أكد أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بأن الحضارة الإسلامية قائمة على العمران وبناء الإنسان معًا ، قائمة على القيم والأخلاق ، قائمة على العيش الإنساني المشترك ، فهي حضارة إنسانية بامتياز ، تنطلق من إعلاء شأن الإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ” ، وهي حضارة قائمة على البناء والتعمير ، حيث يقول الحق سبحانه : “هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” ، لا تعرف الفساد ولا الإفساد ، ولا الهدم ولا التخريب ، فهي حضارة بناء لا هدم ، ومهمتنا أن نعمر الدنيا بالدين ولا نترك أحدًا من أهل الشر يخربها باسم الدين.
وقد عنيت هذه الحضارة العظيمة بشأن الأيتام والضعفاء والفقراء والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة ، وجعل (صلى الله عليه وسلم) الساعي على الأرملة والمسكين كالصائم القائم ، وكالمجاهد في سبيل الله أجرًا وثوابًا وحسن عاقبة ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول : “هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ” ، وعندما وصفته (صلى الله عليه وسلم ) السيدة خديجة (رضي الله عنها) قالت: “فَوَالله لا يُخْزِيكَ الله أبَدًا ؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ ، وتَحْمِلُ الكَلَّ ، وتَقْرِي الضَّيْفَ ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”.
كما راعت حق الضعيف والجار والمسكين والمحتاج ، فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “وَالله لا يُؤْمِنُ ، وَالله لا يُؤْمِنُ ، وَالله لا يُؤْمِنُ” ، قَالُوا : يَا رَسُولَ الله وَمَا ذَلِكَ ؟ قَالَ : “مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَه” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “مَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ”، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ” ، ولما قيل له : إنَّ فلانةَ تقومُ اللَّيلَ وتَصومُ النَّهارَ وتفعلُ ، وتصدَّقُ ، وتُؤذي جيرانَها بلِسانِها ؟ فقال رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليهِ و سلم): ” لا خَيرَ فيها ، هيَ من أهلِ النَّارِ” ، وعندما تحدث (صلى الله عليه وسلم) عن حقوق الجار سما بها إلى أعلى درجات الرقي الإنساني حين قال : “ولا تُؤذِه بقُتارِ قِدْرِكَ إلَّا أنْ تَغرِفَ له منها، وإنِ اشتَرَيتَ فاكِهةً فأهْدِ له ، فإنْ لم تَفعَلْ فأدخِلْها سِرًّا ، ولا يَخرُجْ بها وَلَدُكَ ليَغيظَ بها وَلَدَه، أتَدرونَ ما حَقُّ الجارِ ؟ والذي نَفْسي بيَدِه، ما يَبلُغُ حَقَّ الجارِ إلَّا قَليلٌ مِمَّن رَحِمَ اللهُ”.
وراعت حضارتنا العظيمة شعور الغريب والبعيد ، فقال الحق سبحانه في شأن معاملة الوالدين: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”، وجعل الإسلام اللقمة التي تضعها في فم امرأتك ، والنفقة التي تنفقها على ولدك صدقة ، ونهى حتى عن مجرد جرح المشاعر فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَن كانت له أُنثى فلم يَئِدْها، ولم يُهِنْها، ولم يُؤثِرْ ولَدَه عليها – الذُّكورَ – أدخَلَه اللهُ الجَنَّةَ” ، وقال (صلى الله عليه وسلم): “إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فلا يَتَناجَى اثنان دون صاحبهما فإنَّ ذلك يُحزِنُه”، ودعا إلى كل ما يحقق الوفاق والوئام الإنساني ، فنهى عن التحاسد والتباغض والتنابز بالألقاب ، ودعا إلى التراحم والتزاور والتسامح ، وحسن الظن ومناداة الإنسان بأحب الأسماء إليه والبشاشة في وجهه ، فقال (صلى الله عليه وسلم): “لا يَحْقِرَنَّ أحدُكم شيئًا من المعروفِ ، فإن لم يَجِدْ فلْيَلْقَ أخاه بوَجْهٍ طَلْقٍ ، وإذا اشْتَرَيْتَ لحمًا أو طَبَخْتَ قِدْرًا فأَكْثِرْ مَرَقَتَه ، واغْرِفْ منه لِجارِكَ”.
فما أحوجنا إلى استعادة وترسيخ هذه القيم الإنسانية التي دعا إليها ديننا الحنيف لنحقق بصدق خيرية هذه الأمة كما أرادها الله (عز وجل) ، وتستحق بها رحمة الله أولًا ، وأن نكون شهداء على الأمم ثانيًا وأن نغير الصورة القاتمة التي رسمتها الجماعة الإرهابية المضللة لديننا الحنيف من جهة أخرى.