تحقيق: سمر هشام
يكثر الجدل والحديث حول المسالة الفقهية وهي مسألة “استبدال أو بيع الذهب القديم بالجديد” بين الحل والحرمة، واختلط الأمر ولا يدرون هل فعلا استبدال الذهب القديم بالجديد ودفع الفارق أو ما يسمى “بالمصنعية” حلال أم حرام؟
يؤكد د. عبدالحليم منصور- أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- اختلف العلماء حول الحكم الفقهي لهذه المسألة على رأيين: الأول: يرى حرمة مبادلة الذهب الجديد بالقديم مع دفع الفارق لما روي عن رسول الله من حديث عبادة، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما وغيرهما، أنه قال: “الذهب بالذهب، مثلًا بمثل، سواءً بسواء، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى” أي وقع في الربا، وبناء على ذلك فإذا أراد شخص أن يبيع ذهبًا قديما إلى تاجر الذهب بذهب آخر جديد، مع القيام بدفع الفارق بينهما، فلا يجوز إذ لابد أن يكون الذهب متماثلًا؛ متساويًا وزنًا بوزن؛ مثلًا بمثل، وبناء على ذلك على هذا الشخص القيام ببيع الذهب القديم أولا وقبض ثمنه، ثم شراء الذهب الجديد في صفقة جديدة، لما روي عن أبي سَعيدٍ الْخدْرِيِّ وعَنْ أبي هرَيْرَةَ رضي الله عنهما أنَّ رسُولَ اللّهِ اسْتعْمَلَ رجُلًا على خيْبَرَ فجَاءَهُ بتَمْرٍ جَنيبٍ فقال رسول اللّهِ: “أكُلُّ تمْرِ خيْبَرَ هكذا قال لا والله يا رسُولَ اللّهِ إنَّا لنَأْخُذُ الصّاعَ من هذا بالصَّاعَيْنِ والصَّاعَيْنِ بالثَّلَاثَةِ، فقال رسول اللّهِ: “لا تفْعَلْ بعْ الْجمْعَ بالدَّرَاهِمِ ثمَّ ابْتعْ بالدَّرَاهِمِ جَنيبًا”.
الرأي الثاني: يرى جواز بيع الذهب القديم بالجديد مع دفع الفارق، ولا حاجة لبيع القديم أولا وقبض ثمنه، ثم شراء الجديد، وهذا ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية، وكثير من المعاصرين.
ويشير د. منصور إلى أن مستند هذا الرأي ما يأتي من نسلم حرمة التفاضل في بيع الذهب بالذهب على النحو الوارد في استدلال الرأي الأول، إذا كانا أثمانا، أما إذا خرج أحدهما أو كليهما عن كونه ثمنا، ووسيطا للتبادل بين الأفراد، فلا يحرم التفاضل في هذه الحالة. وكذلك دخول الصنعة في الذهب يخرج عنه علة الثمنية، التي هي علة الربا في النقدين، ويصبح الذهب شأنه شأن سائر السلع التي يجوز فيها التفاضل، كمن باع موبايل، بساعة، أو سيارة بمنزل، ونحو ذلك، والرأي الراجح: يبدو لي بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة رجحان ما ذهب أصحاب الرأي الثاني القائلون بجواز مبادلة الذهب القديم بالجديد مع دفع الفارق، دون حاجة لإبرام صفقة لكل منهما على الانفراد، لخروج الذهب بالصنعة في هذه الحالة عن كونه ثمنا، ووسيطا للتبادل.
ويضيف: الذهب يصبح كغيره من السلع التي يجوز مبادلتها مع التفاضل فيما بينها، وهذا ما ذهب إليه العلامة ابن القيم بقوله:”الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان ولهذا لم تجب فيها الزكاة على رأي راجح فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لايجري بين الأثمان وسائر السلع، فإنها بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان، وأعدت للتجارة فلا محذور في بيعها بجنسها.
ويوضح د. صالح الأزهرى- عضو لجنة الفتوى بالأزهر- أن تبديل الذهب القديم بالجديد ليس حراما وجائزا شرعا وليس له أي علاقه بالربا لأن الذهب أو الفضة أصبحوا كأي سلعة تباع وتشترى ودخلت في الصناعة الآن وليس لهما علاقة بالربا الذي حرمه الإسلام، فمالمانع شرعا أن أقوم ببيع وتقدير ثمن ذهبي القديم وأقبض ثمنه أو حتي لا أقبضه من التاجر أو الصائغ ثم اشتري منه الذهب الجديد ثم أقوم بدفع فروق الجرامات أو المصنعية فليس هناك مايمنع ذلك شرعا.
وخلاصة القول: ليس هناك مانعا شرعيا لبيع الذهب أو الفضة أو استبدالهما بالجديد مع دفع الفارق بينهما، والنهي الوارد في الحديث الشريف كان لعلة النقدية وكونهما وسيطا للتبادل وأنتفت تلك العلل الآن فلهذا جائز شرعا بيع الذهب القديم بالجديد.
وحسم د. شوقي علام- مفتي الجمهورية- الخلاف الفقهي بفتوى قال فيها: “لا مانع شرعًا من بيع الذهب القديم بالجديد، وكذلك مبادلة الذهب القديم أو الكسر بالذهب الجديد أو المَصوغ، مع الاقتصار على دفع الفَرْق بينهما دون اشتراط بيع الذهب القديم أولًا ثم شراء الجديد بثمنه؛ حيث إن الذهب المُصاغ قد خرج عن كونه ثمنًا ووسيلة أساسية للمعاملات المالية، وصار شأنه في ذلك شأن سائر السلع التي لا يحرم فيها التفاضل ولا البيع الآجل”.