خلال فعاليات الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان: “عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي” اليوم 13/ 2/ 2022م، برعاية السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ، وبرئاسة معالي وزير الأوقاف أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، والتي تضمنت الإعلان عن التوصيات التي انتهى إليها المؤتمر ، والذي انعقد خلال يومي السبت والأحد 12و13/ 2 / 2022م بفندق (جراند نايل تاور ) بالقاهرة.
وفي الكلمة الختامية لأعمال المؤتمر وجه معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الشكر والتقدير لضيوف المؤتمر من الوزراء ، والمفتين ، والمثقفين ، والبرلمانيين , والإعلاميين , والكتاب ، كما وجه معاليه الشكر والتقدير لسيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر ودعم سيادته المستمر للخطاب الديني المستنير وتأكيده الدائم على أهمية مراعاة ودراسة فقه الواقع ومتغيراته ومستجداته في ضوء الحفاظ على ثوابت الشرع الحنيف دون إفراط أو تفريط ، فديننا دين الوسطية بكل ما تحمله الكلمة من معانِ دون غلو أو تقصير ، ففي كل محفل عام أو دولي أو وطني نؤكد أننا نواجه التسيب القيمي والأخلاقي والانحراف عن سبيل الجادة بنفس الحماس والقدر الذي نواجه به التطرف والتشدد ، فالتطرف اليساري لا يقل خطورة عن التطرف اليميني فكلاهما شر على كل حال ، وقد قال الإمام الأوزاعي (رحمه الله) : “ما أمر الله (عز وجل) في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من احدى اثنتين لا يبالي أيهما أصاب؛ من جهة الإفراط أو من جهة التفريط”.
مؤكدًا أننا لن نستطيع أن نقضي على التطرف والتشدد ، وأن نقتلعه من جذوره ، وأن نؤمِّن أوطاننا من شره إلا إذا واجهنا التسيب والخروج عن الجادة بنفس الحماس والقدر ، لأن الأمور إذا كانت خالصة لله حفها التوفيق ، أما إن خرجت عن ذلك فلا يلومن صاحبها إلا نفسه .
موضحًا أن منهج وزارة الأوقاف تبنِّي طريق الوسطية ، وهو ما يؤكد عليه سيادة الرئيس/ عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية (حفظه الله) في دعمه وتوجيهه للمؤسسات الدينية بصفة ثابتة ، سائلين الله أن يرزقنا حسن القصد وحسن النية وأن يجملنا بدوام السداد والتوفيق .
كما وجه معاليه الشكر لكل من أسهم في هذا المؤتمر إعدادًا أو تنظيمًا من الزملاء العاملين بالوزارة فقد بذلوا جهدًا كبيرًا مضنيًا في الأيام القليلة الماضية ، وكل الشكر والتقدير لضيوفنا الكرام الذين أكرمونا بحضورهم هذا المؤتمر ، ولكل الباحثين فكما ذكر السيد الأستاذ/ المقدم فقد بلغت بحوث المؤتمر 40 بحثًا بالتمام والكمال ، وهي بحوث متميزة بالفعل وخاصة ما كتب حول تطور مفهوم الدولة قديمًا وحديثًا ، وتابعت بالطبع أعمال اللجان سواء بالحضور المباشر لبعضها أو بملخصاتها وبما نشر عنها وهي مناقشات جادة وثرية يتمم بعضها بعضًا ، وانتهينا منها سواء من خلال البحوث المقدمة أم من خلال المناقشات والجلسات التي تمت على مدار 10 جلسات بعد الجلسة الافتتاحية انتهينا إلى البيان الختامي للمؤتمر الدولي الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان “عقد المواطنة وأثره على السلام المجتمعي والعالمي” بحضور هذه النخبة من زملائنا الأفاضل من السادة الوزراء والمفتين والعلماء والمفكرين والإعلاميين والقساوسة الذين شاركونا من مختلف دول العالم أو من داخل مصر كما تابعنا جميع الأبحاث نشكركم جميعًا ، كما نوجه الشكر لسيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لرعايته للمؤتمر .
وباستقراء بحوث المؤتمر ، وبعد يومين متتابعين من العمل العلمي المتواصل في إحدى عشرة جلسة علمية انتهى المشاركون إلى إصدار البيان الختامي متضمنًا أمرين : أمرين :
أولًا : مخرجات وتوصيات المؤتمر .
