أنعم الله عز وجل علينا بنعم كثيرة لا حصر لها، ومن هذه النعم المعجزة الخالدة التي لن تموت أبداً، وهي اللغة العربية التي احتفل العالم كله بها يوم 18 ديسمبر الجاري، حيث شرف الله تعالى هذه اللغة بأن جعلها لغة القرآن الكريم ودلالة في النبوة كما جاء في كتابه العزيز: “إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون”، سورة يوسف الآية 2.
وقال العلماء عن اللغة العربية، أنها أشد اللغات تمكناً، وأشرفها تصرفاً، وأكثر اللغات فصاحةً وبياناً، ومن أثرى لغات العالم من حيث المفردات، وكلماتها تتسم بالعذوبة والجمال.
ولذلك حق لنا كعرب أن نفتخر بلغتنا الجميلة، التي نعتز بتاريخها وببلاغتها وجمالها، فهي عنوان حضارتنا وثقافتنا العربية العريقة ونهضتنا غير المسبوقة في الآداب والعلوم والفنون والشعر، وهذا الذي ميز العالم العربي عن غيره من زمن بعيد في وقت لم يشهد فيه العالم حضارة ولا ثقافة ولا تطورا علميا وأدبيا إلا في المحيط العربي الذي أثر على كثير من دول العالم حتى يومنا هذا.
وظلت اللغة العربية لوقت طويل هي لغة العلوم والآداب التي نهل منها الغرب ليصنع نهضته في حركة الترجمة، ولذلك نجد آثار اللغة العربية باقية في العديد من اللغات الأوروبية، وفي كثير من العلوم والمعارف كما في الفلك والكيمياء والجبر والطب وغيرها من العلوم والمعارف.
واللغة العربية تواجه الآن تحديات جسيمة تتطلب تضافر جهود جميع أبناء الأمة العربية والإسلامية من أجل مجابهتها، خاصة ونحن نعيش في ظل عالم يموج بتحديات كبيرة وعولمة متوحشة تلتهم الأخضر واليابس في طريقه، مما يحتم علينا العمل بكل ما نملك من وسائل لحماية اللغة العربية من محاولات التغريب المستمرة.
كما أن اللغة العربية تواجه في الوقت الحالي خطرًا حقيقيًّا يتمثل في الغزو الثقافي الأجنبي من خلال الاهتمام باللغات الأجنبية الأخرى، والتخلي عن اللغة العربية، خاصة في مدارس اللغات التي انتشرت في ربوع مصر والوطن العربي، والتي جعلت من اللغة الإنجليزية اللغة الأولى في مناهجها الدراسية، وكان من نتيجته تخرج أجيال من الخريجين لا يفقهون شيئاً عن لغتهم الأم، وشاعت بينهم العامية على حساب لغتنا الفصحى، وتفشي الأخطاء اللغوية، الأمر الذي يدعونا إلى ضرورة الاعتناء باللغة العربية، والوعي بخطورة هذه التحديات على الهوية والثقافة.
ولذلك يجب أن نتخذ من احتفالنا باليوم العالمي للغة العربية فرصة لإطلاق جرس الإنذار للتحذير من الخطر الكبير الذي يحيق بلغة القرآن، والتصدي بقوة للغزو الثقافي الأجنبي ومحاولات التغريب المستمرة، والله تعالى حافظ لكتابه العزيز ولغته الخالدة قال تعالى: “ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ”، سورة النحل الآية 103.