قضية بناء الوعى تعتبر من أخطر القضايا وأهمها التى نبه إليها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ فترة، وتعمل مؤسسات الدولة المختلفة على إعادة بناء وعى الإنسان المصرى، بعد أن نجحت الجماعات الظلامية على مدى سنوات طويلة فى تغييب وعى الكثيرين من مختلف الأعمار والثقافات، وقد أسهم ذلك إسهاما حقيقيا فى الانشغال بتوافه الأمور وتراجع معدلات الإنتاج، والسقوط فى بئر التطرف والإرهاب وخيانة الوطن وارتكاب أبشع الجرائم فى حق المواطنين.
وإن عملية بناء الوعي أو إعادة بنائه تعتبر قضية محورية في حياة المجتمعات والأمم والشعوب، وخاصة تلك الأمم والشعوب التي تعرضت ذاكرتها لمحاولات المحو والشطب، أو التغيير، أو التغييب، ناهيك عن محاولات الاختطاف، وحالات الجمود والخمول والكسل التي يمكن أن تصيب الذاكرة الجمعية للمجتمعات، مع يقيننا أن إعادة تشكيل وعي أمة ليس أمرا سهلا ولا يسيرا، إنما هو عملية بناء شاقة، وتحتاج إلى جهود مكثفة، ودءوبة، ومضنية، ولا سيما في أوقات الشدائد والمحن والتحديات الجسام، شأن تلك المرحلة الراهنة الفارقة في تاريخ منطقتنا، وفي تاريخ العالم كله، بل في التاريخ الإنساني المعاصر، حيث صار الإرهاب والتطرف الفكري صناعة وأدوات غزو واحتلال من نوع جديد، ووسائل لإفشال الدول، أو إسقاطها، أو تركيعها، أو السيطرة على قرارها، بل على مقدراتها ومكتسباتها أيا كان نوع هذه المقدرات والمكتسبات: اقتصادية أم سياسية أم جغرافية أم ثقافية أم تراثية.
من هذا المنطلق أيقن الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف يقينا لا يداخله ولا يخالجه أي شك أن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق، وأن على أهل الحق ألا يكونوا أقل حماسا لحقهم وقضاياهم التي يؤمنون بها من حماس أهل الباطل ودعاة الهدم والخراب لباطلهم.
وإذا كان من حاولوا السطو على ذاكرة أمتنا قد استخدموا المغالطات الدينية والفكرية والثقافية والتاريخية للاستيلاء على هذه الذاكرة، فإن وزارة الأوقاف تسابق الزمن، لكشف هذه المغالطات وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان أوجه الحق والصواب بالحجة والبرهان من خلال نشر الفكر الوسطي المستنير، في المجال الدعوي والثقافي والتعليمي والتربوي والإعلامي، وإحلال مناهج الفهم والتفكير والإبداع والابتكار محل مناهج الحفظ والتلقين والتقليد، مع اعتبار العمل على خلق حالة من الوعي المستنير واسترداد ذاكرة الأمة التي كانت مختطفة أولوية وواجبا وطنيا على العلماء والمفكرين والمثقفين وقادة الرأي والفكر، ولا يمكن أن نحصر قضية الوعي في بعدها الديني أو الثقافي فحسب، فالوعي بالوطن يقتضي العمل على بنائه ورفعة شأنه في جميع المجالات: الاقتصادية ، والفكرية، والثقافية، والاجتماعية، والإنسانية، وبشتى السبل: بالعمل والإنتاج، بالجد والاجتهاد، بالدقة والإتقان، بالتكافل والتراحم، بالإخلاص للوطن، والإخلاص في العمل، بالعلم والفكر، بالثقافة والإبداع، بنشر القيم الإيجابية من الصدق، والأمانة، والوفاء، والرحمة، والتسامح، والتيسير، والمروءة، والنظافة، والنظام، واحترام الكبير، وإكرام الصغير، وإنصاف المظلوم، وإكساب المعدوم، وإغاثة الملهوف، وصلة الرحم، وحسن الجوار، وإماطة الأذى عن الطريق، والحرص على المنشآت العامة والمال العام، والترفع عن الدنايا، والبعد عن سائر القيم السلبية: من الكذب، والخيانة، والغدر، والأذى، والبطالة، والكسل، والفساد، والإفساد، والتخريب.
وكانت وزارة الأوقاف قد أطلقت فى العشرين من شهر سبتمبر الماضى فعاليات حملة “بناء الوعي” بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة والمجلس الأعلى للإعلام، بحضور أ.د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، د. أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والأستاذ كرم جبر رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ومن أجمل ما قاله وزير الأوقاف أثناء إطلاق هذه المبادرة: “إن بناء الإنسان هدفنا، ولا إنسان بلا وعي، وإن معركتنا مع الفكر المتطرف لم تنته، حيث اختبأ المتطرفون خلف مواقع التواصل الوهمية ونحن لهم بالمرصاد، وسنضيق عليهم الفضاء الإلكتروني بالفكر والعمل الجاد، فأهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق”.
إن شاء الله نستكمل الحديث فى هذه القضية، إن كان فى العمر بقية.