ثانيًا : وثيقة القاهرة للسلام .
مخرجات وتوصيات المؤتمر
1. التأكيد على أن مفهوم الدولة مفهوم مرن متطور ، وأن محاولة حصر مفهوم الدولة في أنموذج تاريخي معين وفرضه نمطًا ثابتًا أو قالبًا جامدًا إنما يعني غاية التحجر والجمود والوقوف عكس اتجاه عجلة الزمن ، بما يشكل شللًا لحركة الحياة ، فالتطور سنة الله في كونه .
2. إذا كان العلماء يقررون أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الحال فإن المجال الأرحب لذلك هو مجال السياسة الشرعية في بناء الدول ونظم الإدارة .
3. أن ما أتاحه الشرع الشريف لولي الأمر من التصرف بحكم الولاية في ضوء الحفاظ على الثوابت باب شديد المرونة والسعة ، ينبئ عن عظمة الشرع الشريف ، وحرصه على تحقيق مصالح البلاد والعباد ، فحيث تكون المصلحة الراجحة فثمة شرع الله الحنيف .
4. أن المواطنة مصطلح أصيل في الإسلام ، يتجاوز التنظير الفلسفي إلى سلوك عملي ، وأن المواطنة الحقيقية لا إقصاء معها ، ولا تفريق فيها بين المواطنين ، فالفكر الإسلامي يضمن بثرائه وتجاربه أن نبني حضارات قائمة على مواطنة حقيقية بغض النظر عن العقيدة أو اللون أو العرق .
5. التأكيد على أن الدولة الوطنية هي أساس أمان المجتمعات جميعها ، وأن العمل على تحقيق وترسيخ المواطنة التفاعلية والإيجابية الشاملة واجب الوقت ، وأن بناء الدولة والحفاظ عليها واجب ديني ووطني ، والتصدي لكل محاولات هدمها أو زعزعتها ضرورة دينية ووطنية لتحقيق أمن الناس وأمانهم واستقرار حياتهم .
6. التأكيد على أن العلاقة بين الفرد ووطنه هي علاقة تبادلية أيًّا كانت عقيدة هذا الفرد أو عِرقه، وهي علاقة تحترم خصوصية الأفراد من حيث الحقوق ، وتحترم حق المجتمع من حيث الواجبات ، كما تراعي الحق العام وتحترمه .
7. ضرورة العناية ببرامج الحماية الاجتماعية للطبقات والفئات الأولى بالرعاية ، مع تثمين المؤتمر عاليًا لجهود وبرامج الدولة المصرية في برامج الحماية الاجتماعية ، وعلى وجه أخص مبادرة حياة كريمة التي أطلقها سيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية لتنمية الريف المصري .
8. تنمية ثقافة المواطنة لدى النشء منذ نعومة أظافرهم ، وتدريب الكوادر الوطنية وبخاصة الشبابية على خلق حالة من الوعي بأهمية المواطنة واحترام الآخر، والتأكيد على حريته في اختيار معتقده وحقه في إقامة شعائر دينه .
9. التأكيد على أن أوطاننا أمانة في أعناقنا يجب أن نحافظ عليها – أفرادًا ومؤسسات , وشعوبًا وحكومات – وبكل ما أوتينا من قوة وأدوات وفكر .
10. حتمية تكثيف الخطاب الديني والإعلامي لنشر أخلاقيات التعامل مع المجتمع الرقمي، وتوعية المواطنين جميعًا بعدم نشر أو ترويج الأخبار التي من شأنها الإضرار بالأمن أو إشاعة الفتن ، مع تشديد عقوبات هذه الجرائم بما يحقق الانضباط السلوكي والردع اللازم للمنحرفين عن سبل الجادة.
11. تدريب الأئمة والمعلمين ومقدمي البرامج الدينية والثقافية والإعلامية على غرس قيم التسامح ، والتعايش السلمي ، والقيم الإنسانية المشتركة.
12. تضافر الجهود العالمية للعمل على تفكيك بنية خطاب العنصرية والكراهية، وتصحيح المفاهيم التي قد تؤجّج الصراعات بين البشر، وتقديم التفسير الصحيح للنصوص التي يستغلها المتطرفون لترويج أيديولوجياتهم .
13. التأكيد على دور البرلمانات التشريعي والرقابي في ترسيخ دولة المواطنة التي لا تمييز فيها بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو اللون ، وتؤمن بالتنوع ، وتحترم التعددية وتعدها ثراءً للمجتمع .
