مصحف بهوامش تفسير مُبَسَّط.. تفسير عصرى مُيسَّر.. موسوعة حديثية للعقائد والعبادات والأخلاق
د. مختار جمعة: لكل جيل “بصْمَته” فى فهم العطاء القرآنى
د. شوقى علام: مواكبة القفزات العصرية.. ضرورة لتحقيق “الأمان الفكرى”
د. يوسف عامر: نصنع حضارتنا.. بفهمنا الصحيح للدين
د. نظير عيَّاد: التجديد فريضة دينية وضرورة حياتية
د. عبدالفتاح العِوارى: الجمود عند جهود السابقين “وَهْمٌ”
مصطفى ياسين
تعكف اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ- برئاسة د. يوسف عامر- على إعداد استراتيجية دينية وطنية، تنطلق من أرضية مصرية، للحفاظ على الهُوية والانتماء والمواطنة، تتضمن 3 مشاريع رئيسية هى: الأول: طبع مصحف شريف، يحتوى على هوامش تفسير وشرح للمُشْكِل من الألفاظ، ويكون ورقيا وإلكترونيا، مسموع ومطبوع وبطريقة “برايل” لذوى الهِمَم، ومتاح كتطبيق على الأجهزة الحديثة من الاتصال والتواصل الاجتماعى.
الثانى: تفسير عصرى للقرآن الكريم، يفهمه العامة والخاصة، يتَّسِم بلُغَةٍ سهلة وأسلوب مباشر، ويعالِج القضايا الفكرية ويصحِّح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة، ويعالِج القضايا الأخلاقية والاجتماعية التى استُجِدَّت على المجتمعات البشرية نتيجة المستجدَّات والمتطلَّبات المتسارعة، وبعض الإيديولوجيات التى يطرحها المغرِضون من أجل النيل من هُويّات المجتمعات لتحقيق هُويّة وثقافة بعينها.
أما الثالث فهو: موسوعة حديثية لكل الأحاديث والسُنَّة النبوية الشريفة الصحيحة، تتضمن كل ما يتعلق بالعقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات.
على أن تكون هذه الاستراتيجية بشكل مؤسَّسى وليس فرديا، بجانب ما تقوم به المؤسسة الدينية، خاصة مؤسسة وجامعة الأزهر من أبحاث ودراسات.
وفى سبيل هذا المشروع العملاق، عقدت اللجنة الدينية- ومازالت- عددا من الجلسات واللقاءات وورش العمل، مع ممثلى الحكومة، والمؤسسات الدينية كافة، وأعضاء الشيوخ، ومنها اللقاء الذى عُقد الاثنين الماضى- 20 ديسمبر- بحضور د. محمد مختار جمعة- وزير الأوقاف- د. شوقى علام- مفتى الجمهورية- د. نظير عيَّاد- أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب- شيخ الأزهر- د. عبدالفتاح العِوارى- عميد كلية أصول الدين سابقا، نائبا عن د. محمد المحرصاوى رئيس جامعة الأزهر- د. هشام عبدالعزيز- أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، رئيس القطاع الدينى بالأوقاف-الشيخ نور الدين عبدالوارث- رئيس الإدارة المركزية للعلاقات الخارجية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية– وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ، والكاتب الصحفى سامح عبدالله، عضو الهيئة الوطنية للصحافة.

مشروع الاستراتيجية
فى البداية عرض د. يوسف عامر شرحا مفصَّلا لمشروع الاستراتيجية، موضحا أنه ينطلق من الأرضية المصرية للحفاظ على الهُوية والانتماء والمواطنة، والذى بدوره يُؤكِّد ويُرسِّخ للهوية الدينية، خاصة وأن مصر هى محط أنظار العالم العربى والإسلامى، والقدوة التى يُحتذى بها. لأن الهجمة الحالية شرسة جدا على الهوية العربية (الإسلامية والمسيحية)، وفى القلب منها بطبيعة الحال مصر.
أشار إلى أن جهود السابقين محلَّ اعتبار وتقدير، غير أن الهدف من “دينية الشيوخ” هو الخروج بـ”استراتيجية” شاملة تحقق الفهم الصحيح للدين، ويكون مُيَسَّرًا ومتاحا للجميع، وفى كل بيت، سواء فى كتب ورقية أو مُحمَّلا على أجهزة الاتصال والتواصل الحديثة، كالتليفون المحمول، لسد حاجة المواطن الدينية.
