فى ختام المقال السابق أشرت إلى أن اللهَ تعالى قد أرسل من رسله نبيا كريما، هو سيدنا لوط عليه السلام، ليخرج قومه من براثن الشذوذ الجنسى تلك الفاحشة المنكرة، وأنها كانت سببا في تدمير بلدة كاملة، وهلاك أهلها.
واستشهدت بالآيات ٨٠ إلى ٨٤ من سورة الأعراف، التى جاءت تصف هذه الفاحشة بما ينفي عنها صلتها بالتمدن أو التحرر أو التنوير – على عكس ما يروج المفسدون فى الأرض – بل إن امرأة لوط عليه السلام عدها الله من أهل المعصية رغم أنها لم تفعل أفعالهم، وأصابها من العذاب ما أصابهم، حينما تقبلت شذوذهم، واعتبرته حرية شخصية.
وقال سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذه الفاحشة: “لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ” (أخرجه الحاكم).
ولم نستكمل الحديث عن قضية الشذوذ ومحاولة تمريره من خلال عمل فنى ساقط، حتى خرج علينا شذوذ من نوع آخر يتبناه فريق من أدعياء الفكر والثقافة، وهم ليسوا إلا أدوات رخيصة فى يد شياطين الإنس والجن، وتوهموا على عكس الحقيقة وعلى غير هدى ولا كتاب منير أن من حقهم الاجتهاد فى الأحكام الفقهية بلا أدوات الاجتهاد، وتفسير النصوص القرآنية المتعلقة بالأحكام الفقهية على خلاف ما يقول به العلماء المتخصصون، بل إن أحدهم وهو معروف ومشهور بهجومه على علماء الدين وأئمة الفقه المعتمدين لدى الأمة الإسلامية، بل لم يسلم من سفاهته وتطاوله وسوء أدبه صحابة رسول الله، فلا عجب إذن من إساءته لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، الذى يعد احترامه وتوقيره وإجلاله من الأدب بل من الدين، ومن يفعل غير ذلك قل أدبه، ونقص دينه.
وما زلت لا أجد تفسيرا لإصرار بعض مقدمى البرامج على استضافة السفهاء للرد على العلماء الربانيين، والتطاول عليهم، فى قضايا لا يصح مراجعتهم فيها أو عرضها على العوام لمناقشتها، لمجرد أن نفرا قليلا لا يروق له حكم أو توجيه قرآنى تقره الشريعة وقال به الراسخون فى العلم.
وليعلم الجميع أن دين الله لا تحكمه الأهواء ولن تتحكم فيه فئة باغية مأجورة نعرف توجهاتهم، وسيظل الأزهر الشريف بعلمائه الثقاة حائط الصد الراسخ فى الدفاع عن دين الله، ولن يكون فى قوانين البلاد إلا ما يقره الأزهر الشريف بموجب الدستور الذى لا يعرفه ذلك الجاهل الذى اتهم الإمام الأكبر بأنه يخالفه.
وإلى الذين يريدون لشيخ الأزهر أن ينتفض ويدافع عن نفسه، ويثأر لشخصه، ويرون أن المؤسسة الدينية قصرت فى الدفاع عن الإمام الأكبر، أقول لهم: إن الأسد لا يحركه ولا يزعجه صرير الفئران، ويدخر زئيره فلا يطلقه إلا فى مواجهة أسد مثله.
فهذا هو شأن الكبار: لا يلتفتون إلا فعل الصغار ولا يأبهون بالرد على إساءتهم، لئلا يكونوا مثلهم، أو ينزلوا منزلا لا يليق بهم.
وختاما لهذه الجزئية، ليتنا ننتبه جميعا إلى أننا سنكون خير أمة أخرجت للناس – كما يريد الله لنا – حين نحترم التخصص، ويتقن كل منا عمله، ولا يتدخل فى عمل غيره ولا يتكلم فيما لا يعلم، ولن يكون ذلك فى دنيانا هذه إلا بتدخل ولى الأمر، وسن قوانين تجرم الظهور الإعلامي للتحدث فى غير التخصص، وإعادة الهيبة لعالم الدين والمؤسسة الدينية بما يفوق هيبة المؤسسات الأخرى، إذا كنا جادين فى قضية بناء الوعى، ونسعى بصدق لكسب الدنيا والدين معا.
وإن شاء الله نستكمل الحديث فى هذه القضية إن كان فى العمر بقية