ليس أسوأ مما قاله الإعلامى إبراهيم عيسى عن المعراج إلا ما قاله الفقيه الدكتور سعد الهلالى حين استضافه الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه ليدافع عن صديقهما “المنبوذ” ويبرر خطيئته، فقد ظل يناور ويلف ويدور، حتى قلب الموضوع رأسا على عقب، وحوله من إنكار المعراج واتهام علماء الدين بالتدليس وإخفاء الحقائق وتجهيل الناس إلى رفض الوصاية الدينية ومحاكم التفتيش والتدخل فى الضمائر، وضرورة احترام الآخر، وجعل من الجانى ضحية لأصحاب الخطاب الدينى المتشدد والجماعات الإرهابية، مما اضطر أديب أن يقاطعه ليرده إلى جوهر القضية عدة مرات.
وكان الأولى ـ لو حسنت النيات ـ أن يعتذر “المنبوذ” علنا وبكل تواضع عن الزوبعة التى أثارها، وهذا يكفى لينتهى الأمر، فيريح ويستريح، لكنه آثر العناد والمكابرة وخلط الأوراق، حتى لا يسقط فى نظر رعاته.
وقد فهم عمرو أديب من حديث إبراهيم عيسى ـ كما فهمنا ـ أنه ينكر المعراج، فجاء بالدكتور سعد أستاذ الفقه المقارن ليجيب عن السؤال: هل إنكار المعراج موجود فى التراث؟ فنقلنا الدكتور نقلة بعيدة جدا، مؤكدا أن الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم ظل يدعو الناس فى مكة 13 عاما بالهدوء والعقل، لكننا ابتلينا بالخطاب الدينى الوصائى من الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين وحماة العقيدة، وكأن الله يحتاج إلى من يعينه، بينما نحن الذين نستعين به، وهو الذى يحمى دينه ويحفظه.
هنا تدخل عمرو ليأخذه إلى قضية إنكار المعراج، فقال الدكتور: أتعلم أن الصحابة اختلفوا حول المعراج، أكان بالروح فقط، أم بالروح والجسد، أم كان مناميا، وهذا موجود فى “تفسير ابن كثير”، و”زاد المعاد” لابن القيم، الذى عرض الآراء كلها ثم أثبت أن المعراج كان بالروح والجسد، إذن فلابد من احترام الرأى والرأى الآخر، وإلا فأنت ستربّى مسلمين يكرهون الآخر!!
ومرة أخرى يحاول الإعلامى أن يشد الفقيه إلى نقطة التماس، فيعيد السؤال: هل إنكار المعراج موجود فى التراث..لأن أهمية المعراج تكمن فى أن الصلوات الخمس فرضت فيه؟ وهنا بدا الفقيه مراوغا كبيرا فقال إن الذين أنكروا المعراج بالكلية (لا روح ولا جسد) لم تذكر أسماؤهم، وإنما قيل فى كتب التراث إنها شبهات المنكرين، وتم الرد عليها، والشيخ المراغى وكل أساتذة السيرة ردوا على تلك الشبهات كوجهات نظر مخالفة، لكن الدكتور لم يذكر أن أصحاب الشبهات ومنكرى المعجزة الذين يشير إليهم أساسا غير مسلمين، وهذا أمر لا مشكلة فيه، ولا يدخل فى القضية المثارة، قضية مسلم يدعى الاستنارة والتجديد، ينكر المعراج ويسخر ممن يقولون به.
ومرة ثالثة ينبهه الإعلامى إلى أن “الآراء ووجهات النظر ليست فى المسلمات يا دكتور”، فيقفز الدكتور بسرعة إلى أن هناك من لا يؤمن بالقرآن، هل سنقتله أم نقول له لكم دينكم ولى دين، لكم رأيكم ولى رأيى، هل نترك الدين لله أم نقيم محكمة الآخرة فى الدنيا، هل إيماننا بالله متفق عليه أم أننا مختلفون؟
ومرة رابعة يحاول الإعلامى الوصول معه إلى جوهر القضية قائلا: “لكنك لا تستطيع أن تنكر على الناس إحساسهم بالصدمة، أنا شخصيا هذا الأمر راسخ فى وجدانى، فطبيعى جدا أن الناس عندها حالة صدمة وحالة غضب، فيرد الفقيه بأن المشكلة فى أننا ابتلينا بالاحتلال العثمانى الذى جعل للدين مؤسسة ورجالا هم مكان ربنا فى الأرض، فأصبحت الناس تدين لهؤلاء الرجال، لكن الدين لله، افترض أنك قلت لى إن فهمك خطأ وأنا لم أقتنع، هل ستضربنى أم ستقتلنى، الإيمان يأتى اقتناعا، وقد قال الله تعالى للنبى: “فذكِّر إنما أنت مذكّر. لست عليهم بمسيطر”، متى سنتخلق بهذا الخُلق الإلهى فى الرحمة وعدم إكراه الآخر، ونلغى الوصاية الدينية، وكل من يتكلم نقول له اعطنا البيان الذى يثبت ما تقول، وطالما ذكر بيانه نقول له شكرا، لكن أن نقول له أنت فهمت غلط ولابد أن تصحح فهمك وتصحح عقيدتك، إذن نحن نقيم محاكم تفتيش من جديد، بحجة أننا ننصر الدين، هل ننصر الدين بما يجعل الناس يكرهون الدين أم بما يجعلهم يحبونه؟
والآن، لماذا كانت مداخلة الدكتور سعد، وما الرسالة التى أراد أن يبلغنا إياها؟
لو أعدت قراءة السطور السابقة ستجد أن هدف الإعلامى والفقيه كان مساعدة صديقهما “المنبوذ” إبراهيم عيسى بعد أن ضاقت عليه الأرض، وذلك عبر 3 مسارات ـ أو ثغرات ـ ليخرج من الورطة التى وضع نفسه فيها، وهى الخطوط التى سيتحدث بها عيسى لاحقا عندما يعود إلى برنامجه، وأولها أنه لم يقل بإنكار المعراج، وإنما نقل ما فى التراث فقط، مثلما فعل الشيخ المراغى، وثانيها أنه ضحية محاكم التفتيش التى ينصبها الأوصياء على الخطاب الدينى من المتشددين والجماعات الإرهابية، مع أن حديثه كان عن الشيوخ والمؤسسة الدينية، وهم الذين ردوا عليه، وفى مقدمتهم الإمام الأكبر بارك الله فيه، وثالثها إدانة وتسفيه أية دعوة لنصرة الدين، وإخراج العلماء من المعادلة، حتى فيما يتعلق بتعلم الدين وتعليمه، فالمطلوب أن نعيش فوضى دينية، ويكون الإسلام مستباحا بلا مرجعية، مع أن دستورنا جعل من الأزهرـ وليس الجماعات المتطرفة والإرهابيةـ المرجعية الدينية.
إن استخدام الآيات القرآنية فى غير موضعها هدفه صناعة دين جديد، دين “كيوت”، لأن البعض لا يقبل الإسلام القائم اليوم، فإذا دافع الناس والعلماء عن دينهم اتهموا بأنهم أوصياء ومتطرفون وإرهابيون، بينما الآخرون ينكرون المعراج، وغدا سينكرون الصلوات الخمس، وبعد غد سيعلنون قطع أية صلة للمسلمين بالمسجد الأقصى مسرى النبى ومعراجه، وهو المشروع الذى سمعنا من د. سعد وجوقة العلمانيين ما يمهد له، وحسبنا الله ونعم الوكيل.