الجمهورية الجديدة أُقيمت على أسس “المواطنة الحقَّة”
المصريون أول من عرف الله.. واحترموا حرية العقيدة
البحث العلمى “قاطرة” التنمية.. ودعمه واجب الجميع
مصطفى ياسين
أشاد السيد علاء أبو العزائم- رئيس الرابطة المصرية للمسلمين والمسيحيين، شيخ الطريقة العزمية، رئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية- بالنموذج المصرى فى المواطنة الحقَّة لجميع أبناء الوطن، مُرجعا ذلك إلى كون مصر أول دولة وشعب عرف الله واحترم حرية العقيدة.
أكد أن هذا النموذج والإرث الضارب فى أعماق التاريخ، هو الركيزة الأساسية فى الانطلاق نحو الجمهورية الجديدة بثبات، وإخلاص جميع المصريين، ويُرسِّخه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل مبادراته وتوجيهاته بغرس قيم ومفاهيم المواطنة فى كل خطوات الدولة المصرية الحديثة، وبنائها للجمهورية الجديدة، وقد نجح بفضل الله وتوفيقه، فى إزالة كل مظاهر الفُرْقة والفتنة، وأعاد مصر لأهلها الطيبين.
وفيما يلى نص الحوار.
* كيف بدأت فكرة إنشاء تلك الرابطة؟ وما أهدافها؟
** برزت فكرة إنشاء هذه الرابطة أثناء كابوس حكم الجماعة الإرهابية، لأننا كصوفية خشينا سعى الإخوان لإلغاء قانون تنظيم الطرق الصوفية، ومنع إقامة الموالد أو التجمّعات الصوفية، وبالتالى انعدام النشاط الصوفى.
وتلاقت هذه الأفكار الصوفية مع التخوفات المسيحية أيضا من ذات التوجّهات الإرهابية والتعامل معهم بسلوكيات سيئة، والتشديد عليهم واضطهادهم، وهذا ما حدث بالفعل.
فكان لزاما علينا الاستعداد لمواجهتهم من خلال التنظيمات والتكتلات القانونية والمشروعة، فالتقيت مع د. شريف دوس، والمستشار أمير رمزى- رئيس محكمة الجنايات- ودرسنا قوّتنا العددية، فوصلنا إلى أن عدد المسيحيين تقريبا 5 ملايين، ومثلهم من الصوفيين، أى أننا عُشر الأمة المصرية تقريبا، فقررنا أن نتكتل ونجتمع معا على هدف واحد، حتى تشعر بنا الدولة فى عام الإرهابية الأسود!
وفعلا أنشأنا هذه الرابطة طبقا للقانون فى 14 أبريل 2013م، ونظّمنا حوالى 20 مؤتمرا طوال عام الإرهابية، وكانت تكلفة هذه المؤتمرات بالتناوب بيننا، فمشيخة الطريقة العزمية تحمَّلت تكلفة 10 مؤتمرات، أما العشرة الباقية فتحمّلها المستشار أمير رمزى، ونفس الأمر بالنسبة للإدارة والإشراف فهى بالتناوب بيننا.
ومن الطرائف التى أتذكّرها خلال عقد أحد هذه المؤتمرات فى الاتحادية، وكان مقدّم المؤتمر أخ مسيحى، فقال: والآن مع كلمة أبونا الشيخ علاء! فضجَّت القاعة بالضحك! فقام الشيخ سيد الشيخ- من أبناء العزمية- وقال: أبونا احنا! فقلت وأنا على المنصة: أنا أبوكم كلّكم!
ومازالت مؤتمراتنا تُعقد سنويا، وتحديدا فى 24 رمضان، ويحضرون معنا نجدد اللقاء ونناقش القضايا المشتركة، ومن الطريف أننا نحرص على دعوة بعض الملحدين أو العلمانيين، فى مسعى لإصلاح مسار تفكيرهم، إن أرادوا، من خلال التعرف على قيم ومبادئ الأديان السماوية، وقد أثمرت هذه الرابطة علاقات طيبة فيما بين جميع التيارات الفكرية والدينية، ويظهر ذلك عند التقائنا فى أى مناسبة، حتى التى نُدعَى إليها.
وكذا يحرص المستشار رمزى على دعوتنا فى جميع لقاءات جمعيتهم “راعى مصر”.