14. الدولة أولاً ومن خلالها تُقرّ جميع الحقوق ، فدولة المواطنة هي الأساس الذي يبنى عليه السلام المجتمعي والعالمي ، وأي إضعاف للدولة أو المساس بسلامتها واستقرارها هو تهديد للسلم والأمن المجتمعي والعالمي ، وإفساح المجال للجماعات الإرهابية والميلشيات الطائفية لتعيث في الأرض فسادًا .
15. الإشادة بتجربة مصر المتميزة تحت قيادة سيادة الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية في استعادة الدولة الوطنية والحفاظ عليها ، وفي مواجهة الإرهاب وترسيخ دولة المواطنة ، وبناء جمهورية جديدة ترتقي بجودة الحياة لكل المواطنين ، وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات أيًا كانت دياناتهم أو مذاهبهم ، وتفتح أبواب المشاركة واسعة لكل أبناء المجتمع على قدم المساوة .
وثيقة القاهرة للسلام
إنه في يوم الأحد 12 رجب 1443هــ الموافق 13فبراير 2022م ، وفي ختام أعمال المؤتمر الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان : (عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي) الذي عقد بالقاهرة في الفترة من 11 – 12 من رجب 1443 هــ الموافق 12 – 13 فبراير 2022م ، بحضور دولي واسع من وزراء الشئون الدينية ، والمفتين ، والعلماء ، والمفكرين ، والمثقفين ، والبرلمانيين ، والإعلاميين ، والكتاب ، من المسلمين وغيرهم من مختلف دول العالم ، أجمع المشاركون على إصدار وثيقة القاهرة للسلام ؛ لتحمل رسالة سلام من أرض الكنانة ، من على ضفاف نيل مصر من قلب قاهرة المعز إلى الدنيا بأسرها ، مفادها :
1. أن تحقيق السلام مطلب شرعي ووطني وإنساني يسعى لتحقيقه كل إنسان نبيل ، وهو أصل راسخ في شريعتنا الغراء .
2. أن الحوار بين الأفراد يعادله التفاهم بين المؤسسات , والتفاوض بين الدول , وتحقيق ذلك على أرض الواقع يدعم السلام المجتمعي والعالمي .
3. الدعوة إلى إصدار ميثاق دولي ملزم يجرم الإساءة للمقدسات والرموز الدينية ، ويتصدى لخطاب الكراهية والعنصرية باعتبارهما جرائم تهدد السلم والأمن الدوليين .
4. أن السلام الذي نسعى إليه هو سلام الشجعان القائم على الحق والعدل والإنصاف ، النابع من منطق القوة الرشيدة التي تحمي ولا تبغي ، فالسلام إنما يصنعه الأقوياء الشجعان ، وشجاعة السلام لا تقل عن شجاعة الحرب والمواجهة ، فكلاهما إرادة وقرار .
5. أن السلام لا يعني مجرد عدم الحرب ، إنما يعني عدم أذى الإنسان لأخيه الإنسان ، فلا بد من أن يحرص كل منا على عدم أذى الآخر بأي نوع من أنواع الأذى المادي أو المعنوي ، أو أن يحاول النيل من معتقداته وثوابته الدينية أو الوطنية ، وأن يحترم كلٌّ منا خصوصية الآخر الدينية والثقافية والاجتماعية وعاداته وتقاليده ، وأن تكف كل دولة عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى ، أو محاولة إفشالها أو إضعافها أو إسقاطها ، من منطلق أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، دون تكبر أو استعلاء .
6. أن البشرية لو أنفقت على نشر ثقافة السلام ومعالجة قضايا البيئة والحد من تأثير التغيرات المناخية ، ومساعدة الدول المعرضة للمخاطر ، والمناطق الأولى بالمساعدة ، معشار ما تنفقه على الحروب لتغير وجه العالم ، ولأسهم ذلك في تحقيق السلام العالمي للجميع .
7. لا بد من تكثيف جهود نشر ثقافة السلام ، والتحول بها من ثقافة النخب إلى ثقافة المجتمعات والأمم والشعوب ، حتى تصير ثقافة السلام قناعات راسخة وقيمًا ثابتة بين سكان المعمورة جميعًا على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم ، بما يحقق الصالح الإنساني العام ، ويحل ثقافة التعاون والتكامل والسلام محل ثقافات العداء والاحتراب والاقتتال.