فى كل عام، ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا، تأتى ذكرى الإسراء والمعراج، فيتكرر الاختبار ويميز الله الخبيث من الطيب، فهناك بعض العقول لا يمكنها استيعاب هذه المعجزة، فتنكرها، وبذلك تنظف حظيرة المؤمنين ،فقد ورد فى القرآن الكريم الحديث عن الرحلتين الإسراء من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس، والمعراج وهى رحلة الصعود إلى السماوات السبع وما فوقها, وقد جاء حديث القرآن عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النجم، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء:1)، وقال: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم 18:12)
كانت الرحلة عبارة عن اختبار لقدرة الرسول على مواجهة قومه بما يخالف العقل والمألوف كما كانت اختبار إيمان للفئة المسلمة معه وتمحيص المؤمن من الكافر وتمييز الخبيث من الطيب ولذا ظهر إيمان أبى بكر وسمّى صديقا من وقتها فقد جاء المشركون لأبي بكر فقالوا: إن صاحبك يزعم أنه أُسري به إلى المسجد الأقصى في الليلة الماضية ونحن نقطع أكباد الإبل إليها في شهركامل, فقال أبو بكر: إن قال فقد صدق, وبادر الصديق إلى التصديق وقال: إني لأصدّقه في خبر السماء بكرة وعشية, أفلا أصدّقه في بيت المقدس؟!
ولذلك يُقال: إن أبا بكر سُمّى صديقاً من حادثة الإسراء والمعراج؛ لأن النبي قال ليلة أسرى به لجبريل: إن قومي لا يصدّقوني، فقال له جبريل: يصدّقك أبو بكر وهو الصدّيق. وذلك مما ورد فى التبصرة لابن الجوزي، وكان عليُّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء “الصديق“.
وكما انقسم الناس بإزاء الرحلة إلى كافر مكذب للرسول وإلى مسلم لم يحتمل عقله وقلبه ذلك الاختبار فلم يصدق فارتد عن دينه، وبين مؤمن أعمل عقله فى المعطيات السابقة فكانت المقدمات السليمة التى أدت به إلى نتائج صحيحة كأبى بكر، فإذا كان الرسول يأتيه الخبر من السماء ومن آمن به صدقه فى ذلك فإذا قال أنه صعد إلى السماء فالمنطقى أن من صدقه فى الخبر الأول يصدقه فى الخبر الثانى، ولكن إلى يومنا هذا ورغم التقدم العلمى إلا أن هناك من لا تحتمل عقولهم تلك الرحلة من المسلمين وغيرهم على حد سواء!
وأعجب من غير المسلم لماذا يكذب بصعود النبى إلى السماء وعودته إلى الأرض من ليلته فى الإسراء والمعراج، ويصدق بصعود المسيح إلى السماء وبقائه حيا إلى الآن ونزوله إلى الأرض فى آخر الزمان! كما أن هناك الكثير من المعجزات للأنبياء السابقين ولكن لن نستشهد بها لأنها كان مشهودا عليها من المعاصرين أما رفع المسيح فهو يستوى مع رحلة الإسراء والمعراج فى أنه إخبار من النبى الذى وقعت له دون أن يشهدها الناس!
أما بعض المسلمين ممن يشكك فى وقوعها بالروح والجسد معا لعدم احتمال عقولهم وقلوبهم لإمكانية ذلك الأمر وأنه مخالف لسنن العادة
فليس أدل على إمكانية وقوعهما من أنهما معجزة وكونهما مستبعدين عادة لا ينهض دليلا ولا شبه دليل على الاستحالة، وهل المعجزات إلا أمور خارقة للعادة كما قال العلماء؟ ولو أن كل أمر لا يجري على سنن العادة كان مظنة للإنكار لما ثبتت معجزة نبي من الأنبياء، فماذا يقولون فى العصا التى تنقلب حية، والبحر الذى يتحول لأرض يابسة ثم يعود بحرا، وإحياء الموتى والنار التى لا تحرق، والبحر الذى يعرف ويفرق بين من ينجى ومن يبتلع ويغرق، ولو كانت رؤيا منام فأى معجزة فى ذلك وفى كتب التفسير نجد عند قوله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}. يقول العلماء: التسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شئ ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة مما كان قد أسلم. وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد قال: {أسرى بعبده ليلا}. وقال: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول اللّه ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي “شجرة الزقوم” رواه البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. وقال تعالى: {ما زاغ البصر وما طغى}، والبصر من آلات الذات لا الروح.
وكل هذه أدلة لعلها تعين الباحثين عن الحقيقة ورغم أن الله أخبرنا منذ البداية أنه اختبار ولا ينبغى التشكيك فيه {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم 18:12). اعاذنا الله وإياكم شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.