ويمكننى القول بأن الرابطة نجحت فعلا فى تحقيق أهم أهدافها وهو التقريب فيما بين المسلمين والمسيحيين بل وأصحاب التيارات الأخرى، وخلقت جوًّا من الود والاحترام والتعرّف على أفكار وسلوك الآخر، لأن الإنسان عدو ما يجهل، فكان لزاما علينا معرفة بعضنا البعض حتى نقضى على اى نوع من العداء والبغض والكُرْه فيما بين أبناء الأمة المصرية جميعا، أيا كانت عقائدهم أو أفكارهم، وأن تُظِلَّهم مظلة الاحترام المتبادَل وعدم الاعتداء على الغير، والعيش فى امن وسلام، وهذا أهم أُسس المواطنة التى رسَّخها سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فى وثيقة المدينة عقب هجرته إليها.
نموذج فريد
* ليتك تُذكِّرنا ببعض المواقف والمشاهد التى عايشتها من المواطنة المصرية؟
** أذكر أننا أثناء ثورة 30 يونيو 2013م، وفى ميدان التحرير، كان قساوسة الكنائس يفتحون الأبواب لاستقبال الصائمين وإفطارهم، وأكثر من هذا، كان الشباب المسيحى يقف حارسا على المسلم وهو يؤدى الصلاة، بل “يصب” له الماء ليتوضأ.
والحقيقة أن هذا المشهد كان قد بدأ أيضا فى ثورة 25 يناير 2011م، وهذا ما دفعنا بداية للتفكير فى رابطة تسعى لتقوية هذه الحالة المصرية الفريدة، والتى لم ولن توجد أو تتكرَّر إلا فى أرض الكنانة مصر التى حماها الله سبحانه وتعالى.
وكذا أتذكَّر ان ميدان التحرير كان فى منتهى القذارة طوال أيام اعتصام الثوار، حتى تنحَّى مبارك، فتحوَّل الشباب إلى خلية نحل لتنظيف وتجميل الميدان بالرسومات الجميلة، فكان ذلك أيضا من مظاهر المواطنة الإيجابية التى وُلِدَت مع حالة الثورة والتحام المشاعر، وإيمانها ببناء الوطن.
وشيج المصريين
* كيف ترى العلاقة بين المصريين، بنسيجهم الإسلامى والمسيحى، ودورهم فى الانطلاق نحو الجمهورية الجديدة؟
** فيما يتعلق بالرابطة المصرية، فقد نجحت فى ترسيخ وتعميق الأمان للأخوة المسيحيين وكذا الصوفية، وكنت ضيفا فى بعض القنوات المسيحية حتى فى عام حكم الإرهابية، والانتخابات الرئاسية.
وخلال تواجدنا “فى حب مصر” فى ميدان التحرير، اتصل بنا أحد قساوسة الكنيسة وأبلغنا مباركة البابا شنودة- رحمه الله- هذه الخطوة، فكانت خطوة تشجيعية للمعتصمين، باعتبار أن قيادات الكنيسة تقف خلفهم.
وتابع البابا تواضروس الثانى أيضا هذا المنهج، وقد التقيته برفقة المستشار أمير رمزى، ومعنا الأنبا دانيال، صاحب فكرة عرض إقامة الرابطة على البابا شنودة.
كل هذا وغيره، مما “يصب” فى الجهود والخطوات التى يتّخذها الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ تولّى مسئولية البلاد، وتُعمِّق قيم وأسس المواطنة الحقَّة، يعتبر القاعدة الأساسية والمتينة التى تُبنَى عليها أركان الجمهورية الجديدة، فمصر تُقدِّم نموذجا فريدا وغير مسبوق فى أى مكان بالعالم فيما يتعلق بالمواطنة والعيش المشترك، لأن مصر والمصريين أول شعب عرف الله وأقرَّ بالأديان واحترم أتباعها، ولذلك فإننى أُشبِّه علاقة المسلمين والمسيحيين بالوشيحة وليس مجرد النسيج الواحد.
