تم منذ ساعات قليلة افتتاح المسابقة العالمية الـ٢٨ للقرآن الكريم، والتي افتتحها د.مختار جمعة- وزير الأوقاف- نائبًا عن د. مصطفى مدبولي- رئيس مجلس الوزراء- برعاية كريمة من السيد رئيس الجمهورية، وذلك فى إطار ريادة مصر في خدمة القرآن ونشر الفكر الوسطي المستنير كما جاء على لسان وزير الأوقاف .
وفي الحقيقة لقد أنعم الله على مصرنا الحبيبة بأهل القرآن الذين اشتغلوا بالقرآن تلاوة وحفظا وفهما وتدبّرا ووفّقهم الله سبحانه للعمل بما علموا فأصبح القرآن وأهله حصن الأمان لمصرنا الحبيبة .
وعن سيدنا عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: ((يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها)).
وصاحِبِ القُرآنِ هو القارِئُ للقرآنِ، العامِلُ بما فيه، الملازمُ له تِلاوةً وحِفظًا؛ فالناس تتفاوتُ مكانتُهم في الجَنَّةِ بحَسَبِ تَفاوُتِهم في حِفظِه والعملِ بما فيه، وتَدبُّره؛ ولذلك يُقالُ له: “اقْرَأ” القرآنَ “وارْتَقِ” في دَرجاتِ الجَنَّةِ.
وقد بَيَّنَ النبيُّ أَنَّ القرآنَ العظيم يرفع شأن صاحبه يوم القيامة، وأنه يطلب من الله أن يُزَيِّنَ صاحبه ويحلِّيه ويلبسه تاج الكرامة ويرضى عنه عزّ وجلَّ جزاءً وفاقاً، فكما أرضى صاحبُ القرآن كتابَ الله في الدُّنيا بقيامه به، وعمله به، وتدبُّره، والدَّعوة إليه؛ فإنَّ القرآن يسأل الله أن يرضى عن عبده الحافظ للقرآن العامل به.
وحافظ القرآن مع السَّفرة الكرام البررة؛ فعن السيدة عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ قال: ((مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ)).
وهؤلاء السَّفَرة الكرام اختارهم اللهُ، وشَرَّفهم بأن تكون بأيديهم الصُّحُف المطهَّرة، فقال: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرَامٍ بَرَرَةٍ }.
وينبغي لمن علمه الله القرآن وفضله على غيره، وأراد أن يكون من أهل القرآن وخاصته أن يجعل القرآن ربيعا لقلبه يعمر به ما خرب من قلبه، يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاقه فيلزم تقوى الله في السر والعلانية، والورع في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه، حافظا للسانه، مميزا لكلامه، إن تكلم تكلم بعلم إذا رأى الكلام صوابا، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صوابا، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف عدوه، باسط الوجه، طيب الكلام، لا يغتاب أحدا، ولا يحقر أحدا، ولا يسب أحدا، ولا يشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، وقد جعل القرآن والسنة والفقه دليله إلى كل خلق حسن جميل، حافظا لجميع جوارحه عما نهي عنه، إذا قيل له الحق قبله من صغير أو كبير، يطلب الرفعة من الله، لا من المخلوقين، ماقتا للكبر، خائفا على نفسه منه، يقنع بالقليل فيكفيه، ويحذر على نفسه من الدنيا ما يطغيه، يتبع واجبات القرآن والسنة، يأكل الطعام بعلم، ويشرب، يلبس، ينام بعلم، يلزم نفسه برَّ والديه، يصل الرحم، يكره القطيعة، من قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، رفيق في أموره، صبور على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيرا .
فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة، فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهدا وشفيعا وأنيسا وحرزا، ومن كان هذا وصفه، نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه، وعلى ولده كل خير في الدنيا وفي الآخرة.
اللهم اجمع القرآن في قلوبنا حفظاً، وعلى لساننا تلاوة، وفي سلوكنا خلقاً، وارزقنا منه العلم والعمل.