كتب- فتحي الدويدي:
كشف د. عبدالله رفاعي- رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالمنوفية- عن الدور المهم للمستشرقين الألمان في الاهتمام بالعربية وتراثها المخطوط وصناعة المعاجم العربية.
وأوضح في دراسته حول جهودُ المستشرقَيْن الألمانِيَّيْن “فِيشَر و أُولْماْن” في صناعة معجم تاريخي للغة العربية أن الاحتقال السنوي باليوم العالمي للغة العربية يأتي هذا العام متزامنا مع طباعة السبعة عشر جزءًا الأولى من المعجم التاريخي للغة العربية الذي طال انتظاره أكثر من مائة عام؛ ليذكرنا بدور المدرسة الألمانية البارز في الاهتمام بالعربية وتراثها المخطوط جمعا وتحقيقا وفهرسة من ناحية؛ واهتمامها بصناعة معاجم العربية من ناحية ثانية؛ فلمعت أمام أعيننا أسماء أعلام كبار تغزلوا في جمال العربية كـ: زيجريد هونكه، يوهان فك، توربكه، بوركلمان، فيشر، أولمان، وغيرهم ممن قضوا عقودا من أعمارهم في خدمة العربية، بالتصنيف حينا، وبتحقيق وفهرسة المخطوطات العربية حينا آخر، ولذا لم نعجب حين قرأنا مؤخرا خبر قرب إنجاز مشروعها الذي استغرق قرابة الخمسين عاما لفهرسة اثنتين وأربعين ألفا من المخطوطات العربية المحفوظة في المكتبات الألمانية.
أضاف: هناك مستشرقين ألمانيان، عشقا العربية؛ فراودهما حلم صناعة معجم تاريخي لألفاظها أسوة باللغات الأوربية التي سبقت العربية في ذلك؛ وقضيا في سبيل ذلك الحلم عقودا من عمريهما، وهما “أوجوست فيشر (18651948م)، مانفريد أولمان (1931م – الاستاذ المتفرغ بجامعة توبينجن بألمانيا).
أوضح أن أولمان قضى خمسين عامًا كاملة في صناعة معجمه الموسوم بـ”معجم اللغة العربية الفصحى” المطبوع أنجز منه حتى الآن خمس مجلدات تضم مفردات حرفي الكاف واللام فقط مما يدل على غزارة مادته، وهو معجم تاريخي وإن كان اسمه لا يحمل صفة التاريخية؛ إذ راعى فيه مؤلفه التطور التاريخي للمفردات، واستمد مادته من المصادر الأصلية مباشرة، والتطور التاريخي للمفردات يعد جوهر المعاجم التاريخية كما يقول أهل هذا الفن.
وقال: اذا كان المتخصصون في المعاجم العربية من غير الناطقين بالألمانية لم يسمعوا شيئا عن أولمان ولا عن معجمه، فهم معذورون في ذلك؛ لأن الرجل قد أخطأ خطأً جسيمًا حين كتب معجمه العربي كاملا باللغة الألمانية، فكانت ثمرة معجمه الثمين هذا حكرا على الناطق بالألمانية وحده، وهو الخطأ الذي نرجو أن لا يقع فيه الفريق الألماني الذي يعمل الآن على استكمال هذا المعجم، وأن يأخذوا باقتراح منظمة اليونسكو في أن يدار هذا المشروع من فريق علمي دولي متخصص يضم باحثين عرب، كما صرح بذلك المستشرق الألماني “شتيفان فيلد” في دراسته الموجزة الصادرة بالألمانية عام 2018م عن أولمان ومعجمه.
واستعرض د. رفاعي جهود المستشرق “فيشر” قائلا: لم يسجل تاريخ المعاجم العربية- حتى الآن- أحدًا قد سبقه إلى فكرة إنشاء معجم تاريخي للغة العربية سوى ما ذُكِر من أن أستاذه توربكه هو الذي أوحى إليه بها؛ فـ”فيشر” هو الذي اقترح الفكرة في مؤتمر الاستشراق ببازل 1907م؛ وعمل عليها حتى 1932م، تاريخ إنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة الذي عُيِّن فيه عضوا، ولأن المادة الثانية الخاصة بأغراض المجمع كانت تنص على إنشاء معجم تاريخي للغة العربية؛ انتهزها فيشر فرصة سانحة وعرض معجمه- الذي كان أوشك أن يتمه- على المجمع؛ فوافق المجمع بأغلبية الآراء في مارس 1935م على الانتفاع بعمل فيشر، وتم الاتفاق على قيام وزارة المعارف بطباعته على نفقتها وبإشراف فيشر نفسه بعد دعمه بموظفين يعاونونه في التحرير النهائي، وتوفير الإقامة والراحة له في مصر مدة إشرافه على طباعة هذا المعجم.
وأشار إلى أن أن الأصوات القليلة المعارضة كان لها أثر كبير في تعليق القرار السابق للمجمع؛ فتم إعفاء اللجنة المعاونة لفيشر من مهامها سنة 1938م، وترك الأمر لفيشر ليطبع معجمه بنفسه ويتحمل هو تبعة ذلك؛ فاستمر يعمل بنفسه حتى غادر مصر 1945م، تاركا خلفه مادة معجمه كاملة حين أهداها للمجمع ليفيد منها في صنع معاجم للعربية؛ فطبع المجمع جزءا لطيفا من معجم فيشر 1961م، وأفاد من هديته الثمينة في صنع المعجم الكبير المطبوع منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي عام 1949م توفي فيشر بألمانيا، بعد أن بذر بذرة المعجم التاريخي للعربية عام 1907م في بازل، وروَّاها في مجمع فؤاد الأول بالقاهرة في ثلاثينيات القرن العشرين؛ لتثمر سبعة عشر مجلدا في اليوم العالمي للغة العربية عام 2021م بالشارقة، وبإشراف اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية ومقره القاهرة.