وأكد د. يوسف أهمية هذه الاستراتيجية لما نستعد له من بناء ودخول الجمهورية الجديدة التى ينبغى علينا المحافظة عليها ونطوِّر منها حتى نصنع منها حضارة جديدة وليست جمهورية جديدة فقط، وهذا الحفاظ عليها يتطلب عدة أمور، منها: انضباط فكرى ينتِج استقرارا مجتمعيا، ما يؤدى إلى التقدّم والتطوير، ومن هذا المنطلق دعا الرئيس السيسى بداية لتجديد الخطاب الدينى، ثم الوعى الرشيد، ونحن نؤمن بأن الوعى الدينى هو أساس كل شئ، لأن الإنسان إذا فهم دينه فهما صحيحا ستتحقق له عدة مكاسب: الحفاظ على الوطن، والأجيال القادمة وحقها فى التنمية والموارد الطبيعية، تماسك الوطن، عدم الانسياق وراء الشائعات، ولن يكون المواطن عُرْضَة أو فريسة سهلة لأى فكر متطرف- سواء من الداخل أو الخارج- وسيحافظ على الجهود التى تبذلها الدولة الحديثة للبناء والتنمية وإقرار “الحياة الكريمة”، وسيكون حارسا بنفسه للإنجازات وإمكانات دولته، وترشيد الاستهلاك، ويعالِج المشكلات كالإدمان وتعاطى المخدرات والزيادة السكانية، والحفاظ على الممتلكات العامة.
وطرح د. عامر التساؤل: هل نتبنَّى تفسيرا معيّنا ونطوّره؟ أم نجمع التفاسير؟ وهل يكون تفسيرا تحليليا يتضمن بعض الأحكام البسيطة؟ أم تفسيرا موضوعيا؟ أم الاثنين معا؟
مطلب ضرورى
من جانبه أثنى د. مختار جمعة- وزير الأوقاف- على الفكرة وتميّزها ما يجعلها مطلبا ضروريا متوافقا مع تطور العصر والعلم، مستشهدا بمقولة الإمام محمد متولى الشعراوى: “القرآن الكريم معطاء ليوم القيامة”، مؤكدا أنه بقدر عطاء كل جيل للقرآن يكون تميّزهم، واختصاصهم بـ”بصمة” فى فهم معانيه ومقاصده، تختلف عن غيرهم، موضحا أنه سيكون بمثابة جمع “لُباب” التفاسير الموضوعية والتحليلية، ونفس الشئ بالنسبة للأحاديث النبوية، فمع احترامنا الكامل وتبجيلنا لصحيحى البخارى ومسلم، فليس هناك مانعا من إيجاد “صحيح الأزهر”، وقد استبقنا هذا بجمع وطبع الأحاديث القدسية لأول مرة، كما أن هناك موسوعة الفقه، والحديث، وترجمة تفاسير القرآن، ونحرص على التوضيح لقارئ هذه الترجمات بأن هذا فهمنا البشرى للقرآن، وأننا اجتهدنا قدر استطاعتنا وطاقتنا واستيعابنا لمعطيات عصرنا.
وأشار د. جمعة، إلى حرص المجلس الأعلى للشئون الإسلامية على طباعة المنتخب في تفسير القرآن الكريم، والذي أعد بواسطة أساتذة متخصصين، كما تم ترجمته إلى أكثر من لغة بواسطة أساتذة من كلية اللغات والترجمة ، وتم الانتهاء حاليًا من ترجمته إلى اللغة اليونانية والآن في مرحلة الإعداد للنشر، كما أن هناك فريقًا يقوم بترجمته إلى لغة الهوسا، وهناك إقبال كبير جدًا على شراء المنتخب سواء باللغة العربية أو الطبعات المترجمة، وقد حققنا إجمالي مبيعات لإصداراتنا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام تجاوزت مليون جنيه بخلاف إهداء عشرات المكتبات إلى مختلف دول العالم.

ذوو الهِمَم
أضاف د. جمعة: وخدمة لذوي الهمم أطلقت الوزارة أول صفحة دينية بلغة الإشارة، وستقوم الصفحة ببث ترجمة خطبة الجمعة وبعض الفيديوهات التثقيفية التي تنشرها الوزارة مترجمة إلى لغة الإشارة، كما ستقدم لاحقًا تعريفًا بالنوابغ والمتميزين منهم، وتتلقى استفساراتهم الدينية وتجيب عليها، وذلك حتى لا تتخطفهم حسابات جماعات أهل الشر التي تُنشئها الجماعات المتطرفة خصيصًا لاجتذاب هذه الفئة
لغة الإشارة
وبذلك يصل إجمالي الصفحات والمواقع التابعة لوزارة الأوقاف إلى واحد وثلاثين صفحة وموقعًا وقناة وتطبيقًا بهدف التواصل مع الجمهور، والنشر الدعوي، والتثقيف الإلكتروني.
الأمان الفكرى
وقال د. شوقى علام: فى ظل التقدم والإنجازات الكبرى التى تحققها مصر فى عصرها الحديث، وما تحرزه من قفزات للوصول إلى الجمهورية الجديدة، فلابد للعقل المصرى والعربى أيضا أن يصل إلى مصاف “الأمان الفكرى” الذى يحميه من الأزمات والتعقيدات، خاصة وأن همومنا فى هذه المرحلة هى “الفهوم” المختلفة فى كل العلوم، والعقل المصرى يتحرك ويتطوّر دائما وليس جامدا، وفى مجال الاجتهاد هناك “فهوم” عالجت القضايا بمهنية ومنهجية علمية عالية، دون استصحاب وقائع وأحوال الأقدمين، لاختلاف الأزمان والمفاهيم، بل إنه من العيب استجلاب الماضى بكل تفاصيله وتعقيداته، وإن كان هناك فكر مطروح بجُرأة المجتهد المنضبط آنذاك، إلا أننا بحاجة له الآن للقفز بمعالجة قضايا عصرنا بمفهومنا نحن حتى لا يفوتنا، فقضايانا متطورة ومتغيرة على مدار “الفيمتوثانية”، فلدينا مساحة كبيرة ومفتوحة من الحرية والبراح نستطيع منها التطور، متعلِّقين بمنهجية السابقين، لمعالجة قضايا العصر، بالعقل المسلم الاجتهادى التقدمى، ولذا فنحن بحاجة ماسَّة لهذه الاستراتيجية.
