر لحروب عشوائية، والتاريخ يثبت أنها خاضت حربا قانونية لاسترداد طابا، استكمالا لنصر أكتوبر 73، ثم تعمير سيناء بأكبر مشروع مائى عالمى على ضفاف سيناء لانتقال المياه من غرب القناة لشرقها وزراعة 100 ألف فدان.
وحذَّر د. علام من مخاطر التغيرات المناخية على كثير من الآثار، لولا تكوينها الجرانيتى، وضرب مثلا بتمثال أبى الهول الوحيد المصنوع من الحجر الجيرى الأبيض، والمشروعات المتعددة لحمايته من المياه الجوفية وتراكمها فى التربة، ونفس الخطر موجود فى آثار: المنيا، البهنسا، صان الحجر، جزيرة مسعود.
ملك الإنسانية
أشار د. ممدوح رشوان- أمين عام الاتحاد- إلى أن السياحة من أكثر الصناعات نموا فى العالم باعتبارها قطاع إنتاجى لزيادة الدخل القومى وتشغيل الشباب، بما يحقق التنمية المستدامة، والسياحة البيئية تحديدا هى أقل التأثيرات السلبية على البيئة، موضحا أن المدن التراثية تتضمن موروثات السابقين وهى ملك للإنسانية جمعاء بما يفرض على الجميع الحفاظ عليها، ووقف عمليات الإهمال التى تتعرض لها وخاصة تأثيرات التغيرات المناخية.
العبور للمستقبل
وأشادت د. جيهان البيومى- عضو لجنة التعليم بمجلس النواب- بموضوع المنتدى والذى يتزامن مع الاهتمام العالمى بمواجهة التغيرات المناخية واستضافة مصر للقمة القادمة 2022، داعية الشباب للاستعداد وتحمّل مسئولية العبور إلى المستقبل فى ظل حرص القيادة السياسية على تمكينهم وإتاحة الفرصة كاملة لهم فى تولّى المناصب جميعها.
وأكد يحيى عبدالرشيد- رئيس شركة مياه الشرب بأسوان، فى كلمة الشركة القابضة- أن مقياس تقدم الأمم والشعوب مرهون بسلوكها الإنسانى وعلاقته بمحيطه، والقيم الروحية والثقافية التى تضبط السلوك بما يحقق إعمار الكون، مشيرا إلى أن قضية مواجهة التغيرات المناخية لم تعد ترفًا فكريا بل دعوة للحياة، وضرب مثلا بما حدث مؤخرا فى أسوان جراء السيول المدمرة وكانت بملايين الأمتار، وتمت المواجهة بخطط مسبقة، ما يفرض علينا الوعى والاستيقاظ دوما والاستعداد الدائم بالعلم والعمل والجاهزية.
قضية القرن
ووصف د. إيهاب عبدالعزيز- ممثل منظمة اليونيسف- التغيرات المناخية بأنها قضية القرن الـ 21، بما يفرض على الجميع الاستعداد والتأهل لكيفية المواجهة، وقد حظيت بالفعل باهتمام واسع حتى فنّيًّا، ودورنا جميعا تأهيل النشء والشباب باعتبارهم الأكثر عُرضة وتهديدا لتلك التأثيرات على مستقبلهم وحقهم فى التنمية المستدامة والحياة الآمنة ،خاصة فى ظل تزايد حرائق الغابات والفيضانات بما يجعل الواقع صعبا والمستقبل غامضا، فقد حان الوقت للعمل بجد لوقف هذه التأثيرات السلبية.
وطالب د. محمد حموده- ممثل جامعة الدول العربية- بإيجاد رؤية عربية موحدة مستقبلية لمواجهة التغيرات المناخية، تبادل الخبرات، الاستفادة من الشراكات العربية، التعاون بين جميع المنظمات العربية والإقليمية، وزيادة الوعى لتحقيق التنمية المستدامة لجميع دول وشعوب المنطقة العربية.
التفكير الاستباقى
وربط علاء الدسوقى- مدير البرامج الثقافية بوزارة الشباب والرياضة- بين انعقاد المنتدى واستضافة مصر للدورة الـ 27 لمواجهة التغيرات المناخية العام المقبل، بما يعنى نجاح الفكرة واستباق الحدث، مطالبا بطرح الأفكار الجديدة من خارج الصندوق لمواجهة تلك التأثيرات السلبية، معلنا تقديم الوزارة كل الدعم فى هذا الإطار.
من جانبه دعا د. وليد الدهشان- أمين عام معاهد العبور، ممثل وفود الجامعات والمعاهد- المشاركين وخاصة الشباب للتفاعل بإيجابية مع توصيات المنتدى وتقديم الرؤى العلمية والفعالة لمواجهة تلك التغيرات المناخية بأفكار خارج الصندوق.
حجر الزاوية
وحذَّر د. أسامة النحَّاس- ممثل منظمة الإيسيسكو، فى كلمة مسجَّلة- من المخاطر التى تتعرض لها المواقع والمدن التراثية، فى ذات الوقت الذى يشهد اهتماما عالميا غير مسبوق بالتغيرات المناخية، مؤكدا أن التراث هو حجر الزاوية للحضارة الإنسانية والحفاظ على التاريخ الإنسانى، من هذا المنطلق يأتى اهتمام الإيسيسكو بالمبادرات والدراسات حول قضية التغير المناخى، خاصة المتعلقة بالتراث المُعرَّض للانهيار والاندثار، مطالبا الجميع بتوحيد وتنسيق الجهود.
وأشارت م. إيرينى فايز بُقطر- مدير متحف النيل- إلى أن وزارة الرى والموارد المائية بقيادة د. محمد عبدالعاطى، وهيئة السد العالى بقيادة م. أشرف المحمدى، تولى اهتماما كبيرا بمحافظة أسوان التى تشهد انطلاقة للمستقبل بعد اختيارها عاصمة الشباب الإفريقى، والزيارات المتكررة للقيادة السياسية وكافة الوزارات والأجهزة الحكومية لاستعادة دورها ومكانتها السياحية.
وأكد د. ايهاب محمد عيد، رئيس مجلس ادارة المعهد العالى للدراسات السياحية والفندقية بدمياط الجديدة، أنه سيتم تفعيل توصيات المنتدى على ارض الواقع على شواطئ دمياط والمنصورة بالحفاظ عليها من تأثيرات التغيرات المناخية من خلال لجان علمية لتفعيل دور طلاب المعهد فى توعية رواد الشواطئ للمحافظة عليها والمشاركة فى تجميلها وصيانتها، وتدخل العميد احمد ضيف، أمين عام المعهد، مشيرا الى ان التطبيق العملى للتوصيات سيؤدى الى ارتفاع نسبة الإشغال الفندقى بالسياحة الداخلية.
وعرض د. محمد بشير صالح- مستشار الأكاديمية العربية للنقل البحرى وعلوم التكنولوجيا- لتجربتها فى مواكبة التقدم العالمى لتقديم خريج مؤهل على مستوى كفاءة وخبرة علمية تلبى طلبات سوق العمل، واستعدادها حاليا للاحتفال باليوبيل الذهبى العام المقبل.