الدعوة بالعقل
* تُرى، كيف يكون التعامل مع اللادينيين وأمثالهم؟
** يجب علينا التعامل مع العلمانيين أو الملحدين أو غيرهم ممن ينكرون القرآن والإنجيل وكل الكتب السماوية، بالعقل والمنطق، وأذكر هنا موقفا حدث مع والدى السيد احمد أبو العزائم- رحمه الله- حينما أراد تحويلى من جامعة أسيوط إلى جامعة القاهرة، فذهبنا معا إلى جامعة القاهرة، ووجدنا أحد الأشخاص مُفطِرا فى نهار رمضان، يُدخِّن السيجارة! فسأله السيد “أحمد”: إذا كنت غير مسلم، فلك الإفطار، وإن كنت مريضا مسلما فعذرك معك، ولكن عليك أن تستتر “إذا بُليتم فاستتروا”، لكن إجابة ذلك الشخص كانت مُفجعة، حيث قال: تربّيت فى بيت مسلم، لكنى غير معترف بأى دين! فلم يجادله السيد أحمد أبو العزائم طويلا وإنما قال له: أنت تنكر الأديان وتعيش حياة سعيدة! وأنا أومن بالإسلام وأيضا أعيش سعيدا، لكن فكِّر قليلا فى الآخرة، يومئذ إذا لم يكن هناك إله وحساب، فأنا لن أكون قد خسرت شيئا، وإذا كان هناك إله وحساب فما مصيرك؟! وتركناه يُفكِّر ولعله راجع نفسه!
إعلام التريند!
* وما تعليقك على ما تتناوله وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالمحتوى أو الأهداف؟
** للأسف الشديد الإعلام يروِّج للهيافات والسعى وراء التريندات والمشاهدات ولو على حساب القيم والأخلاق ونشر الفضيلة، وفى المقابل نجد خطبة الجمعة مجرد ١٠ دقائق وغير حيوية، وأشير إلى أننى دخلت كنائس أوروبية- وليست مصرية- وجدت خطب الوعظ فيها ساعة كاملة، تشمل كل مناحى الحياة اليومية من عقيدة وسلوك وأخلاق، فلابد أن نبدأ حياتنا ونربّى أبناءنا “صح”، ونغرس فيهم الأخلاق حتى نكون أقوياء، وإذا كان اقتصادنا ضعيفا، وهناك تقصير من جانب الدولة فى مجال ما فواجبنا أن نكمله نحن، مثل دعم مراكز البحث العلمى التى هى أساس النهضة والتقدم، فلابد أن نفتح الباب لأبنائنا النابغين فى كل المجالات، وندعمهم فى البحث العلمي فى كل المجالات- زراعية تجارية صناعية- وهم أفضل من أبناء الغرب كثيرا، بدليل تفوّقهم إذا سافروا للغرب، فواجبنا أن نساعدهم ونقف بجانبهم ونسخِّر قوّتنا كلها للبحث العلمي، وإذا كان الرئيس جمال عبدالناصر قد أضاء الريف وسقاه المياه النظيفة وكانت فى عهده حركة ترجمة الكتب العلمية إلى اللغة العربية، لكن الأساتذة وقعوا فى الخطأ بعدم مراجعتهم كتب الباحثين، وللأسف فى عهده نُشرت ثقافة المطالبة بالحقوق لكن دون المطالبة بأداء الواجبات، فظهرت مساوئ الرياء والنفاق!
فيجب أن نقف “وقفة صح” مع كل مراكز البحوث العلمية، فهى مفتاح وطريق النجاح والتفوق، وليس اتِّباع الغرب.
دعم العلم
* وكيف تكون هذه “الوقفة الصح” لدعم البحث العلمى؟
**هناك نوعان من الزكاة، لابد أن نعيها، الأولى: زكاة المسلمين: وهى المعروفة بإخراج 2,5% على المبلغ إذا حال عليه الحول وبلغ النصاب 85 جرام ذهب، وهناك زكاة المحسنين، وهى أيضا 2,5% لكنها على كل مبلغ يحصِّله المُحسن- يومى او شهرى- فنحن نريد زكاة المحسنين، وليس المسلمين.
ولذا أقترح تشكيل لجنة يثق فيها الشعب لتحصيل “زكاة المحسنين” وستكون الزكاة ساعتها خفيفة وسريعة، ولكنها أكثر وأفيد للمجتمع، ونقدّمها لمراكز الأبحاث، فضلا عن “ثُمْن” زكواتنا أيضاً نقدّمها للبحوث العلمية، وممكن نقدّمها عينية كأجهزة وخامات، واللجنة تُكوَّن في كل محافظة، مشيرا إلى أن القيمة ستبلغ الملايين ويمكنها سد قصور الدولة فى الصرف على دعم البحث العلمي، لأنه سبّب قوّتنا، وفى هذا الإطار سيُكلَّف كل نائب عزمى فى محل إقامته بتشكيل هذه اللجنة.