نبَّاشو الفتاوى!
وأوضح د. علام أن دار الإفتاء تتلقى كل الأسئلة- أيًّا كانت- وتجيب عليها، وإن كانت هناك فتاوى “موسمية” كحكم تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد والاحتفال بعيد شم النسيم وأكل الفسيخ وغيرها من هواة “النبش” فى الفتاوى، مما يجعلنا بحاجة ماسَّة لتعميق الجانب التثقيفى والوعى الذى يركِّز عليه دوما الرئيس السيسى فى كل لقاءاته، لأننا أُبتلينا بـ”فقه وافد” مختلف تماما عن بيئتنا وشخصيتنا المصرية، أرَّقَ حياتنا، ما يستوجب وقوف النظرة والمنهج الأزهرى فى وجهه بجُرأة وقوة، لخطورته على الأمن الفكرى والاستقرار المجتمعى، فـ”مظلّتنا” جميعا عند الإفتاء هو ما يحقق الاستقرار والأمان، حفظا للمقاصد العليا لحياة الإنسان.
أمر مطلوب
وأيَّد د. عبدالفتاح العِوارى، وضع هذه الاستراتيجية المتكاملة، مؤكدا أنها أمر مطلوب خاصة ونحن مُقْبِلين على الجمهورية الجديدة، وإن كان هذا المشروع سبقته مشاريع وجهود أزهرية، فى تفسير القرآن وترجمته لأكثر من 10 لغات، لأن من يقول بالجمود والتوقف عند ما سطَّره الأقدمون فهو “واهم” فواجبنا أن نقدح زناد الفكر لمن تتوفر فيهم شروط الاجتهاد والتفسير لاستخراج زاد جديد يتفق وروح العصر الذى نعيشه، لا كما يفعل البعض باستخدام الدلالات الخاطئة التى خرجت على مجتمعاتنا بالتخريب والتدمير والقتل وسفك الدماء، مشيرا إلى أن الأزهر سبق وناقش مع كل مؤسسات وهيئات ومنظمات المجتمع 14 قضية مُلحَّة، وقدَّم “المصحف المُيسَّر” للرد على المتقوِّلين على الله بغير علم لسد الثغرات التى ينفذون من خلالها.
وحرىٌ بنا أن نعمل معا للنهوض بهذا المشروع، مستفيدين مما سبق من جهود بُذِلت فى هذا المجال.
التجديد فريضة
وأكد د. نظير عيَّاد أن النظرة العصرية لآيات القرآن أمر لا مناص منه، فتعاليم الشريعة هى أصل التجديد الذى هو فريضة دينية وضرورة حياتية، داعيا للبناء والتنسيق مع جهود المؤسسات السابقة فى هذا الإطار، خاصة وأنه لدينا مصحف بالأزهر يحتوى على معانى وتفسيرات الآيات وضعه الشيخ حسنين مخلوف، مختصر ويصل للأفهام والعقول بأقرب السبل، وأيضا “التفسير الوسيط” فى عهد د. عبدالحليم محمود. وقد التزم السابقون بقواعد وأسس يمكننا البناء عليها الآن، لأننا فى أمسِّ الحاجة لتفسير موضوعى أكثر من التحليلى للتركيز على قضايا مجتمعاتنا المعاصرة، خاصة وأن هناك طرحا لهيئة كبار العلماء حول التفسير وانتقاء الصحيح من الكتب الصحاح، بما يسد ويغلق المجال تماما أمام سهام المتطاولين وشُبهاتهم.
حوار متبادل
ودار حوار ونقاش، فتساءلت د. رشا إسحق- أمين سر لجنة حقوق الإنسان بالشيوخ- عن جهود نشر الفكر الوسطى، وتفكيك الفكر المتطرف، خاصة وأننا نعيش فى ظل قيادة سياسية تسعى لأن يعيش كل مواطن بكرامة وكامل الحقوق باستراتيجية واضحة، واستفسرت عن استراتيجية المؤسسات الدينية المختلفة فى القضاء على مشكلة الزيادة السكانية مثلا؟
فأجاب د. مختار جمعة: هذه قضية محورية للدولة المصرية، وكل وزارة وهيئة تقوم بدورها المنوط بها لمواجهتها، والأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، تؤدى دورها، وتنظم الدورات واللقاءات، وتوضح للناس خطورتها.






























